مقالات
قراء نقدية لـ ق.ق.ج ” سقوط الى اعلى ” الناقدة : جليلة المارني .. الكاتبة ؛ الهام عيسى
القراءة النقدية:” القصة القصيرة جدا وصنم العدالة”.
المقدمة:
ان الكاتبة الهام عيسى تطرح علينا في ق.ق.ج (سقوط الى أعلى )اشكالية تمسّ احدى القيم الانسانية وهي قيمة العدالة..فيم تجلى ذلك؟؟؟
لقد أسندت الكاتبة الهام عيسى لقصتها القصيرة جدا عنوان”سقوط الى أعلى”…وعادة ما يكون السقوط الى أسفل .
أيّ سقوط تقصده الكاتبة ؟
وكيف يكون السقوط الى أعلى ؟
انها مفارقة عجيبة ومنذ العنوان يتمّ ادهاش القارئ وكسر أفق انتظاره.
لعلنا بالتحليل والتأويل سنقف على مدلول هذه المفارقة.
القراءة النقدية:” القصة القصيرة جدا وصنم العدالة”.
استهلّت الكاتبة قصتها ق.ج. بفعل مزيد (استلمت) والفعل المزيد يدل على الحركية في ق.ق.ج. هذه الحركية التي ولّدت حركات: (قفزت../ رفعت يديها الى السماء….).
ترى من هذه التي استلمت (الكرْت) ؟ ولماذا استلمتها ؟
يمكن ان التي استلمت الكرت ان تكون أمّا او زوجة اوابنة او أختا .
انها استلمت بطاقة زيارة لابنها او زوجها او أو أبيها اوأخيها بالسجن
لذلك هي “قفزت السعادة تملأ محيّاها, رفعت يديها الى السماء شاكرة
انها الزيارة الثالثة له خلف القضبان..”
ان الكاتبة تحكي لنا عن سجين وبالتالي هل يمكن اعتبارهذه الق.ق.ج تندرج ضمن جنس أدبي هو ما يعرف بأدب السجون؟
ما هو أدب السجون؟
يقول الدكتور رياض عصمت “ساد في الربع الأخير من القرن العشرين في العالم العربي ما أطلق عليه “أدب السجون” بغض النظر عن تعرّض أصحاب القلم الذين أبدعوا روايات وقصصا ومسرحيات تنضوي تحت صنف أدب السجون الى تجربة السجن أم كون وصفهم لها عملا من أعمال المخيّلة ,فان صور ما يجري في زنزانات المعتقلات وسراديب السجون السياسية من استجوابات يصحبها تعذيب شديد وامتهان للكرامة الانسانية كانت صورا تستقطب اهتمام عموم القراء فيصدقونها بغض النظر عن حقيقتها .هكذا هو الادب البارع :مصداقية في القص ومهارة في الاقناع .المهمّ هو تصدّي أولئك الكتاب على اختلاف مواقفهم السياسية ومدارسهم الادبية في ادانة الاعتقال التعسفي وطرائق استنطاق الموقوفين.”(1).
ولنا في نجيب محفوظ مثالا حين قارب في رواياته الواقعية وقصصه ومسرحياته القصيرة موضوع الاضطهاد السياسي وألمح فيها الى موضوع السجن الاعتباطي والوشاية والمخبرين مثل”ثرثرة “فوق النيل
و”ميرامار”و “امام العرش” .
كما كتبت الاديبة والمفكرة نوال السعداوي مسرحية واقعية عن سجن النساء أسْمتها “اثنى عشرة امرأة في زنزانة” وكتابا غير ادبي بعنوان”مذكرات في سجن النساء”
ان كل هذه الاستشهادات تجعلنا نصنف القصة.ق.ج.(سقوط الى أعلى) للكاتبة الهام عيسى من جنس أدب السجون.
ان الكاتبة أشارت الى ان الزائرة للسجن بلغت الزيارة الثالثة .
