أدم وحواءعاممقالات

العنف الأسري أسبابه وأضراره على الأسرة



بقلم الأستاذة بن كتيلة فتيحة مختصة نفسية ، الجزائر

الأسرة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع وهي الوسط الذي ينشأ فيه الفرد ويتعلم فيه أنماط الحياة ويتعلم فيها الصح والخطأ وبالاستقرار الأسري يستقر المجتمع والوطن، وإذا صحت الأسرة صح المجتمع والوطن ، والعكس صحيح.
لذلك أولى الشرع عناية كبيرة بالأسرة لأن في حقيقتها منبع للمعاني الإنسانية والمثل العليا السامية ،ولهذا نجد القرآن عندما يوجه البشر إلى التعاطف والتراحم يذكرهم أنهم كانوا أسرة صغيرة نمت واتسعت مما يتوجب عليهم الاحتفاظ بالتراحم والتواصل والحب قال الله تعالى” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء , واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا “
ولكن كيف إذا تحولت هذه المؤسسة البناءة إلى معول هدم، إلى ساحة معركة بين الزوجين
بسبب العنف بمختلف أنواعه الذي انتشر مؤخرا في مجتمعاتنا مما يؤثر سلبا على حياة الأطفال ونموهم النفسي والاجتماعي وينتج عنه شخصيات غير سوية وغير متزنة.
و العنف ظاهرة سلوكية قديمة عرفتها المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور، فقد ارتبطت بتاريخ المجتمعات منذ زمن هابيل وقابيل, والعنف بوصفة ظاهرة سلوكية سواء في بعدها الفردي أو الاجتماعي فهو يندرج تحت أنماط السلوك العدواني وغير السوي .
و هو كل تصرف يؤدي الى إلحاق الأذى بالآخرين سواء كان الأذى جسدياً أو مادياً أو معنوياً , وخاصة نحن نعيش وقتنا الحاضر في زمن العولمة الذي يتسم بالعديد من الخصائص والظواهر والصراعات التي تعد من أكثر المشكلات التي تستدعي إلى الدراسة والتحليل،والتوعيه والتوجيه لنعيد للمجتمع استقراره وتماسكه.
والعنف هو الاستخدام غير المشروع للقوة المادية وبأساليب متعددة لإلحاق الأذى بالأشخاص والإضرار بالممتلكات,ويتضمن معاني العقاب والاغتصاب والتدخل في حريات الآخرين كما عده بعضهم بأنه فعل ينطوي على إنكار للكرامة الإنسانية واحترام الذات, ويتراوح ما بين الإهانة بالكلام وبين القتل والإيذاء بدنياً أو نفسياً
ويقصد به أيضاً هو الممارسة المفرطة للقوة بشكل يفوق ما هو معتاد عليه ومقبول اجتماعيا وهو يتضمن لغة التداول في الأوساط والجماعات سواء كانت إجرامية أو مسلحة, وقد يكون العنف على شكل كلام أو أفعال.
ويعرف العنف من الناحية القانونية بأنه الاستعمال غير القانوني لوسائل الإكراه المادية من اجل تحقيق إغراض شخصية أو جماعية.

وللعنف أسباب عديدة ممكن أن نوجزها كما يلي:

(1) عوامل ذاتية:

العوامل الذاتية: هي العوامل التي يكون مصدرها في الفرد ذاته، ومن أهم العوامل الذاتية المؤدية إلى العنف ما يلي:
(1) الشعور المتزايد بالإحباط.
(2) ضعف الثقة بالنفس.
(3) طبيعة مرحلة البلوغ والمراهقة.
(4) الاضطرابات الانفعالية والنفسية، وضعف الاستجابة للمعايير الاجتماعية.
(5) الرغبة في الاستقلال عن الكبار، والتحرر من السلطة الضاغطة على الطلاب، والتي تحول دون تحقيق رغباتهم.
(6) عدم القدرة على مواجهة المشكلات التي يعاني منها الفرد.
(7) الرغبة في الحصول على أشياء يصعب قبولها.
(8) العجز عن إقامة علاقات اجتماعية سليمة.
(9) الشعور بالفشل والحرمان من العطف.
(10) عدم القدرة على تحكم الفرد في دوافعه العدوانية.
(11) الأنانية، وتعني حب الفرد لنفسه فقط، والتقليل من شأن الآخرين.
(12) الإدمان على المخدِّرات؛ لأن المدمنَ يعاني من اضطرابات نفسية تدفعه إلى العنف.
(13) ضعف الوازع الديني؛ لأن الدِّين هو الذي يهذِّب سلوك الفرد، ويُبعده عن سلوك العنف والانحراف؛





