شعر وحكايات

قراءة نقدية ” “القصيدة ومذهب الحبّ” للكاتبة الهام عيسى

الناقدة: جليلة المازني (تونس)

قراءة نقدية:”القصيدة ومذهب الحبّ”

القصيدة:(“لعينيك غنيت” نموذجا)

الشاعرة: الهام عيسى (سوريا)

الناقدة: جليلة المازني (تونس)

المقدمة: تطالعنا الشاعرة الهام عيسى في قصيدتها “لعينيك غنيّت”بنوع من الحب …أيّ نوع من الحب تعتنقه شاعرتنا؟

القراءة النقدية: القصيدة ومذهب الحبّ.

اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها “لعينيك غنيت” وهو عنوان يتناصّ مع عنوان لقصيدة الشاعرة اسراء حيدر محمود”لعينيك غنّيْت”وقصيدة محمود درويش “لعينيك …غنيتها” والعديد من الشعراء تغنّوا بالعينين.

وهنا قد يستحضر القارئ قصيدة الشاعر الأمير عبد الله الفيصل “من أجل عينيك”

والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم.

ورد العنوان جملة فعلية تقدم فيها المفعول لاجله(لعينيك) على الفعل (غنيت).وقد تقدم المفعول لاجله للتاكيد على قيمته. وأصل الجملة:غنّيت لعينيك(غنيت لأجل عينيك).

ومن أجمل ما قيل في الغناء قول أفلاطون:”من حزن فليستمع للأصوات الطيبة

فان النفس اذا حزنت خمد منها نورها فاذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد”

كان غناء الحبيبة لقصيدة منظومة والفرق بين قصيدة ومنظومة ان القصيدة تصنّف في الشعر أيّا كان موضوعها والمنظومة تصنف حسب المجال الذي نُظمتْ فيه (1)

وهنا يمكن أن نقابل بين القصيدة المنظومة والقصيدة النثرية والقصيدة المنظومة

تكفل الايقاع والوزن والموسيقى وكل ما يقوم عليه الغناء بخلاف القصيدة النثرية

والموسيقى تؤثر على الانسان فقد تنعكس ايجابا على صحة الجسم العقلية والنفسية.

لقد شبّهت الشاعرةهذه القصيدة المنظومة بنجم الدرب ولعلها تشير الى درب التبانة وهو مجرة حلزونية الشكل وكبيرة جدا والشمس وجميع الكواكب المحيطة بها بما فيهم الارض التي نعيش عليها وجميع النجوم التي نراها في سماء الليل موجودة داخل هذه المجرة وهي جزء منها, وتسمّى بهذا الاسم لأنها تظهر كحزمة من الضوء في السماء عندما تشاهد في منطقة مظلمة (2)

ووجه الشبه بين القصيدة المنظومة ونجم الدرب التناسق والنظام والاشعاع والامتاع (أعذب).

ان الحبيبة تتمزّق بين الحنين والشوق الى الحبيب.فما الفرق بين الحنين والشوق؟(3).

يقول الدكتور خالد غطاس :” يكمن الفرق بين الحنين والشوق في الاستحالة التي في الاول والامل الذي في الثاني.ان مع ألم الشوق أمل باللقاء مهما طال بعد الزمان او المكان حتى وان اشتقنا لأنفسنا في زمن ما فيصحب مع هذا النوع من الشوق أمل بعودتنا لنا…

أما الحنين فظمأ لا يرتوي وشعور عميق يراوده اليأس من العودة لتلك الحالة او ذلك الماضي . وقديكون ذلك الماضي مجرّد وهم بالغنا فيه لنستثير هذا الشعور .

وقد يصبح هذا الشعور بأيدينا كأداة تعذيب نشرّح بها نحن أنفسنا,فنستمتع كالمشرّح المجنون ونتألّم كالمشرّح الضحية..”.

ويقول خالد بن سالم الحمّاد:”الشوق :شعور حارق يذكيه الفقد والبعد.

