حياة الفنانين

القائد الفلسطيني عباس زكي “لو لم تكن العوائق لما دفع شعبنا آلاف الشهداء”

أجرى الحوار/د.لطيفة القاضي

– انا منخرط بكافة النشاطات

-اوظف كل علاقاتي في دعم طلبة الجامعات

-مشاركات متعددة

-أجسد معنى أن نكون جسر المحبة

-أحرص على تكريس الثقافة الوطنية

-الطريق إلى فلسطين ليست مفروشة بالورود

-اكبر العوائق أننا في عالم يميل بمكيالين

ضيفنا اليوم هو قائد بحجم وطن ،و هو قائدا استثنائيا، حيث أنه من عمالقة فلسطين ،و درع صلب من دروع الوطن ،شخص أعطى لوطنه اغلى ما يملك فهو علم من اعلام فلسطين الشامخة،فهو قائد سياسي بدرجة إمتياز شهد له جميع أبناء شعبة ،ضيفنا اليوم صاحب السطور المقصودة هو عباس زكي عضو اللجنه المركزية لحركة فتح المفوض العام للعلاقات العربية و الصين الشعبية.

اهلا بكم معنا في حوار صريح جدا جدا

• في بداية اللقاء أريد بطاقة شخصية لكم ،من هو عباس زكي؟

أنا الرعيل الأول المؤسس في حركة فتح حيث التحقت بها عام 1962… وفي عام 1967 أنهىت دراستى في جامعة دمشق وحصلت على درجة ليسانس في الحقوق….. عينت في المجلس الثوري للحركة عام 1970 … وفي عام 1971 عينت مفوضا سياسيا لقوات اليرموك والأجهزة المركزية للثورة الفلسطينية… ومن ثم عينت ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية في جمهورية اليمن الديمقراطي نهاية عام 1974 وأصبحت عميدا للسلك الدبلوماسي للسفراء العرب عام 1977 وعميدا للسلك الدبلوماسي للسفراء العرب والأجانب عام 1980… وعين عام 1986 مديرا عاما للعلاقات القومية والدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية… وفي المؤتمر العام الخامس للحركة انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح عام 1989…وتولىت أمانة سر اللجنة العليا للانتفاضة الفلسطينية ورئيسا للجنة الفرعية عام 1989 خلفا للقائد الشهيد خليل الوزير الذي استشهد عام 1988 … عدت إلى أرض الوطن في سبتمبر عام 1995 … انتخبت عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996 … وفي عام 2002 تسلمت مهمة المفوض العام للعلاقات الخارجية في حركة فتح .. وفي عام 2005 عينت ممثلا للجنة التنفيذية ومفوض عام للساحة اللبنانية وسفيرا لفلسطين في لبنان ……أعيد انتخابي عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر السادس للحركة عام 2008 والمؤتمر السابع عام 2016 … وأشغل الآن المفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية بالإضافة إلى عضويتي في المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية .

• ما هي النشاطات التي تقوم بها خدمة لشعبنا الفلسطيني ؟

وبما أنني عضو في القيادة اليومية ” المركزية ” لحركة فتح فأنا منخرط بكافة النشاطات المنوطة بهذه الحركة الرائدة لتجسيد طموحات شعبنا والسعي في كافة المجالات لتأمين الحضور اللافت لشعبنا المنكوب وقضيتنا العادلة التي طال الزمن على إيجاد حل لها .

