شعر وحكايات
شاعر الإرادة الذي قهر المستحيل عبد العليم القباني.. الترزي البلدي الذي لُقٍّبَ بشوقي عصره
كتب / خطاب معوض خطاب
الشاعر المبدع عبدالعليم القباني الملقب بشوقي عصره يعد واحدا من مظاليم الشعر والأدب المهمشين في مصر، حيث عاش طوال حياته في الظل ومات دون أن ينصفه أحد ولم يلق التكريم الذي يناسب موهبته وعطاءه المتميز، فهو أحد رواد إذاعة الاسكندرية وعضو لجنة فحص النصوص الإذاعية بها وعضو اتحاد كتاب مصر لما يقرب من 20 سنة، وله عدد لا يحصى من المقالات تم نشرها في العديد من الصحف المصرية والعربية، وقد ولد في يوم 2 أغسطس سنة 1918 بمطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وانتقل مع عائلته للإقامة بمدينة الإسكندرية حيث ألحقه والده بأحد الكتاتيب هناك، ثم التحق بإحدى المدارس الإبتدائية وما كاد يصل إلى الصف الثالث الإبتدائي حتى أخرجه والده من المدرسة وألحقه بالعمل معه في محله حيث كان والده يعمل ترزيا بلديا أو كما يقال “ترزي عربي”.
وظل القباني يعمل مع والده حيث التقى بالمحل العديد من الشعراء والأدباء الذين كانوا زبائن محل والده، فكان يجالسهم ويستمع إلى مساجلاتهم الشعرية، فتعلم الشعر منهم وهو الذي يعرف القراءة والكتابة بالكاد، وللعجب نبغ القباني في الشعر وبدأ يُعرف كشاعر، وقام بإرسال أشعاره إلى عدد من المجلات فنشرت له مجلة السياسة الأسبوعية في سنة 1937 ثم نشرت له مجلة الثقافة في سنة 1940، وبعد ذلك بسنوات شلرك في مسابقة نظمتها وزارة المعارف العمومية في سنة 1948 وفاز بالمركز الأول، وكان يحكم في هذه المسابقة كبار الشعراء والأدباء المعروفين منهم عباس محمود العقاد ومحمد فريد أبو حديد، وأقيم حفل توزيع الجوائز في دار الأوبرا الملكية بالقاهرة حيث ألقي الشعر يومها أمام كبراء مصر وعظمائها، ومن أشعاره:
“إذا جُردت من قلمي وحبري
ولم تعد الصحائف في يديَّا
جعلت دماء قلبي لي مدادا
وأقلامي أصابت راحتيَّا
وكان الحائط المسود حولي
صحيفاتي التي تحنو عليَّا
وإن عقدوا اللسان ليخرسوني
فصوت القيد لا يألو دويَّا”
وبدأ نجم القباني يظهر ويعلو في سماء الشعر والأدب وإذا بالمسئولين عن وزارة التربية والتعليم يقررون تدريس إحدى قصائده على طلبة الشهادة الإعدادية بالمدارس المصرية، وفي نفس الوقت قرر القباني أن يستكمل دراسته فحصل على الشهادة الابتدائية ثم على الشهادة الإعدادية منازل، والعجيب أنه قد فوجئ أنهم يمتحنونه في مادة اللغة العربية بسؤال من قصيدته المقررة على طلبة الإعدادية في ذلك الوقت، ثم حصل على شهادة الثانوية العامة أيضا منازل وكان سنه وقتها قد قارب على الأربعين وهو ما زال يعمل ويمارس مهنته، وبعد ذلك عمل مشرفا في متحف كلية الآداب بجامعة الاسكندرية ووقتها قرر ترك العمل بمحل الترزي.
وقد صدر له 10 دواوين وقيل 11 ديوانا منها “أشعار قومية” و”بقايا سراب” و”ثورة الرماد” و”ملحمة الثورة العرابية”، وله عدد من البحوث والدراسات والكتب منها “شعراء الأسكندرية في العصور الإسلامية” و”مع الشعراء أصحاب الحرف” و”محمود بيرم التونسي وشعره الفصيح” و”إيليا أبو ماضي حياته وشعره في الأسكندرية”، وذكرت بعض المصادر أن له بعض القصائد المغناة مثل قصيدة “الليلة الأولى” التي غناها ولحنها المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي، كما غنت له أيضا المطربة فايدة كامل، وقد أشاد به وبأشعاره عدد كبير من كبار الشعراء والأدباء منهم العقاد وإبراهيم ناجي ومحمد فريد أبو حديد وعلي الجارم، كما حصل على العديد من الجوائز والتكريمات في عدد من المسابقات والمنتديات الشعرية التي دُعِيَ إليها، وكان آخرها جائزة عبد العزيز سعود البابطين في سنة 1991، كما تمت مناقشة عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه حول حياته وشعره من الجامعات المختلفة، وكانت وفاته في يوم 14 يناير سنة 2001.
والجدير بالذكر أنه كان مستشارا للجنة تسمية الشوارع بمحافظة الإسكندرية التي عشقها وذكرها وأرخ لها في معظم أعماله التي تعدت 45 كتابا ما بين الدراسات الأدبية والشعر، ورغم ذلك لم يسع أحد من مسئولي المحافظة حتى الآن لإصدار قرار بإطلاق اسمه على أحد شوارعها وهو الذي أطلق أسماء معظم أدبائها على شوارع المحافظة، وهو القائل:
“إسكندرية ليس لى إلاكِ
أبدا ومالى أن أحب سواكِ
إذ أنت حاضرة لكل حضارة
لم تلق ذروة مجدها لولاكِ
وإليك تنتسب الفنون وتلتقى
مثل الجمال الحي تحت سماكِ
يا أنت من دون البلاد جميعها
هل من سبيل أن أبث هواكِ؟”
رحم الله عبد العليم القباني ذلك الشاعر المبدع الذي تحدى ظروفه المعيشية وقهر واقعه الذي كان يعده ليكون ترزيا بلديا وأصبح بموهبته وإصراره وإرادته واحدا من كبار الشعراء وإن كان مجهولا للكثيرين ولم يجد الإنصاف والتقدير الرسمي المناسب لموهبته العظيمة وإنتاجه الشعري المتميز، ومنه قوله:
“يقولون عمرك أفنيته
فماذا تعلمت في المزدحمْ
فقلت لهم والدجى في دمي
وإن كنت لم أزل أبتسمْ
تعلمت أن أكتفي بالسراب
وأن أكتم الآه رغم الألمْ
وأن ليس جرح كصمت الصديق
إذا الموقف احتاج لا أو نعمْ”
اقرأ المزيد “يونس شلبي “في ذكرى وفاته، الكوميديان الطيب الذي أضحكنا وهو يبكي ويتألم من المرض