(العوامل الاجتماعية المؤدية للعنف

(2) التنشئة داخل الأسرة:
تعتبر الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تكوين شخصية الطفل من جميع النواحي ، وإذا كان لبعض المؤسسات الاجتماعية الأخرى دور في عملية التنشئة الاجتماعية، فإنه دور ثانوي؛ لأنه يأتي في مرحلة زمنية لاحقة على السنوات التكوينية الأولى التي يعيشها الطفل في أحضان أسرته.
فالسنوات الخمس الأولى هي حجر الزاوية في بناء الشخصية وترسيخ قواعدها،

قد تفيدك أيضا أسباب العنف الأسري وأنواعه وأضراره على الفرد والمجتمع


ويمكن أن نوجز أسباب سلوك العنف التي ترجع إلى الأسرة فيما يلي:

(1) التفكك الأسري.
(2) التدليل الزائد من الوالدين.
(3) عدم متابعة الأسرة لسلوك الأبناء.
(4) الضغوط الاقتصادية للأسرة
(3) المدرسة:
المدرسة: هي المؤسسة الاجتماعية الثانية التي تستقبل الطفل، ولها دور في عملية التنشئة الاجتماعية له، ففيها يقضي التلميذ يومه مع صغارٍ، هم زملاؤه، ومع كبارٍ، وهم المدرسون والإداريون

ويمكن أن نوجز أسباب سلوك العنف التي ترجع إلى المدرسة فيما يلي:

(1) غياب القدوة الحسنة للتلاميذ.
(2) عدم الاهتمام بمشكلات التلاميذ.
(3) غياب التوجيه والإرشاد.
(4) ضعف الثقة في المدرسين.
(5) ممارسة اللوم المستمر من قِبَل المدرسين.
(1) ضعف اللوائح المدرسية.
(2) عدم كفاية الأنشطة الاجتماعية.
(3) زيادة كثافة الطلاب في الفصول الدراسية؛ 

(4) مكان المسكن:

للحي الذي يسكن فيه الإنسان دور مهم في التنشئة الاجتماعية؛ فالحي الذي تتوافر فيه قيم أخلاقية، وخدمات لتغذية هذه القيم، وإشباع حاجات ورغبات الفرد يعتبر حيًّا سويًّا، ويهيئ للفرد جوًّا يكسبه الشعور باحترام النظام والقانون، والبعد عن السلوكيات المنحرفة، ومن بينها السلوك العدواني، وقد تتوفر في الحي أسباب عدم التنظيم الاجتماعي، وتشجيع السلوك العدواني عن طريق احترام المجرمين، مما يجعل هذا الحي بيئة فاسدة تؤدي إلى زرع العنف في الطفل منذ نشأته الأولى.

وقد تكون عملية التنشئة الأسرية خاطئة ينقصها تعلم المعاير والأدوار الاجتماعية السليمة, والمسئولية الاجتماعية, أو تقوم على اتجاهات والديه سلبيه مثل التسلط والرعاية الزائدة والتدليل أو الإهمال والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث .
ويمكن القول إن العنف يرتبط بدرجة كبيرة بنظام المعايير السائدة في كل مجتمع, أي إن العنف من الظواهر الاجتماعية المعقدة بدرجة كبيرة بسبب تعدد إبعاده وتداخل أسبابه واختلاف أنواعه

إما الظروف المهيأة للعنف فهي :-

1- العمر الذي يشاهد فيه الطفل العنف, كلما تقدم العمر كلما كان الطفل أكثر قدرة على عدم التأثر وحماية نفسه . 
2- عامل الجنس أو النوع, حيث إن الذكور أكثر قابلية للسلوك الإجرامي من الإناث .
3- الحالة المزاجية, حدة المزاج قد ترتبط بالعنف .
4- الذكاء قد يجنب صاحبة ارتكاب الأخطاء التي تجنب الضرر.