وعلى هذا الأساس فمشاركاتي متعددة ميدانياً – سياسياً – ثقافياً – اجتماعياً- دبلوماسياً الخ مع الجاهزية لتنفيذ أي مهام طوارئ يتطلبها الظرف.. وخاصة في مثل هذه اللحظات الاستثنائية في حياة شعبنا وعلى كل صعيد. وإن كان لي خصوصية فأنا أنشط في مجال التعليم وأوظف كل علاقاتي في دعم طلبة الجامعات، وبمجهود شخصي تخرج المئات من حملة الشهادات الجامعية لأنني اعتبر الشهادة العلمية هي السلاح الأكثر ضمانة لتوفير الكرامة لشعب طرد من أرضه، وأصبح إرثا يتقاذفه الشامتون فيجب أن يكون بمستوى من التفوق كي لا يخضع لأمزجة الدهماء، كما أنشط في الشؤون الاجتماعية واسخر جهداً لرفع الظلم عن من طاله تغول السلطة أو وقع فريسة أصحاب التقارير الكيدية، وأسعى عبر مؤسسات شعبنا العظيم بسد حاجة الجائع و أحمد الله أنني أنتمي لشعب فلسطين الذي رغم النكبة وسوء الحال بفعل الظروف الاستثنائية ومحاولات العدو وعملائه الضغط على شعبنا وشق الصفوف إلا أنه يزداد تضامناً وتماسكا..

كما أبذل جهداً في الحفاظ على السلم الأهلي من خلال رأب الصدع ومعالجة الدموم وفض النزاعات وإصلاح ذات البين استجابة لقوله تعالى ” وان طائفتان من المؤمنين اقتتلا فأصلحوا بين أخويكم” ولحديث رسولنا الكريم ” هل أدلكم على ما هو أقرب عند الله من الصوم والصلاة، قالوا بلى يا رسول الله ، قال (ص) إصلاح ذات البين ” وهنا أجسد معنى أن تكون جسر محبة بين الناس لوأد الفتن التي يذكي نارها أعداء شعبنا وأمتنا العربية من المحيط إلى الخليج .

كما أحرص على تكريس الثقافة الوطنية كخريج لمدرسة ثقافة المقاومة التي غرسها فينا حادي المسيرة وقائد الثورة ياسر عرفات، وما استفدنا منه ومن تجارب الثورات الأخرى وتجارب الشعوب التي تحررت من الاستعمار. وأحرص على أن لا تغيب الثقافة الوطنية في زحمة المشاريع التي تلتف على انجازاتنا لتعيدنا إلى الأمية السياسية، وقبول مشاريع التصفية لإرثنا النضالي الذي لا عشنا إن تخلينا عنه، خاصة وأن المعركة قاسية وصعبة وطويلة ولا تحسم إلا بالقنبلة الديموغرافية التي تتطلب بناء الكادر القادر على حمل المسؤولية برفع منسوب قدراته لتعبئة الأحفاد وتوعيتهم بأن هناك عدواناً صهيونياً على شعبنا ومقدساتنا وأمتنا، وقدرنا أن نحافظ على دور الرواد وأن نستمر في حمل المبادئ التي انطلقنا من اجلها.. واستناداً إلى حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ” ما تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء إلى أن يأتي أمر الله وهم كذلك، قالوا أين هم يا رسول؟ قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ” .. ونفاخر الكون بأن عيسى ابن مريم عليه السلام المسيح الفلسطيني هو الفدائي الأول، والمسجد الأقصى مسرى سيدنا محمد ” ص ” وأن عاصمتنا الأبدية القدس هي بوابة الأرض إلى السماء.

هناك نشاطات كثيرة على المستوى الشخصي يصعب إيرادها في هذه العجالة ولكن لدي الجاهزية للقيام بأية أنشطة تعود بالخير للمصالح العليا لشعبنا ولأمتنا العربية وكل قوى الخير والسلام في العالم.

• ما هي العوائق والعراقيل التي تعرضت لها أثناء مهامك؟

العوائق والعراقيل لمهام من يعمل بإخلاص لقضية فلسطين كبيرة وكثيرة ولا تحصى، وأية تسهيلات هي استثناء، فالطريق إلى فلسطين ليست مفروشة بالورود . واذكر حينما التحقت بحركة فتح كان النقاش لتوفير القناعة لدى من يلتحق بحركة تسلك أقصر الطرق إلى فلسطين بالكفاح المسلح أن يضحي المنتسب لها بالمال والوقت والروح أولاً، وأن يتأكد بأنه بدأ السير في طريق مليء بالألغام والأشواك والحواجز وليس بالورود، وهنا لو لم تكن العوائق والعراقيل لما دفع شعبنا آلاف الشهداء والجرحى والأسرى على مدى واحد وسبعون عاماً، والاحتلال يزداد ويتعمق رغم بطولات شعبنا الذي يجيد التناوب على حمل الراية التي ما سقطت في ساحة إلا وارتفعت في ساحة أخرى ضمن ثورة المستحيل .

