كتب/خطاب معوض خطاب
الفنانة أمينة ذهني التي جسدت شخصية “أم ستوتة “حماة الفنان نجيب الريحاني في فيلم “سلامة في خير” تعد واحدة من الفنانات اللاتي تركن بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية رغم أن دورها في هذا الفيلم كان صغيرا للغاية، والجدير بالذكر أن فيلم “سلامة في خير” قام بإخراجه نيازي مصطفى وكتب له السيناريو والحوار كل من الكاتب بديع خيري والفنان نجيب الريحاني، ورغم إنتاجه منذ 85 عاما، إلا أن هذا الفيلم يعد واحدا من أهم علامات وكلاسيكيات السينما المصرية.
والغريب أن تُثَارَ حول حياتها ووفاتها شائعات كاذبة لا أساس لها من الصحة، حيث تذكر بعض المواقع والصفحات التي تبحث عن الإثارة والمشاهدات المرتفعة بصرف النظر عن المصداقية ودون سند من الحقيقة أنها قد قُتِلَت في الصحراء وأن الذئاب قد أكلت جثتها وأن نجيب الريحاني قد أعلن إسلامه بسببها وأن الريحاني وبديع خيري قد تحدثا عنها في مذكراتهما، وأن القاتل قد اعترف بجريمته تلك بعد مرور 27 سنة على وقوعها، والحقيقة أن ذلك كله ليس له مصادر موثوقة تؤكده، كما أنه يتنافى مع ما حدث في الحقيقة، حيث مات الريحاني دون أن يعلن إسلامه وتم دفنه في مقابر الأقباط الكاثوليك بمنطقة فم الخليج، كما أن الذئاب بريئة من أكل جثتها بعد مقتلها المزعوم، حيث أنه من المتعارف عليه أن الذئاب لا تأكل إلا الطعام الطازج ولا تأكل الميتة.
والحقيقة أن الفنانة أمينة ذهني تعتبر فنانة مجهولة لا توجد عنها أي معلومات في جميع المصادر الموثوقة المتاحة والتي وثقت لتاريخ السينما المصرية، فلا يعرف أحد متى وأين ولدت ولا أين كانت تقيم ولا متى توفيت، وتعرف بأنها من أقصر الفنانات اللاتي ظهرن على شاشة السينما المصرية، ولعلها لا ينافس قصر طولها إلا طول لسانها ومشاكساتها في مشاهدها في فيلم “سلامة في خير”، حيث كانت تشاكس نجيب الريحاني زوج ابنتها ستوتة في الفيلم، كما كانت تشاكس جارها المدرس الذي أدى دوره شرفنطح.
وما يثير الدهشة والتعجب أن الكثير من المواقع والصفحات التي كتبت عن الفنانة أمينة ذهني تذكر أنها أدت مشهدين مع الفنان نجيب الريحاني في فيلم “سلامة في خير”، وأنها لم تؤد غيرهما، ولو أننا استعدنا مشاهد الفيلم لوجدناها قد أدت عددا من المشاهد وليس مشهدين فقط، ولعل من أجمل مشاهدها في الفيلم مشهدها وهي تجلس على الكنبة وتدخن سيجارة بينما كان الفنان نجيب الريحاني يخاطب زوجته ستوتة التي أدت دورها الفنانة فردوس محمد ويقول لها: “هي الست عيوشة دي إيه؟! ما حيلتهاش حاجة أبدا! يوم تستلف منخول، يوم سكينة، مقشة، مافيش يوم تستلف حماتي؟!”، وإذا بالفنانة أمينة ذهني التي تقوم بدور حماته تقول له: “يوه! ينيلك يا مضروب”.
وبالإضافة إلى هذا المشهد أدت عددا آخر من المشاهد مثل المشهد الذي سألت فيه الفنان نجيب الريحاني عن الشنطة التي يحملها، والمشهد الذي كانت تقف فيه مع ابنتها في التراسينة بعد اختفاء زوج ابنتها ويقول لهما أحد سكان الحارة: “سألتوش في القصر العيني؟” فترد عليه أم ستوتة قائلة: “فال الله ولا فالك”، كما لا ينسى لها أداؤها في المشهد الطويل في آخر الفيلم، والذي كانت من أبرز الممثلين فيه، ولعل من أكثر الجمل الحوارية جمالا وإثارة للضحك جملتان قالتهما في هذا المشهد، أولاهما حينما قالت للفنان شرفنطح: “قرصتك عقربة في عينك”، والجملة الأخرى حينما قالت للفنان نجيب الريحاني: “أحمر لك فرخة واستناك بيها قدام السجن؟!”.
