شعر وحكاياتعام
عبور………..لقاء هناك
قصة قصيرة
عزيز موسى
بالرغم من اننى انا اكبرهم وقائدهم الا انه كان دائما ما يستحوذ على اهتمام باقى المجموعه..صحيح انهم يرجعون الىّ فى معظم الامور ويعملون برأيى ويحملون لى قدرا كبيرا من الاحترام..الا انه دائما بضحكاته ومرحه الذى لاينقطع كان يجعلهم يلتفون حوله ..يسيرون اينما سار ويجلسون اينما جلس..حتى انا كنت اسعد دائما كونه واحدا من هذه المجموعه التى اقودها..
مازالت اذكر يوم انضمامه اليهم بعد ان اجتمعنا امام دارى فى الصباح الباكر وهممت ان انصرف بهم نحو وجهتنا اليوميه, واذا بأمه تاتى به الىّ وهولايزال صغيرا,يدها اليمنى ممسكه به واليد الاخرى فيها صرة طعامه وكأنها كانت متأكده من اننى سأقبله ضمن هذه المجموعه..وبعد مناقشه لم تدم طويلا قبلته…فهو كما تقول امه وحيدها..ويتيم..غرق ابوه فى احد الايام فى- البحر الكبير-..هكذا كنا نسمى النهر الذى يمر من امام قريتنا..ولان قريتنا لم يكن بها مقابر..فقد حملوه الى الضفه الاخرة من النهر ودفنوه هناك.حيث الحياة هناك تختلف والمدينه هناك تختلف.كانت امه تريده رجلا لانها كبرت ولانها لا تضمن الحياة من الموت كما كانت تقول..اخذته معنا وذهبنا الى احد الحقول التى نعمل بها..وجهتنا اليوميه..بقروش قليله نعود..بعد ان تنحنى منا الظهور..وتدمى الاقدام..وتتشقق الاصابع..وتكتحل الجباه بالسمرة من لفح الشمس طيله النهار..كنت انا من يتفق مع اصحاب الحقول التى تحتاج للانفار..لرعايتها وتمهيدها للزراعه او لجمع المحصول..كنت اجمعهم معى كل صباح, نمر على دور القريه واهلها فى طريقهم للخروج كذلك كل الى عمله..تحملنا احدى السيارات تقطع بنا الطريق الترابى المؤدى الى القريه المجاورة حيث نعمل..يوميا…تمر الايام وهو يستحوذ على اهتمام الجميع حتى اصحاب الحقول التى نعمل بها يحبون دائما محادثته ومناوشته واجباره على الرد عليهم ببعض فكاهاته وسخريته التى لا يسلم منها الجميع..مهما يكن..فقد كانت محببة الينا..تنسينا مشقه العمل..وكبرهو وكبرت انا..وازداد اقترابه منى حتى اصبح لايفارقنى اذا ما عدنا الى قريتنا بعد عناء اليوم نلتقى على حافه النهر نتسامر ونتحاور يلقى بسخريته والقى باشعارى..احيانا كان فيلسوفاً اذا ماتحدث..واحيان اخرى راهب اذا صمت..ارى فى عينيه نظرة قائد..وفى ابتسامته شيخ طيب..ولم أنكر عليه يوما استحقاقه لكل هذا الحب منى ومن اهل القريه..حتى ان امه كانت دائماتخطفه من يدى فور عودتنا ..لتؤدى طقوسها اليوميه,فتقوم باطلاق البخور فى الدار بعد ان تكون قد رقته به سبع مرات وكانت كثيرا ماتحرق دميه من الورق صنعتها وقامت بوخزها بابره كل وخزة باسم امراة او رجل من اهل القريه..
وكانت تقول- رجلى..وابى وابنى واخى……..
تمر الايام والاحظ عزلته عنى وعن باقى افراد المجموعه..زاد شروده..وكانه يفكر فى امر الدنيا بأسرها..حاولت لفت انتباهه الى ذلك لكنه كان يجيبنى -انه لاشئ فى الامر..خرجنا كالمعتاد للعمل والقينا بانفسنا فى العربه وما ان وصلنا الى الحقل الذى سنقوم بالعمل فيه حتى وجدت ان صاحب الحقل مريض واحد ابنائه هو الذى استقبلنا وسيشرف هو على العمل..انتصف النهار..وزادت مضايقات ابن الرجل لنا ولاحدى الصغيرات فى المجموعه..وبين شد وجذب وجدتنى آمرهم بترك العمل والانصراف…اطاعوا جميعهم..قال صاحب الحقل -..لا اجرة…قالوا- لايهم.
تركنا المكان ووجدتنى فى حيرة كيف سنرجع..السيارة لن تأتى الا اخر النهار ومازال الوقت طويلا على عودتها..قررنا ان نرجع سيرا على اقدامنا ….وكانت فرصه لهم ولى للاستمتاع بعض الوقت وطوال الطريق..بما كنا لا نستطيع ان نمارسه نظرا لانشغالنا بالعمل ..مابين عدو وراء الفراشات والقاء الحصى فى الماء..وحتى التقاط بعض حبات التوت المتساقطه على الارض..نجرى تارة ونجلس تارة..نضحك ..ونقطع الوقت فى حكايات وطرف مسليه..وهو لايشاركنا ايا من ذلك..واقتربنا من القريه..وجدنا انفسنا نسير على ضفاف النهر الكبير..ولاول مرة اراه بهذه العظمه وهذا الجمال..كان النهر على غير ما اعتدت ان اراه ظللت سائرا وهو خلفى..ثم توقف متجها الى النهر..توقفت وعدت اليه..قال- اريد ان اذهب الى هناك..واشار الى الناحيه الاخرى من النهر..ولانه لم يكن هناك سبيل للعبور سوى المعديه التى تتوسط قريتنا قلت له- عندما نعود للقريه سنذهب سويا الى هناك..
قال -.لكنى اريد الذهاب الى هناك الان فى هذا الوقت..قلت- لاسبيل الى ذلك..قال- بل هناك سبيل واشار الى النهر وابتسم ضحكت انا فنظر الى فى دهشه..قلت- كيف ستعبر الى هناك قال -سباحه..علت ضحكتى لانى اعلم انه لايعرف السباحه ولو حتى فى الترعه الصغيره فكيف له ان يسبح فى النهر..قال- ساسبح واعبر الى هانك لارى ابى..امسكت يده وقلت- كفى جنونا وهيا بنا سار معى ومازال يحدق فى النهر…بعد قليل انفلتت اصابعه من يدى لم اتدارك نفسى كان قد القى بنفسه فى النهر…بدا لى كطفل يلقى نفسه فى حضن امه او كعصفور يهبط فى حنو الى عشه..وغاص فى باطن النهر ولم يظهر مرة اخرى ..لم ادر ماذا افعل وماذا اقول..اقترب منى احد الصغار جذبنى من يدى سالنى -الى اين ذهب..قلت وانا اراقب الماء الذى بدأت حركته تهدأ وحلقاته تضيق تدريجيا بعد سقوطه..-لقد عبر!!
مدير قسم الأدب والشعر
علا السنجري