عاممقالات

حضارة الجدود .. حضارة الحب والسلام

يكتب : الاثري / محمود فرحات
بمناسبة اليوم العالمي للسلام والذي تحتفل به الامم المتحدة يوم 21 سبتمبر من كل عام ، دعوني اكتب لكم عن مصر حضارة الحب والسلام .. ولكن لابد ان نعلم اولا ما هو السلام ..؟؟ السلام هو حالة من الهدوء والطمأنينة والسكينة وهو مصطلح يعاكس الحرب والغضب والاندفاع والتنافس غير الشريف .. السلام احساس له مردود نفسي واجتماعي وروحي على الامم والشعوب .. وفي ظل السلام تنمو وتزدهر الامم وتنشأ الحضارات ويبدع المبدعون في الفنون المختلفة
وفي مصر القديمة عاش الاجداد في سلام على ارض مصر .. تعايش اهل الشمال والجنوب تعلموا الزراعة وتعلموا الاستقرار .. عرف المصري القديم بيئته جيداً وعاش معها في سلام وتوحد معها .. شعر الاجداد ان الكون كله اسرة واحده متكاملة .. وهذه الرؤية انعكست على أفعالهم فنبذ المصريين القدماء العداوات .. وأصبح الأعداء والأصدقاء بمثابة أسرة واحده متكاملة .. وهذه النظرة التكاملية لكل قوى وعناصر الكون جعلت الصراعات التي تسردها اساطير الاجداد تنتهي نهايات منطقية .. فهى قضايا تجعل للخير والشر دور في الوجود .. ولا تجعل الشر سئ في ذاته وإنما يحتمل أن يحمل بين طياته الخير أيضا
فالحرب والصراع بين ملوك الشمال وملوك الجنوب انتهت بتوحيد أرض مصر وإنشاء الأمة المصرية .. والصراع بين اوزيريس وست انتهى بنصب ميزان العدالة وتشكل أوليات العقيدة المصرية الباحثة عن الخلود .. فالشر المتمثل في ست كان له اهمية في قصص أسطورية أخرى من الميثولوجيا المصرية
وقد انعكس ذلك الشعور بالأسرية والتكاملية الكونية من وجهة النظر المصرية على الأخلاق المصرية العظيمة والتي انطلقت بها السنة أنبيائها (حكماء مصر القديمة) ناصحة الجيل تلو الاخر .. ونستمع لصوت قادم من عمق الماضي يقول (أصطلح مع نفسك .. يصطلح الكون معك) فهي حكمة تؤكد جنوح مصر الدائم للسلام .. فالصلح مع النفس هو التوحد فلا انقسام ولا تشتيت ولا صراع ولا خوف .. ونواصل الاستماع لتلك الكلمات النورانية فنسمع من يقول (لا تنقل الحدود ، ولا تتعد عليها ، ولا تطمع في أملاك غيرك ، ولا تغتصب ظلما في الحقل ، لان الظالم تنخرب أجرانه ، وتنتزع أمتعته من يد أطفاله ، و أملاكة تعطى لغيرة) وكذلك (لا تمنع اناساً من عبور النهر ان كان في قاربك مكان ، خذ الأجر من الرجل الغني ، ورحب بمن لا يملك شئ) ( الثروة التي تأتيك عن طريق السرقة لا تبقى ، فسرعان ما تطير وتختفي ) (لا تطمع في متاع إنسان ، ولا تطلع إلى خبزه ، فان متاع الغير لا خير فيه) (اغرس طيبتك في جوف الناس حتى يحيك كل إنسان) (إذا خاطبك احد بألفاظ جارحة ، فخاطبه بكلام عذب ، وسكن من ثورته ، فالإجابة المثيرة كضرب السياط لصاحبها)
فتلك النظرة المسالمة للكون أدت إلى الطمأنينة والسكينة وحب الغير والشعور بالالتزام نحو المجتمع .. وتلك النظرية الاسرية للكون جعلت المجتمع المصري يتقبل غير المصريين ويتعايش معهم وهو ما كلف مصر المطمئنة الكثير حينما سمحت بسلميتها باستقبال قبائل المهاجرين القادمين من جنوب فلسطين إلى الدلتا هرباً من الجوع والعطش والقحط .. والذين ما إن أتتهم الفرصة حتى طمعوا في سلمية الإنسان المصري واغتصبوا أرضه لعشرات السنوات .. حتى عندما طردت مصر أعدائها فهي لم تعتدي أو تسرف في الاعتداء .. وإنما أكتفت بتأمين حدودها وتركت لهم بلادهم يحكمونها بأنفسهم
ونتذكر في ذلك الموقف ملك مصر العظيم تحتمس الثالث والذي أسس للإمبراطورية المصرية .. الحقيقة أن الإمبراطورية المصرية لم تكن إمبراطورية حدود بقدر كونها إمبراطورية نفسية .. فعقب حروب تحتمس الثالث للقضاء على التمرد الذي كان في بلاد سوريا وكان هدفه إعادة احتلال مصر .. وبعد أن كتب لمصر النصر .. لم يرسل ملك مصر المنتصر من يحكم تلك البلاد المفتوحة .. ولم يسرف في قتل أعداءة وإنما ترك لهم بلادهم ليحكموها وطلب منهم أولادهم (حكام المستقبل) ليتعلموا في مصر .. فكان بذلك مثال للقائد الذي الشجاع الذي حارب من اجل السلام
كانت مصر صاحبة أول معاهدة سلام في التاريخ لتدلل على أن الحرب لا ترجى في ذاتها .. رعمسيس الثاني عقد معاهدة للتعايش في سلام مع عدوة خاتوسيل ملك الحيثيين بعد معركة شرسة قتل فيها المئات من البشر دون حسم لأي من الطرفين ..
هكذا هي مصر كانت دوما تمد اليد للغير بالسلام .. فقد أحبت مصر الحياة لذلك فقد فكرت في الخلود فآمنت بالبعث والخلود وجعلت من معابدها ومقابر ملوكها وحكمائها ونبلائها وعمالها سجل حافل بالصور الحياتية .. فقد كرهت مصر الموت فجعلته طريق للخلود والأبدية .. إن السمو الذي سكن زهرة اللوتس ، سكن الكيان المصري الحقيقي ، فغمرة حضارتها بسكينه وصلت إلى قمة السمو في التسامح والسلام مع الكون والنفس والغير..
وفي الختام .. امنيات صادقة ان يعود للعالم الهدوء والحب والطمأنينة .. ويعم السلام كل ارجاء الدنيا .. ويدرك العالم معنى التعايش دون حروب ولا كراهية .. امنيات هل يمكن تحقيقها ..؟؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock