شعر وحكايات
فلتنشق الأرض/ قصة قصيرة بقلم /عبير حافظ
فلتنشق الأرض
قصة قصيرة بقلم /عبير حافظ
خرجت من منزلها في الصباح الباكر بغير هدى، بعد ليلة حافلة بالأحاديث المحبطة والقرارات المتعسفة ، خرجت اثر مشادة كلامية بينها وبين والدتها. لا تعرف لأين تذهب، تهيم علي وجهها وقد ضاقت عليها الأرض بما رحبت.. مشيت هدير كثيراَ حتى وجدت نفسها وقد بعدت عن بلدتها حيث الفراغ..
وعلى قارعة الطريق جلست تتأمل فيما تركته وما هو آت، تتماوج بداخلها الأمنيات، وكيفية إرضاء جميع أطراف أسرتها وعلي رأسهم (هي) ، تعصف بها الحلول عصفاً، تستفزها المخارج المشروعة لكنها( مُحرمة) ، تطيح بها أرضًا، تورطها في دوامة من الأفكار المتدفقة والأطروحات الجارفة افترشت الأرض يتملكها اليأس، تتلقفها أطراف الأحاديث:
“أيتها الأرض هيا ابتلعيني” ” أليس خلف قشرتكِ الفضاء”
، “أنا لا أستطيع الطيران، ساعديني كي أنفذ من خلالك؛
فلتنشقي وتبتلعيني، أعلم أنكِ تبحثين عن سبب منطقي لتفعليها من أجلي، حقا نسيت أن أخبرك أنني اليوم سيتم عقد قراني على (ماهر) بعد نجاح ثلات محاولات للهروب من تلك الزيجة. كلما غمرني اليأس تمرين بخاطري
وأحدث نفسي ” آه لو تنشقين وتبتلعيني”
يقولون أننا بعد الموت تصعد أرواحنا للسماء، وأعلم أن الله في السماء، وأننا خلقنا هنالك حيث الجنة التي هي في السماء، ولكن وحدك تشغلين مساحات التطلع لدى للخلاص.
فكرة الانتحار باتت ساذجة.. أتجرع سما!
أو ألقي بنفسي من مكان عال لأتألم ثم أموت وياخذون جثتي ويدفنوها في باطن الأرض !
جميعها طرق لا تغريني..
اذا فلماذا لا نفكر خارج الصندوق وَنَنْفُذ للسماء، من الطريق الأقرب ؟!
محدودي البصيرة ينظرون لأعلى، والمخرج تحت أقدامهم، فقط لو تنشقين؟!
هيا انفرجي.. أعلم أنكِ تنتظرين تفشي الدمار وحدوث أمر جلل، كارثي.. لما كل تلك الضجة.. سأقترح عليكِ اقتراحًا “فلتبتلعيني أنا واتركي البقية يصولون ويجولون فوقها،
جميعهم ينظرون للسماء عندما يتمنون الفرج إلا أنا أنظر إليكِ، أظل اتأملكِ.. ألا يكفيكِ هذا.. لا أحد منهم يدرك قيمتك ففيكِ الخلاص.. والخلاص الأخير سيكون بانشقاقك وانتهاء العالم، وأنا عالمي متشقق ومهشم لاحاجة لي به.
لست مأساوية ولا أعاني الاكتئاب كما تعتقدين… لا تنظرين إلىّ هكذا رجاء؛
تخيلي معي رحلتي من خلالك كيف ستكون شيقة.. ستختلف الرؤى والنظريات حولكِ تمامًا… ستصبحين حديث الساعة وموضوع المنصات..
“لحظة”
صمتت هدير قرابة العشر دقائق متواصلة قبل أن تكمل هذيانها :
” أنتِ محقة لو انشققتي سيهلك الكثيرون ممن ليس لهم رغبة مثلي بالفناء، ولاذنب لهم سوى أنهم محدودي الرؤى.. فماذا عن ثقب صغير بحجمي.. كبئر مثلا ؟
يا إلهي لقد أصابتني القشعريرة ، قشعريرة رعب وتذكرت خبر (سقوط طفل بالبئر.) ظلام ووحشة.. حرارة عالية كلما توغلت فيكِ، انعدام الأكسجين،
“يا الهي أشعر بالاختناق !”
تهم لتقف، ترفع رأسها عاليًا، تنظر، للسماء وتستنشق بعمق ملء رئتيها وتردد :
“السماء.. السماء”
ثم تجلس مجددا على الأرض في يأس تصرخ باكية بصوت مرتفع هستيري ” انتهت حلول الأرض الأمر متروك للسماء”
اقرأ المزيد قراءة عميقة الفكر من الكاتبة “فاتن ديركي” ل حكاية حارة المؤيد “الجن والعاشقات” رواية للكاتب عماد نداف