بقلم: رءوف جنيدي
عبر ايام الزمن الجميل وبين دروب بلدتنا وازقتها . كانت تئز عجلته أزيزا حالما . كم تراقصت على لحنه قلوب . وتمايلت على وقعه صبايا . وفى داخل حقيبته الجلدية العتيقة كانت ترقد المشاعر والأحاسيس . مسطورة على اوراق العشق والغرام . خطتها قلوب تواقة . وانفس قتلها البعد واضناها الحنين . لزوج يسعى بعيدا باحثا عن قوت أولاده . او لابنة اضطرتها ظروف عمل زوجها إلى الإقامة فى بلد آخر . او لفارس احلام لم يسعفه عناد الزمن فى أن يمتطى الى جوار حبيبته صهوة الوصل واللقاء . فحارت المشاعر والأحاسيس جوالة وسط ركامات ورقية وداخل حقائب سعاة البريد ….
فى داخل هذه الحقيبة كان يدور نصف الحياة صامتا . راقدا على أوجه الصفحات وبين السطور . حبيسا داخل أغلفته . الى أن يصل لمن يفض عنه غلافه . بينما دار نصفها الاول صاخبا معربدا بين ضلوعنا . فى طيش ورعونة . كثيرا ما اقضت المضاجع وارقت الجفون .
تزخر هذه الحقيبة بأحداث ما كانت كلها سعيدة . فمنها ما كان الأهل يتخوفون من سماعه . ومنها ما كانوا يتوقون لسماعه عله يزف إليهم بشرى خبر سعيد .. تأخذ الحياة دورتها بين الرسائل . وتأخذ ايضا عجلته دورتها بين الأهل والاحباب . طواف عليهم . لتضع كل رسالة يحملها نهاية قصة بدأها الشخص فى بلدته . لتنتهى على سطورها قصته أما نهاية سعيدة . او على عكس ما كان يتمنى . فهى حكمة الله فى إدارة شؤون الخلائق …
كانت تصدر عجلته صفيرا يسمعه كل على شاكلته . وكأنه رجع لما فى الصدور . فأما نقر على الدفوف منبئا عن أخبار سارة آت بها الرجل عن قرب موعد زفاف مثلا . فقد خلق الله لنا من انفسنا ازواجا لنسكن اليها وجعل بيننا مودة ورحمة …. أو قدوم مولود جديد : فقد خلقنا الله من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ….. وأما أنين ناى حزين يملؤه الحزن والشجن منذرا بأخبار ما كانوا يودون سماعها ولكنها حكمة الله فى أن : كل نفس ذائقة الموت …
طاف بالسلام يوما . هذا الساعى بين الأفئدة . الساعى بالمشاعر ليسكنها فسيح القلوب . استقبلته الدنيا بيوم مشرق . تراقصت فيه الطيور على قارعات اغصانها . كنساء البلدة عندما يخرجن أمام ابواب بيوتهن على استحياء لمشاهدة موكب عرس مارا من أمام البيوت . فيطلقن الزغاريد والأناشيد … تراقصت الدنيا وتراقص قلب كان ينتظره . انتفضت رسالة من بين قريناتها . عندها شعر أنه اقترب .. سأل عن العنوان . دله فاعلوا الخير . كان لڤيللا لثرى يسكن أطراف البلدة . اقترب . ترك عجلته . دخل الڤيللا مترجلا . قابلته حسناء . أكدت له ابتسامتها وضربات قلبها صحة المكان . أوقفت عجلتها . تحرك قلبها بين جنبيها وتحركت الرسالة من بين رفيقاتها . قال : معى رسالة هى لك .. قالت : وأنا لها .. مد يده داخل حقيبته . التقطها وكأنها قفزت إلى يديه .. تسلمتها . نظرت لتتأكد من مرسلها . تهللت . انفرجت اساريرها . علت وجهها ابتسامة مضيئة وكأن سحبا انفلجت عن بدر اكتمل لتوه . شكرت الساعى . توجهت الى غرفتها لتفض الغلاف عن مكنونات قلب الحبيب الذى أعلن فى مستهل رسألته أنه آت .
انهمرت دموع الفرح . سالت على وجنتيها . تساقطت فوق الكلمات يحتضن كل منهما الآخر فى عناق طال الشوق إليه . سبحت كلماته فى دفء عينيها . عادت الحياة تدب فى أيامها من جديد . بدأت فى إعداد حقيبة ملابسها وهمت بالرحيل . غادرت بيت الوالد . الى حيث يسكن الحب . الى حيث تسكن السعادة . فتحت الأبواب والنوافذ كى تشاركها الدنيا فرحتها . سارعت الى غرفتها . وضعت الرسالة تحت الوسادة التى كانت خالية . الوسادة التى رحلت عنها أنفاسه ولمسات خديه لأيام طويلة . تلك الوسادة التى غادرها الشوق منذ حين . عسى ان تعيد الرسالة الدفء الى غرفتها بعد طول حنين . الى ان يحضر مالك القلب و سيد العمر حاملا لها ….. كل الود ..