حاورته / لطيفة محمد حسيب القاضي
يشهد له الجميع بالإبداع الثقافي، خصوصاً ما يتصل منه باهتمامه الوفي باستيحاء القضية الفلسطينية في كتاباته القصصية والروائية ما يضفي على أعماله نكهة إبداعية خاصة يتميز بها في كتاباته، وفي انتصاره لعوالم المهمشين والمقهورين، اجتماعياً ونفسياً وفكرياً. هذه الخصوصية التي يتميز بها أدب الدكتور محمد البوجي ..أهلا بكم دكتور محمد البوجي.
-بطاقة تعريفية بكم؟
بطاقتي الشخصية .د. محمد بكر البوجي فلسطيني من غزة . عملت أستاذا للأدب والنقد في جامعة الازهر بغزة. الان متقاعد منذ ثلاث سنوات.. سيرتي الذاتية موجودة على جوجل من أراد المزيد .
– بداية ما وظيفة الثقافة اليوم في تصوركم..؟
مفهوم الثقافة ببساطة شديدة هي معلومات من أطراف معظم العلوم تؤثر على سلوكيات الانسان نحو الأفضل .. الثقافة تعني التأثير اتجاه المجتمع وتوسيع الآفاق وتهذيب السلوكيات العامة وتنظيمها والرقي بها بعيدا عن العنف والجدل العقيم . اذا لم تؤثر الثقافة على المجتمع نحو الأفضل ينبغي إعادة النظر في أنساقها .
-المعوقات التي واجهتك أثناء مسيرتك الكتابية والأكاديمية .
المعيقات في المجتمع العربي كثيرة أمام الباحثين والمبدعين يصعب حصرها لكن أكثرها ازعاجا .ان المجتمع لا يؤمن بالقراءة بل يؤمن بثقافة السماع لأن الحاكم يريد ثقافة استقبال من الأذن فقط يصنع هذا اعجابا بالمتحدث من هنا جاءت قدسية الحاكم والشيخ . اما ثقافة القراءة فإنها تصنع فكرا مناقشا متمردا تتعدد فيه الأفكار والرؤى . الإنسان العربي لا يقرأ ولا يشتري كتابا . الكاتب أحيانا يدفع من جيبه الخاص لطباعة خمسين نسخة من كتابه .. ترسل له الأجهزة الأمنية وتسأله .لماذا تكتب ؟ بينما في العالم الحر تطبع دار النشر مليون نسخة او نصف مليون من الكتاب ويأخذ الكاتب نصيبه من الأرباح.. القارىء هناك متجدد يحب الاطلاع على احدث الأفكار في كل الاتجاهات. عندنا يحبون كتب غريبة عجيبة عن السحر والشعوذة . التي تنبع من ثقافة قال فلان .. وهذا أخطر شيء في الفكر العربي.. المعيق الثاني أن الحكومات العربية لا تشجع ولا تدعم الكتاب .بل تفرض ضرائب على أدوات الطباعة مما يؤدي الى ارتفاع سعر الكتاب . والإنسان العربي دخله محدود بالكاد يجد لقمة العيش النظيفة ..هنا في فلسطين معيقات اخرى وهي رقابة الاحتلال على إدخال الكتب واقتنائها ..خلال فترة حكم الاحتلال بعد عام 1967 . كان الاحتلال يمنع استيراد الكتب ومن يجد عنده كتابا أدبيا وفكريا ..يسجن ويحاكم ..كانت أدوات الطباعة ممنوعة في غزة والضفة الفلسطينية. كنت في مرحلة الدكتوراه . اخبىء بطاقات البحث في فريزر الثلاجة واضع فوقها الخضار واللحوم .. كنت اعيد تغليف بعض الكتب وأنا قادم من مصر الى غزة حتى تمر مثل روايات غسان كنفاني وجبرا وايميل حبيبي وغيرهم . وإذا اكتشف المراقب كتابا ..فورا يستدعيك لمصادرتها . كان المناخ الثقافي في الأرض المحتلة باهتا فقيرا .. يصعب ان تجد من يناقش او يطرح فكرة جديدة .. خوفا من السجن .
-هل يمكن للناقد أن يكون مبدعا؟
نعم يمكن للناقد أن يكون مبدعا .. هنا امام شقين ، ان كاتب القصة والرواية يقدم على تحليل عمل أدبي لزميله المبدع . يحدث هذا كثيرا في غياب النقد والنقاد . أو أن يكون النص النقدي هو عمل إبداعي .نعم هو عمل إبداعي يوازي النص .لأن الناقد بطبعه وثقافته هو ذواقة للنص يعيد ترتيب أفكاره وانساقه الثقافية .. هي عملية إبداعية لا تقل عن نص الرواية أو القصيدة .