“الحنين:احساس مؤرّق تشعله الذكريات التي لن تعود”

وبالتالي فالحبيبة ممزقة بين برودة اليأس بحنينها وحرارة الرجاء والأمل بشوقها

رغم هذا التمزق فهي تستمتع بهذا الحنين والشوق الذي لا يحصى ولا يعدّ وكأنّه قدرها وحياتها التي تحياها فتقول: لقصيدة منظومة

كنجم الدرب أو أعذب

حنينا وشوقا

بعدد الخلائق

لا يُحسبُ

ان الحبيبة كما غنّت للقصيدة غنّت أيضا “لغمام يهمي// ويهطل مثل المطر”

والغمام حسب تفسير ابن كثير”سمّي بذلك لانه يغمّ السماء أي يواريها ويسترها

وهو السحاب الابيض ظلّلوا به في التيه ليقيهم حرّ الشمس كما رواه النسائي وغيره عن ابن عبّاس في حديث الفتون,قال: ثم ظلّل عليهم في التيه بالغمام”

فقد قال تعالى في سورة البقرة الآية10″وظلّلنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى”

هذا الغمام يمكن ان “يهمي”و يتحوّل الى مطر بما في المطر من نفع.

وأن يكون الغمام مصدر توفيرالظل أو مصدر المطر فهو بشير خير على الحبيبين .

والشاعرة هنا تتناصّ مع قصيدة لسان الدين الخطيب الذي اعتبر المطر رمزا للخير سواء للوطن اوللحبيبة حيث يصف عشقه والحب والهيام الذي يكابده الشاعر فيقول:

جادك الغيث اذا الغيث همى//يا زمان الوصل بالاندلس.

وتعْمد الشاعرة هنا الى مقابلة معنوية بين المطر والضمأ (لضمئي المتعطش اليك) وكأني بلسان حال الشاعرة يقول بهذه المقابلة رغم المطر فضمؤها وعطشها كبيران لفرط حنينها وشوقها الى الحبيب.

انها تغني أيضا لنوره المنتشر في كل مكان هذا النور الذي يجعلها تبصر قلبه النابض والذي يجدد ماء الحياة فيُحْييها.

ان ضمأها وعطشها سيرْويه نورُه الذي يجدّد ماء الحياة وينعشها ويعيد لها الحياة

ان الحبيبة ستلقاه نورا متوهجا ومشعّا يفوق نور القمر .

لقد استخدمت التشبيه بالنورتأكيدا على ضيائه وجماله وشفافيته فتقول:

سألقاك نورا توهّج

أشعّ وفاق القمر

ان الشاعرة راهنت على الافعال لتضفي حركية على القصيدة وهي بذلك تحرّك مشاعرها المتعطشة اليه ولعلها بذلك تثير عاطفة الحبيب.

غناؤها للقصيدة للتعبير عن حنينها وشوقها ,غناؤها للغمام المُظلّ والهاطل بالمطر, ,غناؤها لتعطّشها له, غناؤها لنوره الذي يُحْييها .كل هذا الغناء حرّك مشاعرها وأجّجها وأثاررغبتها في الحديث اليه وها هي تخاطبه قائلة:

أيا خافقي هنا القلوب

جنان أحلام

تعيش في الوجدان

وتحفر مسا راته في الذاكره

تعمد الشاعرة باسم الحبيبة وهي تخاطب الحبيب الى ثنائية الزمان الماضي والذاكرة والحاضر والمستقبل والأحلام فهي تدعوه الى الاحلام التي تسكن القلوب وتعيش في الوجدان…انها تريد ان تحرّك خياله.

انها تدعوه الى أحلام اليقظة الايجابية التي “تحفّزالانسان بشكل ايجابي لتطوير ذاته وتحقيق الاستقرار النفسي له كما تحثّه على التخطيط بشكل جيّد لمستقبله المليئ بالنجاحات والتصورات الايجابية”(4).

