أدم وحواء

المخدرات الرقمية..إدمان بعيد عن أعين الرقابة الأسرية والمؤسسات الامنية والعقوبات القضائية.

د. أثير هلال الدليمي

دكتوراة في القانون الدولي العام

متخصص في مكافحة الجرائم السيبرانية الدولية

ناقوس خط جديد يدق ويهدد سلامة ابناؤنا ومجتمعاتنا.. استهداف جديد يتربص بهم ولكن هذه المرة ليس تقليدياً.. بل تكنولوجيا.. حيث إنه مخدر جديد يدعى بالمخدرات الرقمية، Digital Drugs او الجرعة الرقمية iDoser، ويكاد ان يكون تأثيرها وفعاليتها اكثر انتعاشا واسترخاء من تعاطي جرعة من الكوكائين أو الماريغوانا وغيرها من الانواع التقليدية المنتشرة.

بعيدا عن الرقابة الأسرية والأمنية، فالمخدرات الرقمية ذات طبيعة مادية تجعل من الصعوبة كشف طريقة استخدامها (تعاطيها) وضبط مستخدميها او المروجين لها كونها تعرض وتباع وتشترى وتتعاطى بطرق الكترونية وعبر شبكة الانترنت، ومن الصعوبة اتخاذ اية إجراءات عقابية او احترازية ووقائية ضد مستخدميها إضافة الى ان العملية برمتها لاتترك اي دليل جرمي مادي ملموس يكشف هوية المروجين وهوية المتعاطين لها، كما تعد المخدرات الرقمية من أحدث صور الجرائم الإلكترونية العالمية وأكثرها اساءة لاستخدام التكنولوجيا الرقمية الحديثة.

شهدت الاونة الأخيرة رواج وانتشار واسع للمواقع الاكترونية التي تحوي على مكتبات متنوعة لأنواع هذه المخدرات واقبال كبير من قبل المراهقين والشباب وخاصة من الذين يعانون من مشاكل نفسية او اجتماعية او عائلية بعد ان يغرر بهم من قبل المروجين في هذه المواقع واقناعهم بأن هذه المخدرات أمنه وشرعية.

تتخذ هذه المخدرات مشروعيتها من خلال عدم وجود تشريعات جنائية موضوعية (قوانين) تجرم العملية برمتها بدءا من عرضها انتهاء بتعاطيها، وبذلك فان لاجريمة ولا عقوبة الا بنص، كما أن العملية برمتها ذات طابع تكنولوجي إلكتروني تلزم بعض الإجراءات الفنية لكشفها ومكافحتها وللأسف الشديد فان اغلب الدول ولاسيما الدول النامية فانها تعاني من ضعف في الجوانب الاجرائية المتعلقة باجراءات القبض والتحري والتفتيش والتحقيق في الجرائم الإلكترونية وغيرها من الإجراءات الفنية وذلك بسبب ضعف الخبرة الفنية لدى بعض أعضاء الضبط القضائي والمحققين والقضاة.

كما ان ضعف التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الإلكترونية الحديثة وغياب المعاهدات والاتفاقيات والتشريعات الدولية الموحدة في تحرر المجرمين وافلاتهم من العقاب وبالتالي تمكنهم من تطوير اساليبهم الإجرامية واكتشاف طرق جديدة وبديلة للجرائم التقليدية او تسهل في ارتكابها واخفائها.

المخدرات الرقمية باختصار:

المخدرات الرقمية هي عبارة عن ملفات صوتية (نغمات)( mp3) ذات ترددات مختلفة ترافقها بعض الاحيان أشكال بصرية عشوائية وهذه الملفات مشابهة لأي ملفات رقمية تخزن في أجهزة الكومبيوتر او الهواتف النقالة او اي جهاز إلكتروني اخر مثل (صورة، مقطع فيديو، نص كتابي، ملف صوتي) ولاتختلف ملفات المخدرات الرقمية عن أي ملف صوتي اخر سوى بالنغمة التي تكاد ان تكون غير مفهومة، ويمكن تحميلها من خلال مواقع الكترونية عبر شبكة الإنترنت تكون متخصصة في ترويج وبيع هذه الملفات.