تصوري أن المتحدثين والمدافعين عن حقوق الإنسان يتجاهلوا حقوق الشعب الفلسطيني والجرائم تتصدر ضدهم.

إن أكبر العوائق والعراقيل أننا في عالم يكيل بمكيالين ومن يعمل بجد وإخلاص لفلسطين يتعامل مع مهماته اليومية تعاملاً أشبه ما يكون بالجهاد، ومن يتماهى مع الواقع العربي والدولي المتهالك والمقطور بعجلة الأعداء لا يشعر بالعوائق والعراقيل ولكن التاريخ لن يرحم، والنصر للقابضين على الجمر، والضمانة أننا الشعب الذي اكتوى بالنار وصقلته التجربة ويثق بالانتصار ولو بعد حين، ومن يقرأ للمفكرين ، يقتنع بأنهم أدركوا أنهم بخدعتهم راحلون، ومن ينسجم مع سياساتهم إلى مزابل التاريخ، ومن أدار ظهره للقدس تجرد من العقيدة والقيم، ومهما امتلك من قوة سيقف عاجزاً مهزوماً أمام إرادة الله ورسوله والتاريخ لن يرحم.

• كيف كانت البداية لكم في منظمة التحرير ؟

كانت البداية بالنسبة لي قبل دعوة الرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، حيث كنت قد أقسمت اليمين في حركة فتح في 22/10/1962، بعد تجربة واختبار استمر ستة شهور، وكانت مهمتنا في البداية مسح بشري لذوي القدرات والإمكانيات من الفلسطينيين للحاق بالعمل الفدائي والدعم والانتصار لثورتنا المتوقع اندلاعها وكذلك مسح واستطلاع الأهداف الإستراتيجية لدى العدو، لتكون أهدافاً ذا معنى ودلالات على أن هناك فجراً ينتظرنا وعمليات موجعة تشعر العدو بأننا عدنا وباللغة التي يفهمها تمهيداً لصحوة أمتنا العربية، وعلى ضوء تحويل مجرى نهر الأردن كانت القمة العربية الأولى وكانت بواكير منظمة التحرير برئاسة المحامي المخضرم سياسياً ودولياً ودبلوماسياً أحمد الشقيري ( أبو مازن) رحمه الله .