وأحلام اليقظة لا هدف لها سوى الهروب من الواقع الى عالم من الخيال من دون العودة منه بشيء يفيد في تغيير الواقع”(حلم اليقظة- ويكيبيديا).

تواصل مخاطبته واصفة اياه بالنقيّ والعابد المتعبّد…ان الشاعرة تؤكد على صفات روحية معنوية ذات مرجعية اخلاقية ودينية(نقاوة/عبادة /تعبّد).

هذه الصفات جعلتها تُودعُ روحه أمانة بين ضلوعها حيث القلب وتسكن طيفه خلف ظفائر شعرها يشعل الشموع وينير الطريق للعائدين.

ان العودة واشعال الشموع هي قفلة متفائلة تنزل على قلب القارئ بردا وسلاما .

ان القارئ لولا هذه القفلة المتفائلة قد يحاسب الشاعرة على غنائها لأجل عينيه

فكانت الشاعرة متسقة مع منطق القصيدة التي بدأتها بالغناء لتختمها بمسحة من التفاؤل.

ان الشاعرة كعادتها تنحو نحو الحب الروحي:انها تراهن على الحب الخالد.

ان الحب الروحي “هوأقوى وأشرس انواع الحب وأندرها وأصعبها فيأسر عقلك

وقلبك وجسدك وتفاصيلك كلها ويضعها في انسان واحد ,وهو فخّ لمن وقع فيه

فلا خلاص منه ولا نهاية ولا ارتواء ولا شبع ,عنيف وظالم لا يرضخ لا لعادات

ولا لتقاليد,لا يعرف عمرا ولا دينا ولا يفيد فيه عقل ولا منطق(4).

في هذا الاطار يرى الناقد عبد الحي الأطير أن الحب هو حب بين العقل والجسد والروح والحبّ الروحي لا ينفي الحب الجسدي اذ كيف نتخلى عن الجنس في الحب مع ان الجنس هو أساس العلاقة بين الرجل والمرأة؟.

هنا يتدخل العقل ليكون حكما بين الروح والجسد :يقول الناقد:

“فالانسان قادر على ان يجعل الجسد في المرتبة الثانية على الرغم من صعوبة ذلك لدى الكثير لان الجنس مثل النار التي تأكل في الجسد ولكن بالعقل

نستطيع أن نخمد تلك النيران المشتعلة التي لو تركناها تتحكّم فينا لحرقت الجسد”(6)

فالحب الجسدي يأخذ ويسيطر ويطمع لانه لا يشبع والحب الروحي يعطي ويخدم

ويبذل لأنه عفيف قنوع. وشتان بين الحب الجسدي الذي يأخذ والحب الروحي الذي يعطي.والعقل هنا يوفّق بين الأخذ والعطاء.

ان الحب الروحي يجعل المحبّ غير قادر عن الانفصال عن المحبوب الى الأبد .

لذلك يتوق المحب الى الحب الخالد والشاعرة باسم الحبيب ربطت الحب بالغناء.

لان الغناء سر الوجود ويبقى بعد ان يفنى الوجود كما يقول جبران خليل جبران.

الخاتمة:

ان الشاعرة الهام عيسى ربطت الحب بالغناء لما في الغناء من ايقاع وموسيقى

تحرّك المشاعروتجعل الروح تتعانق مع الروح ليجمع بينهما الحب الروحي توْقا

الى الحب الخالد.

بتاريخ :20/05/2024

القصيدة:

المراجع:

X.fahadalsaade(1)

هنالك فرق بين القصيدة والمنظومة.

https://www.twikl.com>mjrt-drb…(2)

مجرة درب التبانة اما حجمها وما مواصفاتها وكيف تشكلت؟

https://ar.quora.com>..(3)

ما الفرق بين الحنين والشوق؟

https://www.annajah.net>…>(4)

أحلام اليقظة: تعريفها وأنواعها. https://www.handicapeonline.com>…(5)

الحب الروحي- معاق أون لاين

https://www.youm7.com>story(6)

عماد عبد الحي الأطير يكتب:الحب بين العقل والجسد والروح

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock