كتبت/د. دعاء هاشم
أصبح عالمنا الذي نحيا به الآن عالما موحشا وكأننا رجعنا فيه الآن إلي بدايات الحياة علي سطح الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل متنازعا معه علي اختهما غير مكترثا بتعاليم الله واوامره ونواهيه تماما كما نفعل نحن الآن ،مع أننا في وقت المفترض نكون أكثر تحضرا وفهما ووعيا ،و خاصة ونحن في عصر التكنولوجيا الذي اخترع فيه الإنسان الروبوت لتخفيف وتسهيل الأعباء علي حياتنا اليومية، أصبحنا كل يوم نصبح على أحداث أشد بؤسا وفتكا ووجعاً من تلك التي قبلها، غاب الدين وغابت معه الأخلاق في الأرض التي أمرنا الله بتعميرها وتطويرها.
فالأخلاق مستمدة كليا وجزئياً من الدين، فما ترك الله أمرا الا وضع له حدودا للتعامل في كل مكان نحيا ونتعامل فيه، لكن هناك من أعداء المجتمع من يريد هدم الدين وأصول الدين ويأتي مع ذلك هدم الأمة وهدم المجتمع .
أصبحت هناك قيم دخيلة على المجتمع ترسخ في أذهان الشباب أن الرجولة بفرض الرأي وفرض النفس والبلطجة المستترة داخل نفوس من يشعرون بالدونية والنقص فما منهم إلا بتعويض ذلك النقص من خلال إبداء مظاهر العنف والاعتداء علي الآخر ومنذ زمن بعيد يعاني العديد من أفراد المجتمع من جرائم نفسية خفية تترك أثرا شديدا على المعتدي عليه معنويا ونفسيا . لكن الأمر تطور الآن واصبحت تلك الجرائم مادية وبكثرة عن ذي قبل و تصل إلى حد إزهاق ارواحا خلقها الله تعالى وعن عمد .
و للتغلب على كل تلك المظاهر العنيفة علينا بالرجوع إلي الدين والاستناد عليه، أرى ضرورة وضع خطه بين كل الجهات المعنية بتلك المظاهر الفاسدة القاتلة لكل معاني الخير التي ننشد وجودها بالمجتمع، فقد دق ناقوس الخطر، ويجب أن نفيق من تلك الغفوة الطويلة التي نحيا بها والتي كان أثرها ما نراه الآن من تعدد مظاهر العنف وانتشار الجرائم.
لابد من تكاتف جميع الأجهزة والوزارات المعنية برقي المجتمع، فلابد ان يكون هناك دور لكل من وزارة الأوقاف ووزارة التعليم معا وزارة الثقافة أيضا وكذلك لن أنسى دور الأسرة والوعي المجتمعي. فيجب أن يتواجد دورا محددا لكل من تلك الوزارات لتدارك ذلك العنف المجتمعي من خلال تواجد خطة محكمة يتم العمل علي تنفيذها ومراقبة أدائها ونتائجها وتصحيح ما يجب تصحيحه، فعلي سبيل المثال من جهة وزارة التربية والتعليم والأوقاف معا فيجب إدراج مادة التربية والأخلاق بالإضافة إلى مادة الدين وتدريسها في جميع المراحل التعليمية ، موضحا بها رموزا قدوة لأبنائنا وشخصيات جاءوا إلى الدنيا وعمروها وتركوا عظيم الأثر بها حتى وإن رحلوا عن عالمنا.
ويجب أيضا زيادة تفعيل دور المدرس الاجتماعي بالمدرسة لملاحظة سلوك أي طالب به عدوان أو عنف، اتذكر أنه قد قصت ذات مرة لي إحدي الصديقات وابنها بالمرحلة الإعدادية بمدرسة حكومية أن أحد زملاء ابنها بالمدرسة يفرض عليه إتاوة للدخول إلي المدرسة أهذا يعقل، فذاك يدل علي ضعف الإدارة وعدم قدرة الوزارة علي اختيار ناظرا لتلك المدرسة يتحلى بقوة الشخصية وحسن الإدارة ، تخيلوا معي هذا الطالب المعتدي على زملائه الآخرين ماذا سيكون سلوكه عندما يكبر ويشتد عوده، إلا استكمال سلسلة العنف والإيذاء النفسي والبدني التي بدأها منذ الصغر إن لم يتم تقويم سلوكه والآن وبشكل عاجل ، كل ذلك يؤدي إلى تلك الجرائم التي أصبحت شيئا طبيعيا نتعايش معه يوميا.
السؤال الآن أين وزارة التربية والتعليم من كل تلك الأحداث، أين دور مدير المدرسة ووكيل الوزارة وكل تلك المناصب وصولا بوزير التربية والتعليم نفسه.
ومن جهة الأسرة، عليهم بمراقبة الأبناء وبث المفاهيم الأخلاقية في كل صغيرة وكبيرة واحتوائهم خاصة بسن المراهقة وايضا لا يفوتني ان اذكر أن كثرة حالات الطلاق داخل الأسرة تؤدي إلى زياده العنف المجتمعي، فارجوا من كل أب وأم أن يتريثا قبيل الطلاق وإن يعطوا لأنفسهم اكثر من فرصة قبيل اتخاذ قرار بالطلاق لأن عواقبه وخيمة على الأطفال والمراهقين والمجتمع ككل.
وأما فيما يخص وزارة الثقافة، لابد من مراعاة ما يقدم للمشاهد المصري، أين الرقابة الفنية على تلك المسلسلات والأفلام التي تبث لنا أسوأ القيم والأخلاقيات والتي ترى وتغير من قيم و مبادئ نشأنا وتربينا عليها ، لماذا يتركون منتجي المسلسلات الأفلام الهابطة الفكر والذوق العام تزين وترفع كل فاسق فاسد منافق ومرتشي وبلطجي وتغير من مفاهيم الرجولة والجدعنة الصحيحة التي تربينا عليها وفي ذات الوقت تقلل من قدر العلماء والأساتذة والتربويين والمتدينين الوسطيين المعتدليين وتصويرهم لنا كأنهم متطرفين فكريا وادبيا، وبأموالهم يسوقون لهذا الفكر الرديء بل ويجمعون اموالا طائلة من ورائه لا حصر لها، لا نجد مسلسلا إلا به آثارا للعنف والقتل والاعتداء علي الآخر، إذا فلا عجب ان نري ونسمع كل يوم وآخر عن تلك الجرائم القاسية التي أصبحت واقعا مرا نحيا به وعلينا أن نتعايش معه.
لا أكاد أصدق بيوم واحد نقلت إلينا الأخبار اكثر من جريمة انتحار وجريمة قتل وكل يرى ويسمع دون أن يحرك ساكنا لمنع أي اعتداء. كل يخشى على نفسه
من ما قد يصيبه أو يلحق به في حالة التدخل لإيقاف أي اعتداء قد يحدث أمامه.
ألا يكفينا المعتقدات الغربية التي أصبحت تحاصرنا ومن جميع الجهات بفكرهم الخارج عن نطاق جميع الديانات ويقف بجوارها معظم مجتمعات الدول الغربية تساندهم وبقوو علي جميع مواقع التواصل الاجتماعي بحجة التنوع واحترام الاختلافات ودون أي اعتبار للرسالات السماوية التي تحث علي الفضيلة واحترام الفطرة الإنسانية التي خلقنا الله عليها، أليس واجب علينا أن نتصدي نحن العرب امام تلك الاعتداءات الفكرية التي تواجه أولادنا وشبابنا وقد تنازع معتقداتهم وثوابتهم الدينية والفكرية والثقافية، الا يكفينا أن نتصدي لتلك الفتن الفكرية بدلا من قتل بعضنا البعض معنويا و ماديا ، ولكي نقوم بذلك يجب أن نكون مجتمعا نسيجا مترابطا يشد بعضه بعضا يتحلى بحسن الأخلاق والقيم المجتمعية الاصلية المستمدة من القيم الدينية وقال الله تعالي “(تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) عافانا الله واياكم من كل شر وسوء وحفظ أولادنا وإياكم من كل مكروه وأصلح أحوالنا وأحوال بلادنا.
زر الذهاب إلى الأعلى