تقدمت قيادة فتح بمبادرة واقترحت فيها على المرحوم الشقيري أن تكون فتح جناحه العسكري وأن تقوم بعمليات عسكرية أثناء انعقاد القمة العربية في تشرين عام 1964 ليرفع صوته أمام الزعماء العرب ويقول ها هي إرادة شعبي تتجلى فوق أرضه ونطالبكم بالدعم. سمع الشقيري العرض السخي من فتح بأن نكون جنده وجناحه العسكري وطلب أن يستخير الله ولكنه ذهب ولم يعد، وكان القرار الفتحاوي بتأجيل الانطلاقة إلى الفاتح من يناير عام 1965 . نعم أنه اليوم الذي أضأنا فيه سماء الأمة برصاصنا الأحمر إيذاناً بفجر جديد وأن يكون الأول من يناير من كل عام انطلاقة حركة فتح والعيد الوطني للشعب الفلسطيني، خاصة وأن العمليات الأولى كانت موجعة للعدو كعملية سد عيلبون (مجرى تحويل نهر الأردن) الذي ترك المياه خارج المجرى من يناير حتى ابريل سنة 1965 واستشهد قائد العملية الشهيد الأول لقوات العاصفة / الجناح العسكري لفتح المناضل أحمد موسى الدلكي، وأيضا عملية بيت جبريل الذي أسر قائدها الأسير الأول محمود بكر حجازي، ومضينا بين مد وجزر مروراً بحرب حزيران (النكسة عام 1967) وصولاً إلى انتصار الكرامة في 21 مارس 1968 الذي اعتبر ميلاد الثورة بفعل وحدة الدم الفلسطيني الأردني الذي أعاد الاعتبار للجيوش العربية المهزومة في نكسة حزيران يوم ألحقنا الهزيمة بالجنرال دايان المغرور. فكانت معركة الكرامة ميلاد حقيقي للثورة الفلسطينية والتي رافقت حرب الاستنزاف مع إسرائيل التي خاضها الرئيس جمال عبد الناصر ذاك القائد العربي العظيم الذي يرفض الهزيمة خاصةً وهو زعيم أكبر بلد عربي ويقود أجناد الله. وعلى إثر معركة الكرامة استقبل الرئيس عبد الناصر قائد الثورة ياسر عرفات وصحبه لأول مرة وقال “صدقت يا عرفات وثبت أن فتح أنبل ظاهرة وجدت لتبقى ” وأجابه عرفات ” لتبقى وتنتصر يا سيادة الرئيس ” فاصطحبه إلى موسكو وطلب من الرئيس ليونيد بريجنيف دعم القضية العادلة لشعب فلسطين والقضية المركزية في النضال العربي، وجاء المجلس الوطني الفلسطيني عام 1969 لتتحول منظمة التحرير من الوصاية العربية الرسمية إلى إطار ثوري جبهوي لكل الفلسطينيين بقيادة الزعيم الراحل عرفات، والتي تحولت بفعل العرق والدم إلى عقل وشرف الشعب الفلسطيني والبيت الذي يلم الشعب الفلسطيني، وهنا أصبحت القضية الفلسطينية الرقم الصعب في معادلة الصراع في الشرق الأوسط على الرغم من أنها أصغر جغرافيا ولكنها تشغل العالم كله، وأصبح الوفاء لها البوصلة المؤدية للصمود والانتصار، من هنا تتداعى كل القوى اليوم لترتيب البيت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الذي اعتلى باسمها ياسر عرفات منبر الأمم المتحدة لأول مرة عام 1974 يعرض على العالم الرواية الفلسطينية ويعلن جئتكم حاملاً غصن الزيتون بيد وبندقية الثائر في اليد الأخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.

ولأبي عمار العهد أن نتمسك بما تمسك به ياسر عرفات مهما ادلهمت الخطوب وتغيرت موازين القوى وسنحافظ على ارثنا النضالي حفاظنا على حدقات العيون.

• مجموعة السلام العربي ” لقد قمت بنداء لوقف الحرب على اليمن ونداء السلم العربي ، ما هي نتيجة مساعي مجموعة نداء السلام العربي؟

من لا يعرف مكانة اليمن حضارة وحكمه ووفاء للعروبة والإسلام يعيش على هامش الأحداث، هذا البلد الطيب بأهله العريق وبنضالاته الذي هزم كل الغزاة وسجل في نهاية المطاف لكل حر من أبنائه شعار أنا اليمن وبالروح والدم نحميك يا يمن. نعم بدأنا العمل كمجموعة تضم نخباً عربية ودولية مثل مهاتير محمد وعلي ناصر محمد والصادق المهدي وعبد السلام المجالي وسمير الحباشنة، وعدد من أصحاب الوجدان النظيف الحريصين على العروبة ومنبعها اليمن، وشاءت الأقدار أن حالت التغيرات دون وقف هذه الحرب الظالمة التي أخذت أبعادها في الفعل ورد الفعل وتوريث العداوة والأحقاد بين الشعب العربي الواحد. وهذا سلاح مدمر وذو حدين، إنها معركة لن تحسم بالسلاح، وفكرنا قبل عامين بتشكيل مجموعة نداء السلام العربي ووجدت الفكرة تفهماً من الأطراف المتنازعة ولدى المعنيين في الإقليم والساحة الدولية وهذه المرة برئاسة الأخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الذي ما انفك لحظة من المتابعة والاهتمام مع القوى الحيّة من الأخوة اليمنيين وكل أحباء اليمن في الداخل والخارج، ونحن على ثقة رغم وباء الكورونا الذي يمنعنا من اللقاءات المباشرة ،و يتضاعف جهد مجموعة السلام لوقف هذه الحرب الرعناء المدمرة ستجد نهاية وخاصة بعد تصريحات الرئيس جو بايدن وهو من بدأ الحرب على اليمن عندما كان نائباً للرئيس أوباما وفكروها نزهة ورحلة ممتعة، فوجدوا باليمن إنسان جديد يمثل فخر الأمة وعزتها ويرفض الركوع إلا لله سبحانه وتعالى. والأمل أن تعود الحكمة لليمنيين فيتوحدوا ويحموا ما تبقى من آمال.