اقرأ أيضا “نبيل الشهاد” المسرح بوق الحرية والحرية أجنحة المسرح
– متى ينقد العمل الأدبي؟
العمل الأدبي له شروط حتى يحمل هذا المسمى .. اي ان يصل الى مستوى النقد . هذه مسؤولية الناقد ..إذا تعامل الناقد مع النص اذن هو يصل الى مرحلة النضج الفني والفكري .على هذا يتحمل الناقد المسؤولية وشرف التعامل دون مجاملات او علاقات خاصة . هذه مدرستي شخصيا في النقد . غير ذلك يصعب النظر الى عمل لا زال في مرحلة بدايات الكاتب .هذا اغضب الكثيرين مني . عندما اعتقدوا أنهم كتاب مبدعين . وارسلوا لي كي أشارك في المناقشة ..لكنني اعتذرت بسبب ضعف المستوى الفني والفكري للنص .احب النص المتمرد . الذي يثير قضايا نقدية جديدة .. لأنه يتسم بالعمق والنضح والثراء
-المشهد الثقافي والنقد الفلسطيني خاصة والعربي ،ما تقيمك لهما ؟
المشهد الثقافي في فلسطين يحتاج إلى إعادة رؤية واعادة ترتيب ..الأعمال الصادرة كثيرة جدا .. تحاول أن تجد الجديد ربما تصاب بشيء من الاحباط. بعد رحيل عمالقة الادب مثل ايميل حبيبي و درويش والقاسم وطوقان وحسيب القاضي وبسيسو .. هؤلاء الذين كرسوا أدب المقاومة والتجديد في شكل النص المتمرد ومحتواه الثوري .. الان يصعب ان تجد بديلا يحمل الامانة ويسير بها نحو ضفاف التطور والتمرد .. مع الاحترام لكتاب كبار هنا في فلسطين لكنهم لم يبدعوا فعلا جديدا يثير الانتباه . ربما نستثني الروائي عاطف أبو سيف وإبراهيم نصر الله . والشاعر مروان مخول من البقيعة شمالي فلسطين.
-لقد صدر لحضرتك الكتب العديدة ،هل ممكن إضاءة عن كتبك؟
الكتب التي صدرت لي أهمها كتب التراث الشعبي الفلسطيني وهي ثلاثة كتب .. تم تجميعها في مجلد واحد تحت عنوان . نفحات جذور شعبية فلسطينية ..موسوعة التراث الشعبي الفلسطيني.. وبها حصدت جائزة الدولة عام 2019 . احاول تثبيت وتجميع ودراسة معظم روافد التراث الشعبي من امثال شعبية وقصص هذه الأمثال .ثم الخرافة الشعبية مع مقدمة تربط بين الصمود بالأرض والحكاية الشعبية ..ثم أغاني فلسطينية في الافراح والزراعة والحصاد وصيد السمك والطيور والحج والزواج …الخ حاولت عبر دراسة انثروبولوجية أن أربط بين هذه الأغاني والحضارات الاخرى التي مرت بها بلادنا فلسطين .. وكذلك العادات والتقاليد المعمول بها منذ آلاف السنين من الطب الشعبي وسلوكيات الإنسان والدين والاخلاق ..الخ ايضا حاولت ربطها بالمعتقدات السابقة لتجذير هذه السلوكيات وانها فلسطينية بلا منازع .. ردا على بعض الباحثين المستشرقين المدعومين من الصندوق الصهيوني القائلين إنها تنبع مما جاء في التوراة . حاولت تفنيد هذه المزاعم .. ورجعت بها الى أصول عقدية قبل الاديان .كنعانية واشوريا فرعونية وبابلية …الخ .
