بقلم إيناس رمضان
من المؤسف رصد ما حدث ولكن المشهد غريب وأبعاده متناثرة هل ما زال هناك فئة من الرجال يتلذذ بالعذاب النفسي للمرأة بهذه الصورة البشعة ونحن في القرن الواحد والعشرين… ولماذا ؟ حقيقة لن أجهد ذهني في التفكير في أمثالهم فأنا أعتبرهم أشباه رجال وسأروي لك عزيزي القارئ وأخصك أنت أيها الرجل فقد عجزت عن التفسير ولك حرية التعبير..
بدأت الحكاية في إحدى ساحات الانتظار بإحدى المراكز الطبية عندما شاهدت تجمع حول إحدى السيدات التي تنتظر دورها لدخول العيادة والجميع يحاول تهدءتها دون استجابة لهم أو جدوى في الاحتواء.
اقتربت منها لأجد امرأة في منتصف الأربعينات تتمتع ببقايا جمال مهمل يبدو عليها الاضطراب والارتباك الشديد ترتعش أطرافها وكأنها عجوز بلغت من العمر أرذله تجهش بالبكاء تارة ويشرد ذهنها تارة أخرى وكأنها تطارد شبحا لا يراه سواها، تصر على مغادرة المستشفى دون كشف، ولا أحد يعرف السبب ومن الصعب تركها تغادر بهذه الصورة وبدأت التساؤلات تلاحقها لتقديم يد العون لها.
في بداية الأمر ظن الجميع أن هناك مشكلة ما قد واجهتها في المكان أو مكروه مفاجئ حدث لأحد لديها مما جعلها في هذه الحالة ….
ولكن صمت الكل عندما بدأت تتمتم ببعض الكلمات مغذاها أنها تخشى التواجد هنا وتتردد قبل الاستجابة للحضور رغم حضورها للمتابعة منذ سنوات موضحة أن كل مرة يتم عمل الإشعات المطلوبة ثم الانصراف ولكن هذه المرة الأولى التي يتم تحويلها إلى الكشف في العيادة وتخشى أن تكون مصابة بالسرطان فتريد أن تهرب قبل أن تكتشف ذلك.
بدأ الخوف الذي يعتريها يزداد وبعد العديد من المحاولات تم تهدئتها بعد التأكد من أن نتيجة الأشعة مطمئنة وأن الطبيب سيقوم بالإبلاغ فقط ثم الانصراف فاستجابت.
تم التواصل مع الطبيب ومشاركتها الكشف وفي داخل العيادة كانت تمسك بيدي وكأنه طوق النجاة الذي يتشبث به الغريق في مصارعة الأمواج..
اقرأ أيضا الذكريات الجميلة مضادة للبرد
رويدا رويدا تمكن الطبيب الإنسان في احتواء السيدة فاطمأنت له ووثقت به حتى هدأت أنفاسها تدريجيا وتركت يدي لتستمع له وتبادله الحديث مكررة نفس التساؤلات عدة مرات وكأنها تريد التأكد من سماع “أنها بخير ” إلى أن أشارت في خوف وقلق بدا واضح في نبرة صوتها الممزوج بمرارة في الكلمات” أنا خايفة أن كلام زوجي يتحقق فهو دايما يقول لي إني سوف أموت بالسرطان زي أمي”..
و استرسلت في حديثها راصدة خوفها من النتائج المترتبة على ذلك خوفها على والدها فهي المسؤولة عنه بعد وفاة والدتها وعلى أبنائها و.. و… و… دون التفكير في شخصها على الإطلاق.
وهنا كانت صدمتي وصدمة الطبيب الخوف يا سادة لقد برع هذا الزوج من ممارسة أسوء أنواع العنف دون رحمة مما تسبب في إرهاب زوجته وإصابتها بالفوبيا لمجرد سماع اسم المرض أو المكان أو التواجد فيه ليس هذا فحسب بل جعلها تلجأ إلى العلاج النفسي والمهدئات.
وفي إنسانية تبادل معها الطبيب الحديث وهي تستمع له بإنصات ونصحها بمحاولة البعد عن الضغط النفسي قدر المستطاع فما كان منها إلا قول “الحل في الطلاق وده محال” لتسود لحظات صمت أخرى..
الخوف و رهاب الفشل
تلك السيدة تعاني أنواع شتى من القهر والضغط النفسي تدرك الداء والدواء ولكنها حبيسة بين جدران المجتمع من العادات والتقاليد والعيب والمفروض ولذلك لا تجرؤ على اتخاذ القرار ومن الحماقة أن أسألها عن الأسباب يكفي أنها أصبحت فريسة هشة للخوف.
وهل أحد يدرك معاناتها؟ بالطبع لا!!!
وما العواقب إذا انصرفت من المركز دون أن يشعر بها أحد ولديها ذلك الهاجس الذي يطاردها؟ ماذا لو…. ؟
أين حقوق هؤلاء النساء ؟وهل العنف اللفظي وليس السباب يدرج جريمة في حقوق الإنسان؟
كيف أطالب هذه المرأة أن تعد نشىئا صالحا ؟ كيف تتمكن من تحقيق التوازن بين أدوارها المختلفة في الحياة؟ كيف..؟ وماذا..؟ ولماذا.. ؟تساؤلات بلا إجابة…
هذه السيدة في أشد الاحتياج إلى التأهيل النفسي فهل من معين ؟؟
وماذا عنك أيها الزوج ؟؟؟؟
وجدتني لن أتحلى بالكياسة عند الحديث عنك لذلك سأكتفي بقول “منك لله”
إيناس رمضان
من الحياة