• أبو مشعل من خلال مسيرتك الطويلة بالنضال في منظمة التحرير الفلسطينية هل تغيرت ملامح فتح؟

شيء طبيعي تغير الكثير منها انسجاماً مع كل مرحلة، فكل مرحلة لها فلسفة ورجال، ولكن حتى اللحظة لم يجرؤ أي مؤتمر لحركة فتح أن يسقط المبادئ والأهداف التي قامت عليها الحركة، وتم الاتفاق على أن تبقى في مقدمة النظام . نعم هناك ضرورة أن ندرك ما معنى أن تكون مرحلة نهوض لحركة التحرر العربي والعالمي والتي كنا نتصدرها من أنجلولا إلى نيكاراغوا ومن الصين إلى كوبا،. وغياب نسر الأمة وعنوان رفعتها جمال عبد الناصر وأيضاً الزعيم هواري بومدين الذي أعاد تسليح سلاح الجو المصري على حساب الجزائر بعد أن تم تدميره في حرب حزيران، وساهم بما يملك من سلاح ومال لتزويد مصر بما مكنها من الانتصار العسكري في حرب أكتوبر سنة 1973 بعبور الجيش المصري البطل لقناة السويس وتدمير خط بارليف والذي تحول لاحقا إلى هزيمة سياسية بفعل الانصياع لأفكار الصهيوني هنري كيسنجر .

إذان هناك تغيرات طرأت في حياة الحركة في عملية التنظيم والبناء الذي كان في الماضي مشروع شهادة واليوم مشروع كسب وامتيازات رغم كثافة القابضين على الجمر والقادرون على إثبات الحضور والمواجهة، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمساس بالثوابت الفلسطينية التي كانت محل إجماع الفلسطينيين يوم إعلان الدولة في 15 نوفمبر 1988 وبصوت حادي المسيرة وقائد الثورة أبو عمار بإعلان الاستقلال من قصر الصنوبر في جبال الأوراس بالجزائر • هل من الممكن حل السلطة الفلسطينية والعودة الى م. ت. ف؟

السلطة جاءت في ظرف صعب ولكنها وليدة كفاح طويل تؤكد بأننا موجودين على أرضنا رداً على الحركة الصهيونية التي رفعت شعار أرض بلا شعب لشعب بلا وطن. نحن اليوم أكثر منهم عدداً على أرضنا ونأمل بالتكاثر لنهزمهم بالقنبلة الديمغرافية . وللتأكيد فقد أعلن جون فوستر دالس وزير خارجية أمريكا بعد نكبة 1948 أن الكبار يموتون والصغار ينسون… إلا أن صغارنا بالحجر أسقطوا حاجز الرعب مع دولة تدعي أنها أسطورة التفوق.

والسلطة الوطنية بانجازاتها على صعيد بناء المؤسسات وإقامة العلاقات الدولية بوجود معتمدين لديها قناصل وسفراء وما تم من زيارات حتى من رؤساء دول بينهم رؤساء أمريكان.. الخ هو رد عملي على حقنا بالدولة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة.. والسلطة الوطنية هي فرع من منظمة التحرير لها مهماتها الصادرة عن قرارات المجلس الوطني والمركزي، ويجب تكريس حضورها وأن لا تكون قابلة للحل بل تواصل تأدية المهام التي تراها المرجعية العليا م.ت.ف صاحبة القرار . واليوم ونحن على مشارف المصالحة وإنهاء الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية واستكمال عضوية المجلس الوطني، ويأتي هذا بهدف حياة جديدة للفلسطينيين على قاعدة المشاركة والتعددية والفهم المشترك. فبوحدتنا وترتيب بيتنا واعتماد ثقافة الحوار ووضع أولوياتنا وفق الإستراتيجية المطلوبة بوحدة اللغة واستحضار ثراء التجربة والاقتراب من المصالح العليا لشعبنا سننتصر بإذن الله .