للأسف الشديد توفر مؤخرا على موقع ال (يوتيوب) عدة مقاطع لهذه الملفات متباينة الطول لفترات قد تكون قصيرة لبضع دقائق ويصل بعضها طوله إلى ساعة، وتأتي إضافة للذبذبات الصوتية مع مؤثرات بصرية أحياناً تكون ألوان مختلطة ثابتة وأحياناً تتغير ببطيء شديد حتى تحفز اللاوعي عند الإنسان.

وسوف نتطرق لهذا الموضوع المهم بالتفصيل:

تبدأ الرحلة من خلال تصفح بعض المواقع الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت المروجة بطرق احترافية لهذا النوع من المخدرات والمستضيفة لها، حيث تغوي المراهقين وتقنعهم باستخدامها، وتعرض كذلك بعض المعلومات عن فوائد هذه النغمات وانواعها ومدى تأثير كل نوع منها، إضافة إلى انها تضع دليل وتعليمات إرشادية توضح طرق الاستخدام وانواعها النغمات والأسعار إزاء كل نوع منها والشعور المنبعث من خلال استخدامها، كما تعرض هذه المواقع بعض التجارب الناجحة على حد زعمهم لفئة من الشباب المتعاطين َالمستخدمين لهذه الملفات والذين كانوا يعانون من مشاكل التوتر والقلق، وكيف اصبحوا سعداء يحلقون في السماء بعد استخدامها وكيف انتقلوا إلى مرحلة الاسترخاء والنشوة و اللاوعي، وفقدان التوازن الجسدي والنفسي.

تعرض مجانا على سبيل التجربة في بادئ الأمر ثم يتولد لدى مستخدمها تدريجيا رغبة شديدة بتكرار الاستخدام لزيادة الفعالية التاثيرية وتكون بمبالغ ليست بالقليلة تتباين اسعارها حسب نوع الملف وجرعته (التردد) المطلوب للاسترخاء والراحة لغاية انتهاء الأمر بالاستخدام المفرط والمتكرر والمؤدي الى الادمان على استخدامها وربما الانتقال إلى مرحلة تعاطي المخدرات التقليدية المشابهة لها في التأثير والفعالية وبالتالي يكون المدمن قد شكل خطرا كارثيا اجراميا على سلامة المجتمع وامنه.

اكتشاف وبداية استخدام الترددات الصوتية :

في عام 1839 اكتشف العالم الفيزيائي Heinrich Wilhelm Dove

اختراع يبرهن على أنه اذا سلطت ترددين مختلفين قليلاً عن بعضهما لكل اذن، فإن المستمع سيدرك صوت نبض سريع. سميت هذه الظاهرة بـ دق على الاذنين

binaural beats .

استخدمت هذه الآلية لأول مرة عام 1970 من أجل علاج بعض المرضى النفسيين لاسيما الذين يعانون من الاكتئاب الخفيف والقلق وذلك عند رفضهم العلاج الدوائي حيث كان يتم تعريض الدماغ إلى ذبذبات ترددية كهرومغناطيسية تؤدي لفرز مواد منشطة كالدوبامين و بيتا أندروفين بالتالي تسريع معدلات التعلم وتحسين دورة النوم وتخفيف الآلام وإعطاء احساس بالراحة والتحسن. واعتبر موقع Psychology Today أنه يمكن استخدام هذه التقنية لعلاج القلق.

متطلبات الاستخدام (التعاطي) :

توضع سماعات الراس”headset” على الأذنين للوصول الى المستوى المطلوب من الاستمتاع والنشوة.. وتغمض العينين وتوضع عليهما عصبة.. يفضل ارتداء ملابس فضفاضة.. الجلوس او الاسترخاء في وضع التمدد في مكان مغلق مع إضاءة خافتة او مظلمة.. إطفاء جميع الأجهزة الموجودة في الغرفة منعاً لتأثيرها على استمتاع للمتلقي.

