أزمة السرد!
دكتور سيد شعبان
حين يمسك الكاتب بقلمه يقع بين أمرين: البوح بذات نفسه أو التخفي وراء الرمز ودلالاته الشفيفة؛ في الأولى هو متوجس عاقبة مفرداته وجمله وتعبيراته وفي الآخرة آمن أن الأمر خفاء ورقص على حبال اللغة؛ إنها لعبة الحروف ومسامرة الأفكار، يكتب ويبدع من يخايل بقلمه ويزاوج بين الأمرين؛ فالوضوح يفقد السرد متعته يقتله بالمباشرة ويدخله زاوية الانفلات.
وخطورة الترميز أنه يحجب الفكرة وراء التعمية والكنايات مما يجعله رهقا للقاريء و في ذلك صعوبة المتابعة، فليس الوقت بمسعف لتلك الأحاجي والألعاب اللغوية.
لقد غدا السرد العربي مريضا بالتكرار ومحشوا بالغثائية؛ ولا أدل على ذلك من ذلك الركام من الكتابات التي تملأ المعارض تحت دعوى حرية النشر وفوضى التأليف.
أما قضية الاعتناء بجماليات الأسلوب فهي غائبة عن مجمل الكتابات- إلا القليل منها- تستطيع أن تستبين ذلك من ضعف الأداء اللغوي وفقدان بصمة المؤلف الفرد؛ حين تقع في يدك صفحات منبتة من مؤلفها تدرك أن تلك للعقاد والأخرى للرافعي؛ فالرجل هو الأسلوب؛ مقولة تصدق على المبدعين الذين تركوا أثرا في مجمل السرديات العربية.
هذه كتابات حسين مؤنس وأحمد مستجير بل مصطفى محمود؛ علامات مائزة في بنيان السرد رغم مرور الزمن.
يسألني البعض عن كتاباته فأصمت خشية القول بنمطية ما يكتبون وحشو ما يؤلفون؛ الكتابة عندي حالة من الوجد أعاينها حين أمسك بالقلم، دواعي السرد كثيرة ولكنها تحتاج عينا فاحصة ومقدرة على المزاوجة بين العام والخاص، رغيف الخبز ومتابعة إصابة ترامب بكورونا، أن تنفعل بحدث في وطنك كما تتألم لطفل غرق في البحر هروبا من حمام الدم في مكان ما.
رؤية الجوعى في اليمن أو في الصومال أو كارثة الفيضان شأن تأثرك بدفتر أحوال وطنك، أن تترك الكتابة عن الأحلام المخايلة والجمل المصاحبة من تنميق وتزويق لهؤلاء المتخمين والجوعى يتساقطون.
نتساءل عن موقعنا من الإبداع فنصدم بعجزنا في القراءة وقلة الرصيد المعرفي، يلوك بعضنا حديث المؤامرة وما وجدت قوما يعادون لغتهم مثلما يفعل العرب، يستهينون برصيدهم المعرفي وينتسبون زورا إلى اللاتين أو الساكسون، تدهش حين تقرأ لنجيب محفوظ وتنتابك النشوة حين تجد كتابا للطيب صالح تتراقص لجمل الرافعي وتعظم لغة العقاد وأسلوبه؛ لكنك بشم من تلك الحداثة في التعبير والتفكير مما تعالجه من كتابات أدبية أو فكرية.
نحتاج مدارسة روائع السرد عند أعلامه الذين أبدعوا وتفردوا ترجمة وتأليفا.
مدارسنا بله مناهجنا تعاني الحشو وتفتقر إلى التجديد؛ يعجبني ما كان في زمن سابق من تقديم نماذج المنتخب من الأدب غربا وشرقا.
زر الذهاب إلى الأعلى