يروي أحد الأطباء أن هناك تاجراً من دمشق عاش في بلاد الغربة حوالي ثلاثين سنة، وكان له مدير أعمال في دمشق يتابع له أعماله وينمي له أمواله وتجارته ، وكان هذا التاجر يرسل له أموالاً إلى الشام لبناء مزرعة فيها قصر في منطقة جديدة في أطراف دمشق .
وكان مدير أعماله في الشام يتابع له بناء هذه القصر ، ليجعله على طراز القصور الغربية ، فاحتوى على ملاعبَ للخيل ، ومسابحَ للصيف والشتاء ، وكراجٍ للسيارات يتسع لست عشرة سيارة ، وبناء للسكن مؤلف من ثلاثة طوابق، في كل طابق إثنتا عشرة غرفة، بالإضافة إلى الأجنحة الخاصة ، وكذا الأشجار والأزهار والثمار، إلى آخر ما هنالك .
كان مدير الأعمال هذا يرسل صور فوتوغرافية للفيلا أو القصر لهذا التاجر في غربته ، ولمراحل العمل في هذا القصر ..
وبعد زمن طويل أراد هذا التاجر أن يعود من غربته ويستقر في بلده ..
إستقبله أهله ومدير أعماله في المطار ، فقال هذا التاجر لمدير أعماله : أريد أن تأخذني فوراً إلى قصري !!
يبدو أنه أراد أن يرى قصره ، فقد كان قلبه معلقا بهذا القصر، وأراد أن يراه رؤى العين ..
فذهب به حتى وصل إلى مزرعته ، وإذا بسور حجري أنيق يحيط بالمزرعة والقصر من الخارج !!
فأوقف سيارته وسيارة أهله على باب القصر، ونزل من السيارة ونزل أهله من سيارتهم ، فلما نظر إلى البوابة إذا به قوس حجري جميل، وعلى رأس القوس مكتوب عبارة فنية وتربوية وإيمانية ،
مكتوب فيها : ( الملك لله )
فنظر هذا التاجر إلى اللوحة متعجباً وسأل مدير أعماله ؟ ما هذه ؟
فقال له : هذه عبارة إيمانية وحقيقية ، فالملك لله !
فقال التاجر باستغراب : الملك لله ؟!
أنا منذ ثلاثين سنة أعمل في غربتي، وأتعب وأطوي الأرض، لأتملك هذا القصر ثم تقول لي الآن : الملك لله ؟!
أين ذهب ذكائي ؟ أين ذهب مالي ؟
أنزلوها عن باب قصري، ( فالقصر قصري، والملك ملكي ) واكتبوا هذه المزرعة ( ملك لفلان ) يقصد نفسه !
يقول الطبيب الذي يروي القصة : وقد حلف من كان واقفاً من حوله أن هذا التاجر سقط مغشياً على الأرض من ساعته،
فاستغرب من حوله لهذا السقوط فنادوه، وحاولوا إيقافه، لكن الرجل مرميٌ على الأرض كخرقة لا يستطيع القيام ولا الحراك، فحملوه إلى مشفى الشامي مسرعين ، ففحصه الأطباء المناوبون والمقيمون، والاختصاصيون بالتشخيص فقالوا: لقد أصيب بشلل رباعي غير ردود .
أهله جاءوا له بأطباء من الأردن وبأطباء من الجامعة الأميركية في بيروت فصدر نفس التشخيص : شلل رباعي غير ردود .
يقول هذا الطبيب : أنا صديق العائلة ، فقمت بزيارة هذا الأب ـ التاجر المسكين ـ في المشفى ورأيت حاله وقد عجز الأطباء عن مساعدته، وقلت لأولاده : يا أولاد إن أباكم نازع المِلكَ في مملكته، فإذا أردتم أن يقوم أباكم على قدميه، فيجب أن تجدوا طريقة تسترضوا فيها الملك ، واجعلوا صاحب المُلك الحقيقي يسامحه ، قالوا : ماذا نفعل ؟
قال : تصدقوا على الفقراء، تصدقوا على الأيتام، وعلى طلاب العلم ، وعلى الأرامل، إفعلوا أي شيء … المهم أن يرضى الله فيعفوا عن أبيكم .
قال : ذهب الأولاد ليفعلوا ما قلت لهم ، لكن يبدو في نفس هذا التاجر لا يزال أن هذا رزقه ، هذا ماله ، هذا ملكه ، هذا عطا ؤه، فكان كلما يتحسن قليلاً يطلب الذهاب إلى مزرعته وقصره ، حتى إذا وصل باب المزرعة إنتكس ووقع مغشياً عليه ، فعادوا به إلى المشفى مرة ثانية ..!
حصل هذا في المرة الأولى ، ثم في المرة الثانية ، ثم في المرة الثالثة مات هذا التاجر، ولم يدخل لا القصر ولا المزرعة .
لمن الملك ؟؟
لله وحده !
{ كلوا واشربوا من رزق الله }
والله الذي لا إله إلا هو … هذا الرزق الذي تملكونه كلكم ليس رزقكم، هذا رزق الله .
الطعام الذي في بيوتكم، والله حبة زيتون لا تستطيع أن تأتي بها لزوجتك وأولادك، والله لو مُنعت منك لما استطعت أن تأتي بها .
والله، قطرة الماء التي تنزل من الصنبور ، لولا ألطاف الله لشرب الناس من مياه الطين .
إياك أن تنازع الملك في مملكته، أنت عبد وهو ملك، أنت فقير وهو غني، أنت محتاج وهو معطي ..
عن واقعة حقيقية لا يزال يعيش بيننا. بعض اشخاصها الحقيقين والذى إذن بنشرها.
بقلم/الأستاذ كامل رجب مرسى /ابو يوسف
١١/١١/٢٠٢٠