مقالات
أحجية مستحيلة الحل ” بقلم” كندة بركة
(سكوتك قتلني وعيونك كلها حكي بحياة ربك بس قوليلي شو بكي) كلما استمعت إلى هذه الأغنية تعود إلى ذهنها تلك الصورة البعيدة.
في الغرفة الزجاجية الصغيرة جداً وعلى كرسي جلدي يشبه إلى حد كبير كرسي طبيب الأسنان ,و تحت تأثير الدواء المنوم كانت طفلتها تغط في نوم عميق. كان النور ساطعاً إلى حد الإبهار يصدر عن مصباح طولي مثبت إلى قاعدة .
الضوء الأبيض المسلط على وجه الطفلة النائمة جعل وجهها الجميل يبدو كتمثال ملاك من رخام أبيض . على رأس الطفلة ثبتت أسلاك كهربائية كثيرة.
كانت تلك الأسلاك موصولة إلى جهاز كهربائي و ما أن بدأ الضوء بالوميض حتى بدأ مؤشر الجهاز برسم موجات الدماغ. يتأرجح الخط البياني صعوداً و هبوطاً كضربات قلبها القلق ,في رأسها أسئلة كثير تطرق بعنف وحدس الأم يدوي في روحها كصافرة إنذار ينذرها بخطر مجهول قادم. لم تكن تدري حينها أن ذلك الكرسي كان المحطة الأولى فقط من رحلة طفلتها الشاقة الطويلة.
يصفر الجهاز, يتوقف الضوء عن الوميض, و يتوقف المؤشر عن الحركة. تنظر بقلق و ترقب إلى تخطيط الدماغ و تسأل نفسها ما الذي يدور في رأسك يا صغيرتي, ليتني أعرف. ما الذي يعيق تطوركِ, ما الذي يمنعكِ من الكلام).
أحد عشر عاماً مرت على تلك الصورة. الطفلة ذات السنوات الثلاث صارت اليوم صبيةً تفيض أنوثةً و جمالاً. صبية صاخبة و صامتة في عينيها ألف حكاية و ألف لغز لم يجد حلاً بعد ,وكأنها أحجية مستحيلة الحل.
السنوات الماضية لم تكن سهلة أبداً كانت سلسلة من التجارب و الخيبات و المحاولات, رافقها خلالها اسم صار وسماً موجعاً صار صفة دائمة لها (اضطراب التوحد).
أحد عشر عاماً مرت و هي ماتزال محتفظة بصورة تخطيط الدماغ, تنظر إليها من وقت لآخر و تسأل نفسها :(ما الذي يدور في رأسك الجميل يا صغيرتي. ليتني أعرف, ليتني أجد حلاً سحرياً ينتشلكِ مما أنتِ فيه)
اضطراب التوحد
تصغي إلى الأغنية التي تعبر عنهما و تدندن بصوت حزين :(ثمك قيثارة بس ناقصها الحكي, بحياة ربك بس قوليلي شوبكي)
اقرأ المزيد التوحد ..وجهة نظر أم بقلم كندة بركة
يا أمي كل ما قيل قليل …بقلم/ كندة بركة