شعر وحكايات
يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة “39 “الصالونات الأدبية في المقاهي الفرنسية
في عطلة نهاية الاسبوع كانا يقصدان جادة الشانزليزيه حيث المقاهي الشهيرة التي ينبعث من بين جدرانها صدى صوت الماضي الأنيق والعريق
كانت ” جي ” تنتظر صاحبنا , أو ربما يكون هو في إنتظارها مع كل دقات القلب التي تترجم هذا اللقاء .
على رصيف الشانزليزيه الذي يتنافس بالمقاهي العريقة مع فنجان القهوة الفرنسية مع أحدث عروض الأزياء العالمية المتألقة التي تبعث أفخر العطور الباريسية .
فنجان قهوة في الشانزليزيه يختصر العالم كله
في باريس تلتقي بالعالم كله , تسمع كل اللغات واللهجات وتستمتع بالموضة وأخر الصيحات .
هنا على مقهى ” فلور ” وعلى تلك الطاولة الصغيرة المستديرة التي كان يجلس عليها ” جان بول سارتر ” وصديقته ” سيمون دي بوفوار ” يؤلفان كتاباً عن الوجودية .
أما على منضدة أخرى كان ” اندريه بيرتون ” يصدر بياناته لجمهوره ومتابعيه
تشكل المقاهي الباريسية ركناً مهماً من الحياة الوجدانية الفرنسية , جدران المقاهي تسجل شهيق وزفير الحركة الأدبية والثقافية والإبداعية بل تقدم شهادة على العصر بكل مافيه من متناقضات .
يعتبر مقهى ” لوبرو كوب ” أول من شهد ولادة التيارات الإيديولوجية الجديدة، واعتمد بمثابة مقر من قبل فلاسفة ” عصر التنوير ” من أمثال
” فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو”
والمقهى نفسه شهد ولادة الثورة الفرنسية، كونه استخدم مقراً لاجتماعات آباء هذه الثورة، وفي طليعتهم روبسبير ودانتون.
يعتبر القرن التاسع عشر العصر الذهبي للمقاهي الفرنسية حيث استقطبت ريشة كبار الرسامين والكتاب الذين كانوا يترددون عليها، وخلدت في لوحات ” بول سيزان ” وفي نصوص ” لبالزاك وجيرارد ونيرفال” .
وشكلت المقاهي الواقعة في حي مونبرناس مهداً لولادة الحركة السريالية التي يعد الكاتب “اندريه بروتون ” من رموزها الأساسية. وبعد الحرب العالمية الثانية شهدت المقاهي الواقعة في حي “سان جيرمان ” ولادة الحركة الوجودية مع جان بول سارتر. واتسمت المقاهي الباريسية وفقاً لموقعها بحيثية خاصة وجو يجعلها مختلفة عن سواها ويعبر عن ماضيها، وشكلت مساحات يتمازج فيها الأثرياء والمثقفون والسياسيون والأشخاص العاديون والفقراء، وعلى رغم الجهود التي يبذلها أصحاب المقاهي للحفاظ على وظيفتها الثقافية والاجتماعية، فإنها تبدو مهددة بالزوال .
جلسا الحبيبان في رئة التاريخ الفرنسي العريق ليكتبا أجمل قصة حب تحمل عراقة الماضي وروعة الحاضر وإشراقة المستقبل .
ومازال العاشقان يقصدان تلك المقاهي التي تبوح بذكريات الحب الذي لا يبلى ولا يفنى في كف الزمن .
هو مازال يحتفظ بأول رسالة حب منها معطرة أهدتها له بين دفتي ديوان شاعر فرنسا المتألق ” لامارتين ” أما هي مازالت تحتفظ بأول وردة جورية حفظتها بين أوراق كتاب أوراق الخريف لإمام الرومانسية الفرنسية
” فيكتور هوجو ” تلك الوردة التي اصبح عمرها أربعة عقود من الزمن .
دكتور / محمد حسن كامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
إقرأ اليوميات السابقة يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة “38 “يا ورد مين يشتريك ؟