هل ان هذه الزيارات الثلاث هي من الزيارات الدورية أم من الزيارات الخاصة؟
*شروط واجراءات لزيارة المسجون وفقا للقانون (2):
1- الزيارات الدورية :
يقول المحامي خالد محمد بان الزيارات الدورية تكون كالآتي:
– مرّة كل شهر بالنسبة للمحكوم عليهم بالسجن المؤبد او المشدد من الرجال المودعين بالليمان .
– مرّة كل ثلاثة أسابيع بالنسبة للمحكوم عليهم من الرجال بالسجن او الحبس مع الشغل وكذلك بالنسبة للمنقولين من الليمانات الى السجون العمومية .
– مرّة كل ثلاثة أسابيع بالنسبة للنساء المحكوم عليهن أيّا كانت العقوبة.
– مرّة واحدة أسبوعيا للمحكوم عليه بالحبس والمحبوسين احتياطيا في أي يوم من أيام الاسبوع عدا أيام الجمعة والعطلات الرسمية.
2- الزيارة الخاصة:
تكون لها عدّة شروط من بينها ان يقدّم طلبا الى النيابة الكلية التابع لها المتّهم مرفقا معه توكيل المتهم او توكيل صاحب الشأن صاحب الزيارة او صاحب الشأن بنفسه..أكد المحامي خالد محمد انه يصرّح لكل سجين
أيّا كانت عقوبته بزيارة خاصّة مرّة واحدة شهريا.”
في هذا الاطار هل ان زيارة السجين الذي تتحدّث عنه الكاتبة الهام عيسى تنظوي تحت الزيارات الدورية ام الزيارة الخاصة؟؟؟
يبدو ان زيارة هذا السجين هي من الزيارات الخاصة تبعا لبعض المؤشرات الاجرائية والمعنوية الواردة بالقصة( استلمت الكرْت/ قفزت السعادة تملا محياها/رفعت يديها الى السماء شاكرة انها الزيارة الثالثة له خلف القضبان, بدأت بالعدّ واحد …اثنان ..ثلاثة…الى ان قطعت تسعين كيلومترا..الحمد لله لقد وصلنا…تسارعت نبضات قلبها للهفة اللقاء).
ان هذه الزيارة الخاصة للسجين ستكتمل صورتها أكثر في آخر القصة التي ستطالعنا بمؤشرات جديدة تؤكد ان الزيارة خاصة.
عند وصول الزائرة وهي في لهفة للقاء السجين تتدخل الكاتبة لتضع حدّا للهفة الزائرة للقاء وتخمد فرحتها حين “علا صوت الحارس من على باب الدخول للزيارات :هذا الاسم غيرموجود لدينا”.
انها قفلة مشحونة بمفارقة عجيبة لم نكن لنتوقعها وكسرت أفق انتظار القارئ .وهذه القفلة هي مؤشر آخر يؤكد ان هذه الزيارة للسجين هي من نوع الزيارة الخاصة.
انها قفلة جعلت الزائرة قد” تدحرجت هامتها خائرة”.
ان الكاتبة أوْلتْ أهمية كبيرة للمتلقّي بتركها فراغا نصّيا(ثلاث نقاط) ليملأه المتلقّي بما شاء من التأويل (هذا الاسم غير موجود لدينا…)
ان القارئ قد يتساءل على العديد من المستويات:
– أين اختفى هذا السجين؟
– هل يمكن ان السجين قد تمّ نقله الى السجن الانفرادي وما فيه من اضطهاد لحقوق السجين؟
– لماذا لم يقع اعلام الزائرة بذلك؟
– هل يمكن تقبّل هكذا فوضى في تراتيب ونظام السجون؟
– أين المنظمة العالمية للدفاع عن حقوق الانسان ومن المفروض متابعتها الدورية لوضعية السجون؟
– أين العدالة وتطبيق القانون؟
ان الكاتبة بفتحها باب كل التساؤلات والتأويلات التي خامرت تفكير القارئ جعلها تجيب عن تساؤلاته في نبرة مليئة بالسخرية من ناحية وبالوجع من ناحية أخرى ..انها ختمت بقفلة أشدّ وأمرّ على القارئ .
انها قفلة لم تكسر أفق انتظار القارئ فحسب بل زادته ادهاشا على ادهاش
انها قفلة جعلت أسمى القيم الانسانية وهي العدالة في الميزان.
قالت الكاتبة:” تهاوى على اثرها صنم العدالة”
ماذا تقصد الكاتبة الهام عيسى بهذه القفلة التي ختمت بها قصتها القصيرة جدّا (تهاوى على اثرها صنم العدالة)؟
أ- الصنم هو تمثال او رمز لانسان او جني او ملاك يصنعه الانسان ليعبده .
ب- صنم العدالة: يُرمز للعدالة بامرأة معصوبة العينين تحمل الميزان بيدها اليسرى والسيف باليد اليمنى (3) :
– المرأة معصوبة العينين:لان العدالة تقتضي المساواة بين الخصوم
دون أدنى تمييز بينهم.
– الميزان: الميزان الذي تحمله فيه اشارة الى احقاق الحق وفق القانون مع تقديم الخصوم لادعاءاتهم ودفاعاتهم لتحكم العدالة فيما بينهم لاحقا .
– السيف: يشير الى العقوبة الرادعة للجاني والاقتصاص منه لتعيد العدالة
بذلك الامور الى نصابها وبالنتيجة اعادة كفّتي الميزان لتكون متساويتين
بعد ان ارتكب المجرم جريمته فسبّب اخلالا فيها.
– المراة : للاشارة الى انه رغم وجود السيف والميزان الا ان الرحمة موجودة في هذه العدالة وقلب المراة أرحم من قلب الرجل.
ان هكذا رموز انسانية مجسّدة في صنم العدالة ان هي انعدمت في قضية ما اوْ وُضعت هذه الرموزموضع شك كما في ق.ق.ج.(سقوط الى أعلى) للكاتبة الهام عيسى فهذا دليل على تهاوي صنم العدالة .
لعل تهاوي صنم العدالة هو ما عبرت عنه الكاتبة الهام عيسى وجعلته عنوانا للقصة ق.ج.” سقوط الى أعلى”.
وبما ان قيمة العدالة هي من أعلى القيم واذا انتهكت هذه القيمة فحتما ستسقط ومن ثمّ استخدمت الكاتبة أسلوب المفارقة العجيبة بامتياز لتعلن في أسلوب ساخر ومُتهكّم انهيار احدى القيم الانسانية وهي العدالة.
الخاتمة:
ان الكاتبة الهام عيسى أثارت في ق.ق .ج.(سقوط الى أعلى) قضية أقضت مضاجع الشعوب ووضعت احدى القيم الانسانية في الميزان وهي قيمة العدالة بأسلوب يتسم بالمصداقية في القصّ ومهارة في الاقناع بفتح باب التأويل للمتلقي من خلال الفراغات النصّية .
ولئن لم تخف عنا الكاتبة وجعها وألمها لتهاوي صنم العدالة الانسانية فلعل العدالة الالاهية هي المنصفة للانسان.
شكرا للمبدعة المتميّزة الدكتورة الهام عيسى على هكذا طرح لقضية العدالة في القصة القصيرة جدا الموسومة بتجويع اللفظ واشباع المعنى.
بتاريخ 07/03/2024
المراجع:
24 mai 2020 https://www.alhurra.com>ls-priso…(1)
8 هل يعتبرأدب السجون واقعيا؟ avr .2019
https://www.youm7.com>story(2)
8 :4 شروط واجراءات لزيارة المسجون وفقا للقانونavr 2019
(3) محامي العائلة العراقية-1.لماذا يرمز للعدالة بامرأة وليس رجلا؟2.ولماذا تكون معصوبة العينين؟3….4…
1 juin 2020
اقرأ المزيد قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية قصيدة “صومعة الروح”