وللحق ودون مجاملة فقد كانت الفنانة أمينة ذهني بأدائها العفوي والطبيعي من أبرز نجوم فيلم “سلامة في خير” رغم قصر دورها وقلة كلمات حوارها، ومن أجمل مشاهد الفيلم التي أدتها بعفويتها ذلك المشهد الذي جمعها مع ابنتها ستوتة وجارتهما أم يني ويتحدثن فيه عن غياب زوج ابنتها، وفي المشهد تقول الفنانة أمينة ذهني: “والله يا كبدي ما اتغدى، نازل على لحم بطنه”، وبينما كانت الكاميرا تركز على ابنتها وجارتها ويدور بينهما حوار إذا بالفنانة أمينة ذهني وهي جالسة بينهما لا تنصت للحوار الدائر بينهما، بل تنظر بعيدا وكأنها تتواصل مع أحد الموجودين خلف الكاميرا وتضحك له ضحكة جميلة هي بالتأكيد خارج سيناريو الفيلم، وهذه الضحكة العفوية الجميلة وإن كانت خارج السيناريو ولا أدري كيف فاتت على مخرج الفيلم، لكنها إن دلت على شيء فإنما تدل على عفوية وفطرة هذه الفنانة الجميلة المجهولة.
وفي أحد مشهد من فيلم “الدكتور” الذي عُرِضَ في سنة 1939 نشاهد الفنان سليمان نجيب والفنانة أمينة رزق يهنئان عروسا بزفافها بينما نسمع السيدة الجالسة على يسار العروس تقول للفنان سليمان نجيب: “الله يبارك فيك يا سيدنا البيك، عقبالك”، وبالتأكيد صوت هذه السيدة ليس غريبا على أسماعنا حيث سمعناه من قبل، ولو تمعنا فيها جيدا لتأكدنا من أنها هي نفسها الفنانة أمينة ذهني التي جسدت شخصية أم ستوتة حماة الفنان نجيب الريحاني في فيلم “سلامة في خير” الذي عُرِضَ في سنة 1937.
ولعل هذا المقطع القصير ينسف كذبة من أكبر وأشهر الأكاذيب التي انتشرت بسرعة رهيبة على وسائل التواصل الاجتماعي، تلك الكذبة الخاصة بالفنانة أمينة ذهني التي جسدت شخصية حماة الفنان نجيب الريحاني في فيلم “سلامة في خير”، حيث نشرت العديد من المواقع والصفحات وقنوات البوتيوب أخبارا كاذبة عنها وأشاعوا أنها سُرِقَت وقُتِلَت في سنة 1937 بعد انتهائها من تصوير الفيلم، وأن من قتلها كان سائق تاكسي قام بإلقاء جثتها في الصحراء وأن الذئاب قد أكلت جثتها، وأن سر الجريمة قد انكشف بعد مرور 27 سنة على وقوعها، وأن نجيب الريحاني قد أسلم بسببها، وأنه قد كتب عنها هو والكاتب الكبير بديع خيري في مذكراتهما.
وكل هذه الأخبار صدقها الكثيرون للأسف وأعادوا نشرها على صفحاتهم الشخصية دون التروي والتثبت من صحتها قبل نشرها ومساعدة الكاذبين على انتشار أخبارهم المختلقة والعارية من الصحة، ولو أننا أمعنَّا النظر قليلا وحكَّمنا العقل في هذه الأخبار لتأكدنا من عدم صدقها، حيث ذكروا أن الذئاب قد أكلت جثتها بعد مقتلها والمعروف عن الذئاب أنها لا تأكل الجيفة، وذكروا أن الريحاني قد أسلم بسببها والريحاني لم يثبت أنه أعلن إسلامه كما أنه تم دفنه في مقابر الأقباط الكاثوليك بمنطقة فم الخليج، كما أنه هو وبديع خيري لم يذكرا اسم أمينة ذهني في مذكراتهما المنشورة.
أما أكبر الأدلة على أن كل هذا الكلام مكذوب ومختلق فهو هذا المقطع الذي بين أيدينا من فيلم “الدكتور” الذي أخرجه نيازي مصطفى وعرض بعد فيلم “سلامة في خير” الذي أخرجه نيازي مصطفى أيضا، ويظهر في المقطع الفنان سليمان نجيب والفنانة أمينة رزق والفنانة أمينة ذهني والتي أشاعوا كذبا أنها قُتِلَت وأكلت جثتها الذئاب.