-لقد جمعت التجربة الأدبية الفلسطينية في كتاب من ستة أجزاء ،لماذا؟
أهمية موسوعة التجربة الأدبية في فلسطين.. عندما بدأت الأحداث المخطط لها أمريكيا صهيونيا أوروبية . جال بخاطري ان انقل التجربة الفلسطينية الإبداعية الى الشعب العربي في انحاء الأقطار . وقد تخيلت ان الجيش الأمريكي الأوربي الصهيوني سوف يحتل دولة عربية .. قلت ..سأنقل لهم تجرتبنا الإبداعية داخل السجون وتحت جنازير الدبابات ..لان التجربة الفلسطينية نادرة الحدوث عبر التاريخ ..أن يطرد شعب من وطنه و يؤتى بأناس من كل بقاع الأرض لتأسيس موقع عسكري أمريكي صهيوني ثم يطلقون عليه مصطلح دولة . وقد حدث ما تخيلت . التجربة عبارة عن سبعة كتب .يقع الكتاب في خمسمائة صفحة .فيها تجارب أهم مائة أديب وناقد ومفكر فلسطيني.. لقد تعبت جدا وانا اجري خلفهم للإجابة على أسئلة ومن رحل لاحقت أبنائه ومعارفه .. لقد نجحت خلال عشر سنوات من إنجاز هذا السفر الأدبي النقدي والفكري الذي يشتمل على كل تفاصيل حركة الشعب الفلسطيني ما بعد النكبة الى الان . من تطورات مجتمعية وفكرية ونقدية وأدبية . كتاب للأجيال القادمة سيكون سفرا مهما جدا.
د.سمير جبر”فيلم المؤامرة لم يعرض في سورية لأسباب غير مقنعة ،و مهمة مدير التصوير تجسيد رؤية المخرج من خلال التصوير والإضاءة الإبداعية
-هل الأدب ينقل أزمة الإنسان الفلسطيني إلى العالم الخارجي؟
نعم الأدب من أهم وسائل نقل مأساة الشعوب وقلقهم واحتياجاتهم الإنسانية.. كل الأعمال الأدبية العريقة تمثل احتياج الانسان اليومية وتعبر عن رؤيته للحياة والكون .وعن قلقه تجاه مجريات الزمن .. كلها بلا استثناء تعبر عن ذلك من الأوديسا الى عقدة أوديب الى بجماليون الى البؤساء . حتى آخر عمل أدبي ناضج هو تعبير وترسيخ أفكار بشرية وقلق وجودي ووجداني . استطاع الكتاب في فلسطين تحمل المسؤولية والتعبير من خلال كل الفنون .الكلمة والمسرح والتشكيلي والسينما والرقص والأغنيه..استطاع أن يجسد مأساة شعبية ويصرخ في وجه العالم الذي تآمر عليه لإنشاء موقع عسكري بعد طرده من بلاده فلسطين بفكر انجليزي وسلاح أمريكي واموال اوربا . إبراهيم طوقان عبر عن مرحلته شعرا بجدارة . معين بسيسو كان الأكثر حزما نحو استخدام كل أنواع السلاح والقوة للعودة . ودرويش وكنفاني واسماعيل شموط .. كثيرون هم الذين عبروا بجدارة ومقدرة عن المأساة الفلسطينية. وقلق الإنسان الفلسطيني المشرد في كل بقاع الارض يستجدي العودة الى بلاده . ويقاوم بقدر ما يتاح له في وجه امريكا واروبا والصهاينة.
-كنا نلاحظ توجه معظم الشعراء العرب الحداثيين إلى الشعر الصوفي، لاسيما بعد محاولة ادونيس إحياء التراث الصوفي بشكل ما و استخدام مفرداته في القصيدة، .. ولكن اللافت أكثر هو توجه بعض الروائيين لإحياء التراث الصوفي واستخدامه في السرد. ما رأيك بهذه الظاهرة وكيف نفهمها؟
الأدب الصوفي معروف في حياتنا الثقافية منذ العصر العباسي ..حيث تأثر بعض الشعراء خاصة من أصول فارسية بافكار هندية قديمة مثل اليوجا المعروفة في الهند ..كان الحلاج يمارس ألعاب من اليوجا حتى يصل الى الصفاء الروحي . تأثر كثير من شعرائنا بهذه الحالة التي تعد من أكثر حالات التمرد على اللغة ومفاهيم المفردات .انتشرت وصارت مذهبا واسعا لا زال حتى يومنا هذا ..يحاول الشعراء المعزولين عن المجتمع ان يتخذوا الصوفية بالذات التمرد اللغوي منهجا لهم . أما دخول الصوفية عناصر الرواية ..ليس هذا مدهشا . ايميل حبيبي الروائي الفلسطيني. كانت لديه ملامح صوفية ونجيب محفوظ .. لانها تمنحهم طاقة تعبيرية عالية .فهي وجدانية لاهوتية يتميز بها البعض فقط .. جيد ان تكون الصوفية جزءا من المشهد الأدبي العربي . الذي لن يتوقف يوما عن عطاء التمرد والروحانية .