عمل هذه الملفات الصوتية:

المخدرات الرقمية هي ملفات صوتية وأحياناً ترافقها اشكال بصرية ذات ألوان تتحرك وتتغير وفق معدل مدروس تمت هندستها لتخدع الدماغ عن طريق بث أمواج وترددات صوتية مختلفة بشكل بسيط لكل اذن، ولكون ان هذه النغمات الترددية غير مألوفة يعمل الدماغ على توحيد الترددات بين الأذنين للوصول إلى مستوى واحد بالتالي يصبح كهربائياً غير مستقر، وحسب نوع الاختلاف في كهربائية الدماغ يتم الوصول لإحساس معين يحاكي احساس أحد أنواع المخدرات أو المشاعر التي يصل إليها كالنشوة.

على سبيل المثال انه لو تعرضت الأذن اليمنى إلى موجة 325 هرتز واليسرى إلى موجة 315 هرتز فإن الدماغ سيعمل على معالجة الموجتين لتشكيل صوت و موجة جديدة لتكون موجة 10 هرتز وهي نفس الموجة التي ينتجها الدماغ أثناء الارتخاء والتأمل.

كل نوع من هذه المخدرات (الملفات) تستهدف نمط معين من النشاط الدماغي، ويتعلق الأمر بمدة التعرض و الظروف المواتية له و أحياناً يتم الاستعانة بالبصر لزيادة تحفيز الدماغ.

وحسب المنظمة العربية للمعلومات والاتصالات فإن تلك المخدرات عبارة عن ذبذبات صوتية تتراوح أمواجها ما بين ألفا ثم بيتا و ثيتا وصولاً إلى دلتا،ويؤدي الاستماع إليها لفترة طويلة عدة أحاسيس كالنعاس أو اليقظة الشديدة أو الدوخة أو الارتخاء أو الصرع والانزعاج.

كيف يتم الترويج إليها:

يتم الترويج إليها وعرضها من خلال مواقع الكترونية عبر شبكة الإنترنت وتسوقها على أنها آمنة و شرعية، كون انه لا يوجد قانون يجرم الاستماع إلى ملفات صوتية في أي دولة حول العالم و عبر عدة برامج مختلفة بدءاً من تطبيقات الهواتف المحمولة وحتى برامج تعمل على أنظمة تشغيل مختلفة وملفات صوتية أخرى، كما توفر هذه المواقع دليل يشرح الاستخدام خطوة بخطوة حتى تحقق الفاعلية المطلوبة للنشوة والاسترخاء.

تتوفر المخدرات الرقمية بعدة أسعار و جرعات حسب الشعور الذي يود المتلقي الحصول عليه، حيث توجد ملفات قصيرة طولها ربع ساعة وبعضها يصل إلى الساعة.

تتطلب بعض الجرعات الاستماع إلى عدة ملفات تستخدم وفق ترتيب معين حتى يتم الوصول إلى الشعور المطلوب.

تقدم هذه المواقع الجرعات بطريقة مشابهة لطريقة تقديم وترويج المخدرات الحقيقية حيث تقدم عينات مجانية على سبيل التجربة ومن ثم تكرار تعاطيها والادمان عليها، حيث يتم الاستماع إليها وبعدها تطلب الجرعة الكاملة وتتراوح الأسعار ما بين 3 دولارات لتصل إلى 30 دولار و أحياناً أكثر.

لايتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل في حالة عدم مقبولية الجرعة المتوفرة في الموقع كونها غير مؤثرة وليست بالمستوى المطلوب يتيح الموقع خدمة تصميم نغمة (جرعة) تكون كافية للوصول إلى شعور بالنشوة ويكون كافي لغياب الشعور او الوعي.

أنواع المخدرات الرقمية:

المروجون يزعمون الى إن هناك عدة ترددات تقريبا لكل نوع من المخدرات، مثل الكوكائين وميثان فيتامين المعروف بـ”كريستال ميث” وغيرها الكثير، منها الذي يدفع متلقيها للهلوسة او للاسترخاء وآخر للتركيز وهكذا.