• أعلن الرئيس أبو مازن بإجراء انتخابات في مايو المقبل وهي الأولى منذ عام 2006، ماذا تتوقع في الانتخابات هل سوف يكون التغيير ملموس؟

شيء طبيعي وبالتأكيد سيكون تغييرا عميقاً وملموساً، ويضعنا على أبواب مرحلة جدية انتظرها شعبنا طويلاً، بفعل الانقسام السياسي والفصل الجغرافي الذي قامت به حماس في 14 يونيو / حزيران 2007.

هذا الانقلاب الذي شكل صفحة سوداء في المسيرة الفلسطينية وكأنه انسجام مع مخططات الأعداء باقتطاع قطاع غزة من الجسم الفلسطيني، وكلنا يعرف أن غزة مستهدفة وان كان هناك كيان فلسطيني ففي سيناء وهذا حلم راود أعداؤنا وكان قرارنا ” لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة” وبذلنا جهود مضنية لرأب الصدع وتحقيق المصالحة، فالوحدة الوطنية هي الممر الإجباري لعبور المستقبل الذي لن يكون إلا بتضافر كل الجهود وزجّها في مواجهة الطامعين بحقوق شعبنا التاريخية والمشروعة .

نعم سيكون التغيير ملموساً حيث وضعنا مرسوم رئاسي بالانتخابات أمام إرادة تحدي للحفاظ على ارثنا النضالي، وفتح المجال أمام جيل الشباب الذي نسبته في فلسطين 62% وأيضاً أمام المرأة الفلسطينية العظيمة ونسبتها في المجتمع 49% والذي قررنا جميعاً أن يكون نصيبها 30% وسينبثق عن انتخابات 22 مايو/آيار 2021 حكومة وحدة وطنية تعالج كل قضايا شعبنا داخل الوطن ضمن مرجعية واحدة تاركة الانقسام خلف ظهورنا، ونستكمل في تموز انتخاب الرئيس وفي آب استكمال انتخابات المجلس الوطني المرجعية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، سيتجدد إيماننا بتحقيق أهم مرتكزات حركة فتح بالديمقراطية المركزية والتعددية السياسية والرأي والرأي الآخر، وتعزيز القيادة الجماعية وتوفير الحياة الكريمة لشعبنا، وهناك سيكون مستقبل أفضل بعكس ما نحن عليه اليوم وبالوعي الجماعي لن يستمر الحرص على امتيازات القيادات والفصائل على حساب المصالح العليا للشعب الفلسطيني المنكوب بالاحتلال الصهيوني والتشظي الداخلي، وهنا أؤكد أن حماس قد ارتكبت خطأ جسيما عام 2007 بالانقسام، فإنها اليوم وبعد مراجعة وصراع داخلي وبعد أن عجزت عن الإطاحة بحركة فتح وفشلت في أن تحكم غزة وحدها وعن أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، عادت وبوعي تأخذ قرارها الصائب بالمصالحة والمشاركة في الانتخابات بالتتابع للعودة إلى الشرعية الفلسطينية وبما يضمن الجهد المشترك في مواجهة التحديات القادمة. فوحدة الأرض والشعب ضمن إستراتيجية جديدة تفاجئ الأعداء وتكون محل ارتياح أنصار قضيتنا العادلة.

