كتبت : صفاء القاضي
أحيانا يتعرض القلب والروح والعقل للملوثات كما تتعرض البيئة تماما ، وتلوث البيئة أمره هين فنحن نستطيع التنظيف والتطهير بل والتعقيم ولا يحتاج منا الأمر إلا لبعض الوقت والجهد تعود بعدها البيئة وقد تخلصت تماما من آثار التلوث .
المشكلة الكبرى حينما تتعرض نفسك للتلوث الأخلاقي فقد أوقعتنا الحياة على غير أشكالنا رغما عنا ، وتلوثنا على حين غفلة من عقولنا واستدرجتنا اختيارات ضالة ، في لحظة سبات للبصيرة
فما أدركنا إلا بعد أن أصاب العطب أرواحنا .
قد تنصدم بواقع مرير مؤلم وتخرج من تلك الصدمات مصابا بجروح وندوب وتنزف نفسك ، ويتبعثر طهر قلبك حتى تخشى نضوبه ، تخشى على نفسك من تسلل الملوثات حين غفلة من مراقبتك لنفسك وروحك .
وقد تسلل الكثير فلم تقبلها الروح بل لفظته وطردته ، روحك تبحث عن الطهر بعد أن تأثرت بذاك التلوث الأخلاقي والروحي والنفسي ، أثقلت الروح فلم تعد تحلق كما كانت أثقلتها هموم ولوثتها آلام وأصبحت تبحث عن روحك القديمة فلم تجدها ، تشعر أنها أصبحت ملطخة ومشوهة ، فما السبيل إلى إزالة التلوث عنها وكيف تعيدها محلقة عبقة يفوح منها الطهر ويظللها الجمال والرقي يجلوها الخلق ثم يزينها التألق والشموخ .
من جوهر النور كانت أرواحنا تبرق ، كطهر الصلاة في عمق الليل ، كروعة التسابيح في انفلاق الصبح ، كانت أرواحنا قطرات ندى وأهازيج فرح وضحكات طفل
لقد تفوق الإنسان كثيرا على مخلوقات الله الأخرى في براعة الإفساد والفجر والبغي وتضائل الشيطان أمامه فلم يعد رمزا للشرور
رأينا من البشر من هم من سلالة الشيطان فعلا وقولا وشعورا فكيف لا تتلوث قلوبنا وأرواحنا بل وأحلامنا ثم عدنا بعد مرارة التجربة نبحث عن تطهير أرواحنا في كل مكان
نبحث عن الطهر في السماء والأرض ، في كل مشرق شمس ومغربها ، في موج البحر ، في عمق المحيطات ، في نور القمر ولمعة النجوم ، كيف بنا نحلق بطهر أرواحنا قبل أن يخنقه الدخان الأسود ، نبحث عن الطهر من التلوث في آية في دعاء ، في كلمة صدق في دعوة شيخ ، في نظرة طفل ، في همسة المحب وفي رقة الضعيف وفي حضن الصديق ، في زقزقة العصافير وتسابيح العابدين وترانيم الساهرين ياليتها تطهر أنفسنا من ذاك التلوث اللعين .
كيف تعود أرواحنا إلى ما كانت عليه ؟ كيف نطهرها وكيف نزيل عنها تلك الغمامة الملوثة كيف نغسل أرواحنا من الدنس الأخلاقي والشرور والقسوة نحن بحاجة إلى منظفات الدنيا ومعقمات الأطباء
نحن بحاجة إلى أن نغسل أرواحنا بالماء والثلج والبرد .
كيف تغسل الأرواح والقلوب ، كيف لنا بلمسة الطهر وجوهر الصدق وعبق الأخلاق ونقاء الفطرة ً
مهما كانت مرارة التجربة فلا بد لأرواحنا من إياب ولا بد لقلوبنا من أن تتطهر وتولد من جديد ربما نحتاج إلى بعض الوقت لكي تتطهر ذاكرتنا من الشرور والآثام
لكن سوف يظل الإنسان هو منبع الشر والإثم ومصنع البغي والظلم
وسوف تظل سلالة الشيطان من بني البشر تلوث أرواحا نظيفة وقلوبا طاهرة وتعصف بمعابد الأخلاق وتحطم قوانين الحق والخير
إنها سنة الحياة الخير والشر والأرواح تتلوث بالشر أوتغرق فيه وربما تنجو بالخير فتحلق في سماء الطهر حتى ولو تلوثت قليلا أو كثيرا فلا بد لها من عودة الروح إلى منبعها الصافي ومرجعها الذي خلقت منه وجبلت عليه ومادتها التي تكونت منه ألا وهو الخير والطهر والنقاء
وستظل سلالة الشيطان من الإنسان هي الأقوى من شياطين الجان لكن انتصار الشرور لم يكن في الإمكان ولم يغلب الشر أبدا عبر الأزمان
طهروا الأرواح من الملوثات وعودوا إلى منبع الخير آمنين