كتب/خطاب معوض خطاب
قبر الشيخ حنيدق يعد أحد أهم معالم هضبة طوسون بمنطقة جبل مريم الواقعة على بعد 7 كيلو متر من مدينة الإسماعيلية، والتي تشتهر بوجود نصب تذكاري يخلد ذكرى الجنود الذين ماتوا خلال المعركة التي حدثت بين الجيش العثماني من جانب والجيش المصري والإنجليزي من جانب آخر في هذه المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى.
والشيخ حنيدق كان يقام له في الماضي مولد يعد واحدا من أعجب وأغرب الموالد ليس في مصر فقط بل في العالم كله، حيث كان يقام مولده في النصف الأول من شهر يوليو كل عام، ولكن تم إلغاء الاحتفالات بهذا المولد العجيب الغريب بعد حرب 5 يونيو سنة 1967.
ويكمن العجب والغرابة في أن الاحتفالات بمولد الشيخ حنيدق كان يشترك فيها بجانب المصريين عدد كبير من أفراد الجاليات الأجنبية في منطقة قناة السويس، وخاصة المغاربة والفرنسيين واليونايين، فرغم أن قبر الشيخ حنيدق موجود بمدينة الإسماعيلية المصرية إلا أن كلا من المغاربة والفرنسيين واليونانيين ينسبونه إليهم وحدهم دون غيرهم.
وكعادة الحكايات الملازمة للأولياء فقد امتزجت الحقائق بالأساطير في حكاية الشيخ حنيدق، أو حكايات الشيخ حنيدق إن أردنا الدقة، حتى أصبحنا لا نعرف الخقائق من الأساطير في هذه الحكايات، فكلها حكايات متداولة ومنقولة من لسان إلى لسان حتى وصلت إلينا، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، أما عن مصدر هذا الكلام المكتوب عن الشيخ حنيدق فهو ما جاء في العدد 12 من مجلة “الدنيا المصورة” الصادر بتاريخ 7 أغسطس سنة 1929.
وكنا قلنا فإن الحكايات عن الشيخ حنيدق متعددة، فالمغاربة يقولون إن الشيخ حنيدق مغربي الأصل، وأنه كان رجلا صالحا يعيش في جبال المغرب منذ أكثر من 1100 سنة، وحينما توفي غسله المغسلون وكفنوه وحينما هموا بوضعه في النعش، وجدوه قد طار من بين أيديهم وارتفع إلى السماء ثم اختفى عن الأنظار.
ويكمل المصريون رواية المغاربة حيث يقولون إنه في ذلك اليوم كان هناك بعض البدو يرعون أغنامهم في الصحراء الواقعة إلى شمال السويس، وأنهم قد رأوا شبحا طائرا يهبط إلى الأرض بينهم، وأذا به شيخ مكفن تشع منه الأنوار، فأخذوه ودفنوه في المكان الذي هبط فيه، وتناقلوا بينهم وتداوله الناس حتى بلغ بلاد المغرب حيث كان يقيم الشيخ، فقدم إلى مصر بعض مريديه وأتباعه وأقاموا على قبره ضريحا، وأبقوه في المكان الذي اختاره ليكون مرقده الأخير.
ولكن عمال شركة قناة السويس الفرنسيين لهم رأي آخر في الشيخ حنيدق، حيث ينسبونه إلى أنفسهم، ويقولون إنه فرنسى صميم واسمه “هنيديك”، وإنه كان جنديا في الجيش الفرنسي الذي قدم مصر تحت قيادة نابليون بونابرت، وقد اشتهر “هنيديك” أو حنيدق بنسكه وتقواة وقوة إيمانه، وحينما قام بونابرت بحملته على سوريا والشام أقام في الصحراء نقطا عسكرية لتحفظ خطوط المواصلات، فكان “هنيديك” مقيما في المكان الموجود فيه ضريحه الآن، وكان كثير الخيرات والإحسان، يعالج مرضى البدو ويواسي الحزانى فيهم ويبث فيهم روح الإيمان، حتى إذا عاد نابليون من سوريا مهزوما وغادر الديار المصرية لبث هنيديك في وسط الصحراء وأقام لنفسة صومعة يتعبد فيها، وزادت كراماته من القدسية درجة فائقة ولما مات شيد له العرب هذا الضريح الموجود بالإسماعيلية حتى اليوم.
وبالنسبة لليونانيين فهم يزعمون أن الشيخ حنيدق لم يكن إلا قديسا يونانيا يدعى “هنيديه”، وأنه قد جاء إلى مصر منذ ألف وثمانمائة سنة، ومات فيها وظل أمره مجهولا حتى قام ديلسبس بشق قناة السويس، وكان رئيس العمال في هذه المنطقة مهندس يوناني ومعه عدد كبير من العمال المصريين، وحدث أنه كلما حفر العمال جزءا من القناة فوجئوا في اليوم التالي بردم ما حفروه بالصخور والحجارة، ولايدري أحد من أين جاءت، وتكرر هذا الأمر كثيرا حتى دهش رئيس العمال اليوناني وخيل له أن ذلك المكان مسكون بالجان، وفي إحدى الليالي جاءه في نومه قديس يوناني وقال له: “أنا سان هنيديه، وأنا مدفون في هذا المكان، ولا أريد أن تمر القناة على جثتي فتجرف مياهها رفاتي”، ولما جاء الصباح قام المهندس مذعورا فأمر العمال بألا يحفروا في ذلك المكان، بل وأمرهم أن يقيموا ضريحا للقديس العظيم، ولما لم يفهم العمال معنى كلمة قديس قال لهم: “إنه ولى من أولياء اللة”، فأقاموا عليه ضريحا وقبة ومازالت حتى اليوم!.
ورغم كل هذه الحكايات المتعددة عنه فإن البعض يقولون إن الشيخ “حنيدق” كان رجلا مسلماً غنياً له قطعان وحدائق، وأنه جاء من مكة ليقيم بمصر، وأنه تخلى عن كل ثرواته وانعزل بإرادته عن الدنيا، حيث أقام على هضبة طوسون، ليموت عليها حيث دفن وأقيم عليه الضريح.
زر الذهاب إلى الأعلى