• ما هي أجمل ذكرياتك وأنت تعمل معلماً في الغور؟

هذا سؤال يعيدنا إلى الزمن الجميل حيث كنت مدرساً في الشونة الشمالية في أقصى الأغوار الشمالية، وشاءت الأقدار أن استأجر بيت للسكن من السيد الجليل حسين عطا وهو عديل للقائد الشهيد الأول للثورة احمد موسى دلكي أي أنهما يتزوجان الشقيقتان. وبحكم هذه العلاقة كلفني الأخ أبو عمار بأن أكون ضابط اتصال مع ذاك القائد الكبير أحمد موسى دلكي الذي قاد العملية الأولى لتفجير سد عيلبون واشترط الأخ أبو عمار الخبير في الهندسة العسكرية أن يكون تفجير السد بالمياه وليس بالديناميت لأن الانفجار يالعبوة قد يحدث ثغرة في الجدار، فيسهل إصلاحه، أما أن يكون التفجير بالماء وارتدادات الماء ستدمر السد كله. وهذا ما حدث بالضبط حيث بقيت المياه خارج مجراها من يناير حتى ابريل 1965 رغم قدرة إسرائيل على إزالة آثار أي عمل، وهنا أدركت إسرائيل أنها تواجه عباقرة ومهندسين وأصحاب خبرات يحسب لهم ألف حساب.

نعم سارت العملية على أكمل وجه بقيادة الأخ أحمد موسى سلامة دلكي (أبو قايظ) وعضوية كل من نائبه حسين غورو وابراهيم الوحش وحسن الحميدي ومحمد العبد الله وساعدتهم المناضلة حمامة بنقل المتفجرات بحيث تمر عن الحواجز الأردنية دون أن يشك بها أحد وهي شقيقة البطل حسن غورو نائب قائد المجموعة. أنجزت هذه العملية الأولى لقوات العاصفة وعادت المجموعة بسلام باستثناء القائد الشهيد البطل أحمد موسى دلكي وهو الشهيد الأول لقوات العاصفة طيب الله ثراه، فكانت تلك أجمل الذكريات رغم عمق الجرح والألم برحيل القائد الهمام أبو قايظ رحمه الله.

وتكثر الذكريات الجميلة بأن يقوم أحد الأصدقاء الزملاء المدرسين يملأ مكاني حتى في غرفة الصف عندما أكون في مهمة طوارئ، وأفضل الذكريات أنني كنت مدّرسا معظم الوقت، وفدائي أثناء الإجازة حتى وصل الأمر أن أشكل قاعدة عسكرية متميزة قاعدة 154 وهي قاعدة متميزة وانتشارها من المشارع جنوباً إلى ارتفاعات أم قيس شمالاً، وتشمل العدسية والباقورة، وأن أكون متفرغاً للعمل كمفوض سياسي، والمفوض السياسي أنذاك هو المقاتل النموذجي. واعتمدنا الأغوار باعتبارها مناطق آمنة بحكم الاشتباك اليومي مع العدو على طول نهر الأردن مما دفع الجنرال دايان أن يأخذ قراراً بالهجوم في 21 مارس/ آذار 1968 تحت شعار تطهير أوكار المخربين، ولكن صمودنا بجانب الفرقة الأولى للجيش الأردني الباسل أمطر الانتصار العظيم لثورتنا وأنشدنا بعد انتصار معركة الكرامة وامتزاج الدم الفلسطيني الأردني .. أنشودة وحدنا الدم يا كرامة وحدنا الدم .. والشمل التم يا كرامة الشمل التم.

نعم كانت الكرامة ميلاد للثورة ورد اعتبار لشرف العسكرية العربية التي هُزمت في حزيران قبل 8 شهور، وبعد أن كان الجنرال دايان يقول انتظر قرب الهاتف ليتصل القادة العرب لتوقيع صكوك الاستسلام وأن حركة وفتح كالبيضة في يدي احتاج إلى شيء من الضغط لأسحقها، سأله الصحفيون بعد هزيمته في الكرامة ماذا دهاك؟ قال : ماذا أفعل إذا من هم أمامي قد قرروا الموت… لقد كانت الكرامة من أجمل الذكريات رغم حجم الشهداء.. ولكن وطن لا نحميه لا نستحقه . كم أنا فخور بوجودي مُدرساً وفدائياً في الأغوار وكلاهما من أجل فلسطين.

