فرحٌ وبهجةٌ تملأ المكان ، أهلٌ وأحباب جاؤوا للتهنئة بالمولود الجديد ، وفي الوجه الآخر للصورة أمٌ حزينة شاردة لا تدري ما بها تتسائل ” ترى ماذا حلّ بي ؟ ألست أنا من كنت أنتظر طفلي بفارغ الصبر لأحتضنه بين ذراعي؟ ما هذه المشاعر التي تنتابني ؟ ولماذا لديّ رغبة كبيرة بالبكاء ؟ “
إنه اكتئاب ما بعد الولادة ، وتكون عادةً الأمهات الجديدات أكثر عرضه له
هذا النوع من الاكتئاب ليس جديد ، فقد تحدثت عنه كتب الطب النفسي منذ القدم ، فقال أبقراط أن السوائل الموجودة في رحم الأم أثناء الحمل تنتقل إلى رأسها بعد الولادة فتسبب لها نوبات من الهلع ، وقال أخرون أن الرطوبة الموجودة في جسم الأم تنزل على شكل بكاء بعد الولادة ، وفي القرن التاسع عشر عُلجت النساء اللواتي عانين من هذا النوع من الاكتئاب بالأفيون ، وظلت معناة النساء مع هذا المرض إلى أن جاء الطب النفسي الحديث وعرّف المرض وقدّم له حلول وعلاجات
هناك نوعان لهذا الاكتئاب
الأول يسمى (baby blues ) الذي يعتبر حالة غير مرضية ، تكون مؤقتة ، وتستمر بين العشرة أيام الى أسبوعين ، هذا النوع من الاكتئاب مرتبط بتغير حياة الأم ، والمسؤوليات الجديدة ، وتعاني منه حوالي 60% من الأمهات ولا يحتجن إلى أي تدخل طبي .
أما النوع الثاني يسمى(postpartum depresstion) وهو حالة مرضية تتعرض له حوالي 12% من النساء ، وتأثيره أكبر من ( baby blues ) وإذا لم يتم علاجه قد تستمر الحالة إلى السنة في بعض الأحيان
لا توجد أسباب واضحة لاكتئاب ما بعد الولادة ، فهناك عدة عوامل قد تتداخل مع بعض ومن أهمها التغيرات الهرمونية التي تحصل أثناء الحمل وبعد الولادة حيث ينخفض هرمون الاستروجين والبروجسترون مما يؤدي الى حالة مزاجية سيئة ورغبة بالبكاء ، وهناك أيضاً التفكير الكثير وتحميل النفس أعباء كثيرة ، بالإضافة الى قلة الدعم والضغوط التي تتعرض لها الام من الوسط المحيط ، كما أن اضطرابات الساعة البيولوجية وقلة النوم لها تأثير كبير ، والتاريخ العائلي في الاضطرابات النفسية ، كل هذه العوامل قد تسبب الاكتئاب ، ولكن من الجدير بالذكر والمهم جداً ، انه ليس من ضمن الأسباب كون الام ضعيفة الشخصية أو أنها غير ناجحة او مهملة ، فهذا النوع من الاضطرابات نجده في مختلف المجتمعات والثقافات والأديان .
أعراض الاكتئاب ما بعد الولادة
١- الشعور باللامبلاة و عدم الفرح والاستمتاع
٢-الشعور بالذنب بشكل مستمر
٣-اضطرابات في الشهية والنوم
٤- الشعور المستمر بالتعب والخمول
٥-صعوبة في التركيز
٦-البكاء المستمر والشعور بالتقصير
٧- إذا كان الاكتئاب عميقاً قد يؤدي إلى أفكار انتحارية
أما عن علاجه فتأتي توعية الأم بهذا المرض ،والدعم النفسي من قبل الزوج والأهل في المرتبة الأولى لتخطي هذه الحالة ، وهناك أيضاً علاج بالعقاقير الذي يختلف من حالة إلى أخرى ، ويجب أن يكون تحت إشراف طبيب مختص
لقد جعل الله تعالى حب المولود غريزة في قلب الأم على الرغم من كل التعب الذي تعانيه أثناء الحمل و الولادة ، فإذا شعرتِ بهذا النوع من الاكتئاب هذا لا يعني أنك أم سيئة ، أنتِ فقط تحتاجين إلى بعض الوقت للتأقلم مع هذا المولود الجديد والحياة الجديدة ، لا تترددي بالبوح والتعبير عن مشاعرك لأشخاص مقربين منكِ فذلك يشعرك بالارتياح ، وحصني نفسك وطفلك بالأذكار ، وبالتأكيد ستتخطين هذه الفترة وسيملأ طفلك قلبك وأيامك .