-حصلت على جائزة الدولة التقديرية وتم استلامها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،ما شعوركم وقت التكريم؟
شعوري أثناء استلام جائزة الدولة من السيد الرئيس .هو الفخر ورد الاعتبار ..كنت في غزة فقط استلم استياء البعض عندما أنشر كتابا ..فأرد على تلونهم بكتاب جديد في مطلع العام . الجائزة كانت بلسما ردت الي روحي واعتباري .. منحتني طاقة متجددة ودفعات روحانية متلاحقة . لان أستمر في الكتابة بروح جديدة .. هذه الروح لازمتني أثناء بقائي في مصر ستة اشهر . فعلا كانت تتجلى روحي وافكاري بتشجيع احبائي في مصر . ان تحجز لك وزارة الثقافة تذاكر طيران من أوسلو إلى اسطنبول الى عمان وترسل لك سيارة خاصة مع موظف خاص في مطار عمان ..هذا إحساس عظيم أنك أنجزت شيئا جديدا .. كذلك أصدقائي في الضفة الغربية أغلبهم جاءوا مهنئين مجموعات من معظم جامعات الوطن .. جائزة الدولي هي الأعلى قيمة وقدرا .. بعدها لن تكون جوائز ذات أهمية عدا الأكبر منها إقليميا ودوليا .. تساهيل من الله ..
-النقد حالة من تعبير عن الرأي تجاه عمل ما ،هل النقد السلبي يؤثر سلبا على الكاتب المبدع، كيف يكون النقد فعالا؟
النقد مطلوب أن يكون فعالا للمبدع والمتلقي .. المبدع الجيد يرتبط بالناقد الجيد دون مجاملة او تجريح او ابتذال .. الادب الراقي يحتاج نقدا راقيا ..مما يسيء للإبداع هو المجاملة الفائضة على حساب جمالية النص وعمقه الثقافي وضفافه الواسعة التي تدفع الناقد للغوص فيه مستخدما أدوات نقدية تحليلية تناسب العمل الابداعي ..هنا ممكن مرجع كتابي .. الطاقة والتحليل الإبداعي نظرية جديدة في النقد الرقمي.. اما النقد التوجيهي للشباب فهو مطلوب أيضا على ان يتحملوا كلامك ويضعونه في حسبانهم .. لان الشباب في الوطن العربي لا يعترفون بكبار النقاد الذين يستخدمون أدوات ناقدة تستبطن خفايا النص ..هم بسطاء يريدون مجاملة على حساب جودة النص وجمالياته.
-هل شعراء المنافي الفلسطينيين يختلف شعرهم عن الشعراء داخل الوطن فلسطين؟
طبعا هناك خلاف بين أدب الداخل الفلسطيني بفروعه الثلاثة وبين أدب المنافي خارج الوطن .. الأول أدباء الداخل 48 هؤلاء هم الصامدون هناك في الوطن ضد عنصرية العدو الهمجية .. لهم موضوعاتهم لطرح قضايا خاصة بهم مثل قضية المساواة ، الحفاظ على الارض .الهوية. الشعور بالاغتراب. السخرية من العدو وأدواته الاستخبارية .. العودة الى القرى المهجرة داخل فلسطين. كثيرة هي القضايا التي يطرحونها والخاصة بهم لأنهم يعيشون تحت إدارة حكم جديد جاء لنهب الأرض والزرع والضرع . اما ادباء الضفة الذين عاشوا تحت حكم الإدارة الأردنية عشرين عاما فإن اداءهم كان محسوبا بدقة . في غزة كان الامر مختلف تماما ..كان المدرسة الناصرية القومية هي أساس المشهد الثقافي وعلى دربها سار الشعراء وكتاب القصة . كان ناصرا رمزا للعودة إلى الوطن السليب . هنا نشأت منظمة التحرير الفلسطينية وهنا نشأ جيش التحرير الفلسطيني..هنا في غزة نشأت الثورة الفلسطينية بكل ظلالها واطيافها ..أما الخارج المنفي ..ارى ان الاديب كان يتبع سياسة الحكومة التي يعيش تحت ظلالها مثلا في دول الخليج كانت الرؤية الإسلامية للصراع وكان لغة النفط هي السائدة بخلاف سورية والعراق حيث الفكر القومي العربي الذي سيطر على كل مناحي المشهد الثقافي العربي.. في اوربا نظرتهم للصراع كان متأثرا بالفكر الإنساني بحيث طرحوا القضية من وجهة نظر إنسانية بحته ..هذا ما فعله ربعي المدهون في رواياته . كان الشعراء الفلسطينيين في مصر والعراق وسوريا يتأثرون بالتجديد الشعري في شعر التفعيلة والشعر الحر ..كان هذا من المحرمات عند أدباء الخليج .
–