• بعد هذه المسيرة الطويلة في النضال … ماذا تقول ؟

أقول مسيرة شاقة وصعبة فقدنا فيها الأعز، ولكن من يعرف جوهر الصراع والمكانة الروحية والإستراتيجية للقدس عاصمة فلسطين.. ومن يعرف الصهيونية ومخططاتها تجاه أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، ومن يعرف جيداً عَظَمة الشعب الفلسطيني بأطفاله وشبابه ونسائه ورجاله وشيوخه وشموخه وتناوبه في حمل الراية يشعر بالاطمئنان على المستقبل فنحن القادمون بفكرتنا الملهمة وبالسكين والحجر سنهزم ترسانات أسلحتهم ..إنهم راحلون بلا شك ولكن لتقليل الضحايا واختزال المسافات نحتاج إلى سمات الروّاد من القادة… فالقيادة رؤية وإرادة.. والقيادة استجابة.. وعليها وضع أولوياتها رحمة بشعبنا وقضيتنا المقدسة والعادلة والمنتصرة مهما طال الزمن.. وعلى القيادة الاستفادة من ثراء هذه التجربة النضالية.. فالتجارب تكتسب ولا تشترى.. النصر قريب إن زال العقم تجاه ثقافة التعايش وأعمال الوعي الجماعي .. أنا أثق بشعبنا العربي خاصة وشعبنا الفلسطيني هو جزء من أمتنا العربية.. وكفاحه جزء من كفاحها والمتلاعبون بالمصير المشترك إلى زوال .. لن يبقى العالم أسيرا للعبة الأمريكية وهيمنتها على مقدرات الشعوب .. فالامبريالية تتأرجح أمام معسكر النهوض بقيادة الصين.

• هل ما زال حلم قيام الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية بعيد المنال؟

نعم، وقد يطول باعتبار الحاضنة العربية في تراجع وفقدان الوزن على كل صعيد فهي المنطقة الأكثر ارتباطاً باللغة والدين والجغرافيا ولكنها خضعت لشعار الاستعمار القديم فرّق تَسد، ولشعار أمريكا وتقسيم المقسّم. فهي البلاد الأكثر استدعاء لأعدائها فاقدة لعهدها القومي ليحكموها، لأنها فاقدة للبوصلة والأولويات ومنغلقة على الذات، إنها الأكثر ثراءً بما تحت الأرض وفوقها ولكنها تعيش الفقر في التصنيع واستخدام الإدارة والتخطيط، ونحن جزء من هذا الواقع العربي المحزن الذي يريد التخلص من الماضي المجيد والتاريخ المشرف الذي انتصر على الإمبراطوريات الكبرى، على الفرس والروم ووصل الأجداد باراداتهم حيث يريدون. وفي اعتقادي أن ما يجري من تراجعات شيء لحظي ومؤقت والخير قادم كلما اشتد الحصار.

نعم، مشكلتنا في فقدان البعد القومي، وإن حضر بالصوت والقليل من الفئات التي لا تذكر مع الهدايا التي تقدم رشوة للأعداء، وما الزلزلة التي تشهدها اليمن والعراق وليبيا إلا من صنع العرب وستلقي بأثقالها على فلسطين، كما أن فلسطين هي اختبار الخلاص وبها تتحدد قيامة الأمة، فإذا كان احتلال فلسطين مؤشر على الخلل والعطب والخسارة والهوان والتفكك والعجز والخيبة، فإن إنقاذها وتحريرها واستعادتها لمصيرها سيكون عنوانه القدرة والعزة واستعادة الكرامة. علينا أن ندرك أن العالم يهتز وقد يقع.. أما نحن ففي أرض الفدائي الأول السيد المسيح عيسى ابن مريم الفلسطيني ومسرى سيد البشرية سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” ستهتز أمام أعتى العواصف، ولكننا لن نقع.. باعتبارنا في رباط إلى يوم الدين. والنصر قريب وما النصر إلا من عند الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock