شعر وحكايات
“ليس الليل نهار الخفافيش وحدها” ق.ق
بقلم / سميع الخطيب
فجأة اختفى وجهها الحزين من على الشرفة تساءل عيسى، مطرب الليل الأوبرالي, وعلى طريقته السيمفونية: لماذا ؟ وراح يجوب الشوارع المقفرة إلا من صدى غنائه الجنائزي.
آ د ه كان اسمها ميادة، إلا أن لسانه كان غريباً تماماً كعالمه. أجمل ما كان في لياليه الموحشة، شرفة دائمة الإضاءة، تؤنسها صبية لها حكاية. كان يحبها، رغم مبالغتها في التدخين.. وبرزانة المحب الذي تحط عليه الهيبة والوقار، ما إن يرى حبيبته، جاء بحذائه البلاستيكي الأسود، ذي العنق الطويل، والذي كان وراء مشيته النظامية الموزونة.
شاقة وطويلة رحلته ما بين النقطة “س” والنقطة “د” التي تتألف من إحدى وعشرين خطوة، راسمة الضلع الثالث للزاوية ع. والتي مركزها عين المحبة فالخط س. د هو أفق نظرها رغم أنها لم تكن تراه.. كانت تكلفه كثيراً مسألة عبور هذه الرحلة التي تشكل أهم جزء في العالم إلا أنه رغم مشقتها؛ يحبها.. يحبها جداً. في هذا اليوم، لم يحتج القائد العاشق أن يضطرب أمام الشرفة بمشيته العسكرية.
لم يحتج لأن يتشنج وينتشي فوجهها الحزين غائب. لن يشعر اليوم بألم في عينيه، بسب انحرافهما الزائد، كي يراها خلسة، وراح يطلق أنّاته المتسائلة في ليل نائم: أين؟ ولماذا؟ عفويته ما انفكت تقنعه، أنه وراء سهرها، وأن وحدتها لأجله، وما تدخينها إلا نقمة منها على مجتمعهم الذي حرم الحب، ومرآة نفسه الفطرية لا تعرف إلا الصبغة الفيروزية للحياة. ستعود حتماً ميادة التي لم يكن عيسى بالنسبة لها، إلا كما يعني لها مصباح الشارع أضيء أم أطفئ كشاحنة القمامة في وقتها اليومي جاءت أم لم تأتِ. كجرذان الليل تحررت من خوف النهار أم لم تتحرر. كانت في فراشها، تحتضن الموت الذي انتظرته طويلاً، على شرفة دائمة الإضاءة بوجهها الحزين، لأسباب يجهلها كثيرون. آده صبية شقراء جميلة، بعينين مليئتين بلوم دافئ رقيق، باحثتين عن تفاسير، لم تعد قادرة على احتساء القهوة المهللة، مع سيجارتها التي لم تكن لتنطفئ، إلا مع اشتعال الصباح. صبية شقراء موؤده النفس، في زمن الحديد المحلق. لم تعد بحاجة لأن تديم إضاءة شرفتها، ولا إلى البحث عن إجابات ولا حتى التساؤل.. لم تعد بحاجة لمجرد العتب. وفجأة تغيب الجنرال عيسى عن مثلث خائنة الأعين وانقطعت مشيته المورونة عن الشارع.
إقرأ المزيد “جثة تبحث عن نعش” ق.ق