مدى خطورة تعاطي هذه المخدرات:

هنالك لقاء على قناة العربية مع رئيس جمعية جاد للإقلاع عن المخدرات في لبنان جوزف حواط، أنه قد واجه العام الماضي حالتي إدمان على المخدرات الرقمية في الجمعية، وتم ابلاغه من قبل ذويهما بأن اولادهما المراهقين انعزلوا فجأة في غرفهم لساعات طويلة وسماعهما لنغمات غريبة وغير مفهومة وعلى أثر ذلك بدأت اجسادهما بالارتجاف، موكدين في الوقت ذاته ان ولديهما لا يتعاطيان اي نوع من المخدرات.

كما اضاف مستشار اللجنة الطبية في الأمم المتحدة طبيب الأعصاب الدكتور راجي العمدة حيث اكد أن هذه الترددات والأمواج الصوتية تؤدي إلى تأثير سلبي وسيئ على المتلقي على مستوى كهرباء المخ، كونها تسبب له ما يعرف بالشرود الذهني وهي من أخطر اللحظات التي يصل إليها الدماغ حيث تؤدي للانفصال عن الواقع وتقليل التركيز بشدة، واضاف العمدة أن التعرض لهذا التغيير في اختلاف موجة الكهرباء في الدماغ وتكراره يؤدي إضافة إلى لحظات الشرود إلى نوبات تشنج عند المتلقي والهلوسة والارتجاف والتشنج وتسارع التنفس وتسارع نبضات القلب.

الوقاية والعلاج من ادمانها:

وفقاً لآراء عدد من الخبراء الاختصاصيين النفسيين فقد أكدوا أن الوقاية المبكرة خير من العلاج في قضية المخدرات الرقمية وبالتالي لابد من التوعية باعتبارها هي الحل الواجب حالياً، والسبيل للتصدي للمخدرات الرقمية وغيرها من الجرائم حيث أصبحت التقنيات الحديثة متاحة لجميع الافراد، وبغض النظر عن العمر، وبالتالي وفي ظل سيطرة العولمة بجوانبها المتعددة، تبقى التوعية هي الحل الامثل لكل هذه الأفعال السلبية، لذا يقع على عاتق المدارس تنظيم محاضرات توعوية للطلبة عن مخاطر استخدام الأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها المختلفة، بدءاً من الهواتف النقالة، وصولاً إلى غيرها من الأجهزة التي تبث سموما”، ومن ذلك المخدرات الرقمية التي مالبثت ان تنتشر بصورة سريعة بين الشباب في الغرب وفي طريقها إلى الانتشار في دولنا العربية لذا يتطلب الأمر وقفة حقيقية وجدية للقضاء على هذه الآفات التي تستهدف ابناؤنا ومجتمعاتنا المحافظة، فيما لا يجب أن تقتصر التوعية على مجرد نشرات أو كتيبات، بل لا بد من أن تكون واضحة ومباشرة ليشعر الأبناء بأن هناك خطر حقيقي بالفعل .

كما يقع على عاتق المدارس مراقبة ومتابعة سلوك الطلاب ومخاطبة أولياء امورهم، بضرورة متابعة أبنائهم ، والانتباه إلى سلوكياتهم وتصرفاتهم.

كما يقع على كاهل الأسر في المنازل مراقبة استخدام ابنائهم للأجهزة الإلكترونية على اختلافها، والانتباه ومراقبة سلوكهم والتغيرات التي تطرأ على احوالهم، من الانعزال عن بقية أفراد الأسرة، أو السلوك العدواني والأفعال الحادة، لأنها قد تكون مؤشراً لأمور خطرة، يمكن الإسراع بعلاجها قبل أن تستفحل. وبشكل عام تعد المخدرات الرقمية حتى الان

علاجها يكون نفسياً، للتبعية النفسية التي تترتب على هذا النوع من الإدمان، وليس الجسدية مثلما الحال عند تعاطي المخدرات التقليدية، لذا فالتبعية النفسية تعالج من خلال المدارس او الأطباء النفسيين او من خلال أولياء الأمور نفسهم، بغية القضاء على هذه الظاهرة درءا لتفشيها كون ان متعاطي المخدرات الرقمية يعاني الفشل والانحراف، ويكون مستعداً استعداداً كاملاً لإدمان أي من المخدرات التقليدية، لذا يبقى الخوف قائماً من ذلك.

اقرأ المزيد جريمة الابتزاز الالكتروني بين الواقع وغياب القانون”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock