أدم وحواء
قد ينتهي كُلَ شيء… في لحظة بقلم: يانا العلي
تمارسُ حياتكَ بشكلٍ طبيعي والروتين اليومي يكادُ يقتلُ تفاصيل شخصية عقائدية روحية فيك لدرجةِ أن جسمك هو من يذكركَ فيها.. لعلك تصحو من غفوةٍ أخذتك الحياةُ إليها ولم تُعِدك.
منهمكةٌ في العمل والتفاصيل الدقيقة ومكالمةٌ تلوَ الأخرى، كأسٌ من الشاي كانَ ينتظرني مع وجبةِ العشاء لعلي أشفقُ عليه بأخذِ رَشفةٍ منهُ حتى لو عُدت لمكالماتي، لكن حتى الرشفةَ كانتْ عصية في تلك اللحظة. استمر بي الحال حتى بدأت قِواي تنهار، فقد حل الليلُ وبدأ البردُ يأخذُ مَوقعهُ في كلِ زاوية ومكان، وبدأتُ أشعر بالفوضى الداخلية، وكأسُ الشاي الذي كانت حرارتهُ تُناديني أصبحَ يرتعدُ برداً فاقدَ الأملَ من رشفتي له. كنتُ على وشكِ الانتهاء من جميعِ ما يتَطلبُه عملي والبدء بمهامِ الطعام والاستراحة.
وفي لحظةٍ…
انهارَ كُل شيء يُمكن أنْ يمت للحياةِ بصلة، ماذا حصل؟ لا تنتظروا إجابة فأنا كنتُ بكاملِ وعيي، وخلالَ لحظاتٍ تحولَ جسدي بالكامل إلى أُذنٍ تنبضُ ضَجيجاً مُشبع بالألمِ و حادٍ لدرجةِ أني حاولت أن اقتلعها من موضعها عَلّي انجح في بترِ هذا الألم المفاجئ.. لكن دون جدوى بل زاد الألمُ حدةً.. وبدأَ رأسي يتضامنُ مع أُذني واتفقا هما سوياً ضدي.
لا أدري ربما هُما على حق، لأني لم أعرهم أي اهتمام وضغطتُ عليهم خلالَ ٣ أيام متواصلة من العملِ والتفكير فقد شاركوني إنجاز مهامي المهنية والمنزلية ومهامي العائلية ورُبما كان يَكفيهم ذاك الطفل الشقي ذي الثلاث سنوات بحديثهِ المتواصل واكتشافه لميزةٍ في الانسان، وهي النُطق.. فهو يحاول أن يتحدث حتى عند نومه لكي يستثمر هذه الميزة الإلهية التي خصنا الله بها. لا اعلم ما تلك القدرة التي يملكها الطفل في التحدث المتواصل عن كُل الأشياء التي تَعني له والأُخرى التي لا تَعني له، لكن يهتمُ بكل شيء..
هنا دعوني أقدم اعتذاري من أُذني فهي تنصت لكل مَن يُحادثُها بعمق، أما أنا فما كانَ مني سوى التجاهل لحقها في الاستراحةِ لبُرهةٍ من الوقت.
كل هذا الوقت ورأسي يُصرُ كُلَ الإصرار بجميع تلافيفه وكوادره الداخلية من مخيخ وفصيص أيمن وأيسر على اغتيال رأسي. فقد تحولتْ حياتي في تلك اللحظة إلى دماغ وأُذن لا يمكنني السيطرة عليهما.. يا إلهي هل سَيُغمى عليِّ؟ هل سَأصاب بالشلل هل أصابَ دماغي التلف والتشقق وأنا استشعر هذه التفاصيل والأحداث داخله بكل حواسي.. كنتُ أعتقدُ أنَ الصداع التوتري هو من أبشعِ أنواع ألم الرأس.. لكن بهذهِ اللحظةِ كنتُ أتمنى ذاكَ الوجع لرأسي.. نعم كنتُ اتمناه..
لم أتمنى الموت قطعاً، رغم أن الألم الذي أصابني يجعلُ أي إنسانٍ يتمنى الموت والخلاص من هذا العذاب الدنيوي وغسيل الذنوب وإنهاءِ عمل تلك العين اللعينة التي لا تبارك ما ترى. لكن اكتشفت أن إرادتي أقوى.. وحبي أعظم وأشد. فلدي أربع قلوب روحي تفداهم وقلبي يهوى عيونهم فكيف اجعل تلك العيون تبكي بسببي.. لا. سوف اتحمل أشد أنواع الألم مقابل أن لا تنهمر دمعة واحدة بسببي والأدق لأجلي.
لجأتُ لدموعي التي كانت قد سبقتني في اتخاذِ القرار في النزول. فانهمرت من عينيي قبل طلب إذن المغادرة والتصريح بأمرِ المغادرة، لا مجال لدي لمُعاقَبتِها فهي انهارت لمُساعدتي في التنفيسِ عن شدةِ أَلمي، لم تكن لدي القدرة عن مسحها عن وجنتي لأن كلتا يداي تحاولان انتزاع ذاك الشي الذي يؤلمني داخل رأسي أحاول أن أوقف النبض الحاد بالضرب عليه كما نحاول إيقاف ذاك المنبه في كل صباح، لكنه يستمر في الرنين، إلى أن ننهض مرغمين على النهوض ومتابعة حياتنا الروتينية.
هي ومضة تمر بنا كما مواقفٍ في رحلةِ الحياة، وتنتهي كما تنتهي أي رحلة وصلت بنا إلى بر الأمان… لكن هل ندرك قيمة هذه الرحلة المؤقتة وما تحمله من حِكم؟
أم بانتظار مزيدٍ من الأمان الذي نفتقده؟
اقرأ المزيد على موقعنا
سيف السبيعي عباس النوري المدهش و سلاف فواخرجي كنت رهاناً ناجحاً