رحل عن عالمنا اليوم الفنان محمود ياسين، رحل صوت مصر المتحدث بلباقة وشجن… تاريخ يبرق وأعمال تتحدث عن نفسها،رحل جندي أكتوبر الذي جسد لنا أجمل لحظات الانتصارفي فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي وفارقنا أيضا في أكتوبر.
عندما تستمع إلى صوت محمود ياسين يخيل إليك أن التاريخ يتحدث… وأن الأحداث تخاطبك بصوتها، روعة الصوت والآداء، وفخامة المحيا الأصيل يتجسد في نظرته ، إنه البورسعيدي الجميل الذي كانت الموضة تخلق من طلته، وتنطلق الأحداث من بين خطوته، معشوق الجميلات وفتى الأحلام…. وجندي الانتصارات حكى لنا تاريخ أكتوبر بين أحداث أفلامه الوطنية، جسد الجندية حتى الموت وجسد الانتصار حتى الثمالة، وأيضا جسد الشهادة في حب الوطن حتى عشقنا تراب الأوطان، وجسد لنا كل مصري أصيل…. كان ينبع صدقا من نظرة عينيه….. وكان صوته وحده يعد توثيقا للتاريخ، ويعد ختما للصدق والحق والخير….
ولد محمود ياسين فى مدينة بورسعيد حيث كان يعمل والده في هيئة قناة السويس، و تخرج من كلية الحقوق جامعة عين شمس في 1964 ، بعدها التحق بالمسرح القومي، وعين محمود ياسين في المسرح القومي الذي بدأ منه رحلته وقدم أكثر من 20 مسرحية وساعده في النجاح صوته الرخيم الساحر وأدائه الصادق منحه التميز،
كان محمود ياسين مسرحي فذ بفطرته، يمتلك أدوات التواصل مع الجمهور لتوصيل الفكرة وإدخال الجمهور في عمق المشاعر وبين تلافيف الشخصية.
وصل إلى البطولة ثم تولى إدارة المسرح القومي لمدة عام فقط بعدها استقال.
قدمت السينما محمود ياسين الفتى الأول المبهر الذي تعشقه الجميلات، الفتى الذي يسحر بطلته و مظهره وصوته وقدم العديد من الأفلام المشهورة منها : الرصاصة لا تزال في جيبي، شيء من الخوف، نحن لا نزرع الشوك،
( فتى الشاشة الأول) كان لقبه الأشهر على الإطلاق…. حيث أكمل رصيده أكثر من 150 من الأفلام السينمائية، منها وهو كبير السن مثل فيلم الجزيرة مع أحمد السقا، ومن منا لم يتأثر في تكوين فكره وعقله بأفلام محمود ياسين مثل:
الجلسة سرية، سيدتي الجميلة الأيدي القذرة، على من نطلق الرصاص، الباطنية، موعد مع القدر، الشريدة، العمليه42 ، ليتني ما عرفت الحب ، مولد يا دنيا، وكالة البلح، لا يا من كنت حبيبي، أفواه وأرانب، وضاع العمر يا ولدي، فتاة من اسرائيل، الجزيرة، اذكريني، انتبهوا أيها السادة، عزبة آدم، ولا يزال التحقيق مستمرا….
أعماله في التلفزيون كانت عبارة عن مسلسلات تاريخية واجتماعية راقية، تناقش قضايا اجتماعية ساخنة، وكانت تلقى نجاحا مبهرا وخاصة المسلسلات التاريخية أيضا حيث شكلت مكتبة عربية لتوثيق أهم الشخصيات الإسلامية، عن طريق أعمال فخمة في الكتابة والأدب والتقديم والأداء التمثيلي مثل: ضد التيار، أبو فراس الحمداني، جمال الأفغاني حكاوي طرح البحر، اللؤلؤ المنثور، سور مجرى العيون، سوق العصر، ميراث الغضب، حديقه الشر، العز بن عبد السلام، خلف الأبواب المغلقة، أبو حنيفة النعمان….
وكذلك المسلسلات الإذاعية الشهيرة مثل أنور السادات، عودة الغائب، الأرملة العذراء، أصابع بلا بصمات…
قدم محمود ياسين للفن العربي كل ما يرتقي من أشكال الفنون، والذي يثمر في حركة الفن والتاريخ وقدم أكثر من 40 عاما من العطاء حتى أصبح نجما براقا من نجوم العالم العربي ، وما أحزن الجمهور العربي هو مرض محمود ياسين من ستة أعوام وابتعاده الكامل عن التمثيل والفن بسبب مرض الزهايمر الذي تطورت حالته لدى الفنان بشكل سريع في خلال الستة أعوام المنصرمة ، اليوم فارقنا الفنان روحا وجسدا معلنا سقوط ورقة فنية هامة من أوراق الشجر الفنية، التي يتوالى تساقطها كل يوم رحم الله الفنان محمود ياسين فارق الحياة وما تزال الرصاصة في جيبه.