             إقرأ المزيد مصادر الطاقة الأيجابية

آثار العنف:

يساهم العنف الأسري في إعاقة حركة الأسرة ، ويجعل من الصعب عليها القيام بوظائفها . وتختلف الآثار التي تظهر على الضحية التي تتعرض للعنف الأسري باختلاف الشخص الذي يقع عليه العنف. فالطفل الذي لم تتكون شخصيته بعد ، يختلف عن المرأة التي تتعرض للعنف الزوجي بعد زواجها. و كذلك عن العنف الممارس ضد كبير السن الذي يحتاج في آخر شيخوخته لمن يحترم سنه ويشبع حاجته للحب والرعاية والحنان. 
وبالاجمال فإن الدراسات تؤكد على آثار صحية عديدة تظهر نتيجة العنف الممارس في الأسرة. فقد أبرز التقرير الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2005 | جنيف/لندن أنّ ظاهرة العنف المنزلي تتسبّب في آثار صحية وخيمة. وكذلك جاء في دراسة ـأخرى: “أن المشقة المزمنة الناجمة عن التعرض للعنف والخوف المتواصل من حدوثه يدفع بالضحايا إلى التردد على عيادات الأطباء طلبا للعلاج من بعض الأعراض النفسجسمية ، كالصداع والسعال والشعور بالوخز والتنميل والأرق ونقص الوزن ، ومن أهم الآثار النفسية التي تبدو على المرأة الشعور بالخوف بعد تعرضها للعنف أو أثناء الاعتداء عليها. وقد يعتريها الشعور بالذنب حتى دون أن تكون قد ارتكبت خطأ. فقد تشعر بأنها مسؤولة عن هذا العنف ، وقد تشعر بالفشل والإحباط كامرأة وكزوجة، وتفقد المرأة المعنفة داخل أسرتها انخفاض قدرتها على رعاية أطفالها والاهتمام بهم . بل يزيد احتمال ضربها لأطفالها. وقد تجنح إلى كراهيتهم لأنهم يجبرونها على الاستمرار فى تلك العلاقة الزوجية التى لا تحتملها
أما أثار العنف على الأطفال. فقد وردت في كتاب الدكتور “رجاء مكي” والدكتور “سامي عجم”، تحت عنوان ” إشكالية العنف” ورد فيها ذكر لآثار وعواقب إساءة معاملة الأطفال والتي تشمل :” العواقب العصبية، والعقلية، والتربوية، والسلوكية والعاطفية”. فقد ينتج عن الإساءة العاطفية سلوكيات انعزالية سلبية، أو عدائية، أو نشاط مفرط” ويرافق ذلك التبول اللاارادي ، نوبات الغضب، عدم احترام الذات ، تأخر في الدراسة وحذر من الكبار. وينتج عن الإساءات الجسدية إعاقات دائمة نتيجة إصابات الرأس وارتفاع معدلات الانتحار والتفكير بها. أما الإساءة الجنسية، فينتج عنها توتر، خوف، قلق، غضب، سلوكيات جنسية غير مناسبة
ومن التأثيرات الأكثر خطورة ما يصيب الأبناء في حياتهم العلائقية مع الجنس الآخر مستقبلا، إذ إن الكثيرين منهم وبخاصة الإناث تترسخ لديهم قناعة لا واعية بأن الحياة الزوجية عذاب بعذاب . لذا نرى البنات يمتنعن عن الزواج ويرفضن أي شاب يتقدم لخطبتهن لأنه برأيهن يمثل صورة الأب الظالم والعنيف، وأن حياة العزوبية ( مع السعي لإيجاد وظيفة أو مهنة) هي ارحم بكثير من الحياة الزوجية.

وسائل علاج العنف:

الوقاية من العنف تتطلب التصدي للعوامل المؤدية إلى العنف ومعالجتها بصورة علمية، ويجب أن تتركز الجهود الوقائية على مرحلتي الطفولة والمراهقة؛ نظرًا لأن سلوك العنف يتكون غالبيته من مرحلة الطفولة المبكرة.
ويمكن أن نوجز وسائل العلاج في مايلي :
1 الأسرة الصالحة
2 المدرسة الفعالة والمدرس الفعال
3 التقرب لله واستشعار الجانب الشرعي في حياتنا وفي تعاملاتنا
4 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5 التكافل الاجتماعي .
وفي الختام نرى أن العنف الأسري بكل أنواعه تحدياً كبيرا أمام المسؤولين والباحثين في قضايا الأسرة، وذلك بسبب تعلق هذا الأمر باستقرار الأسرة واستمراريتها من جهة ، وبضمان حقوق أفرادها من جهة أخرى . 
إن الحماية من العنف الأسري تستوجب مطالبة المجتمع بعناصره كافة بالمساعدة على تأمين هذه الحماية ، وتكافل الجهود لتحقيق الاستقرار والهدوء .



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock