كتب . د. احمد زكريا
(القرن الثانى عشر)
-7-
فى اليوم التالى كان عدد من اليهود القرائين مجتمع فى بيت الشرع يناقش قضية الأخوين”أشفور” و”أدمون”؛ حضر الحاخام الأكبر وشماس المعبد والموهيل وحتى الشوحيط بالإضافة لعدد من تجار الذهب والحرير كان الجميع يتحدث نيابة عن الأخوين التعيسين
كما لو أن “باروخ” هو من سرقهم دون الأخوين، الّذان كانا يراقبان الجميع ويشعران بحب واهتمام خادع من كل من يعرفونهم ومن لا يعرفونهم، البعض قال: “ان الأخوين ليس لهما من حق فى ثروة “باروخ” هذا حظه ونصيبه وقد كتبه الله له، أما حظ الأخوين فقد نالاه بالفعل؛ ديناران من ذهب، وقال الشوحيط: “إن وصية الأب لم تكن هكذا منذ البدايه”؛ وقاطعه الموهيل قائًلا: باروخ نفسه يشهد بهذا ولا ينكره وإن أنكره لنحضر التوراه وليقسم عليها عسى أن تلحق به لعنة “هامان” إن كان من الكاذبين!! وليخرج من دين يهود ويدخل فى دين فرعون وملئه غير مأسوف عليه!!
قال الشماس: لا داعى لكل ذلك هناك من يشهد من بنى مقرأ لصالح الأخوين فالأب الفقير لم يخفى خبر وصيته، هناك شهود عدل، سينطقون بالحقيقة اذا استدعتهم المحكمة! ونظر للحاخام وهو يقول: “أليس كذلك يا مولانا؟!..أجاب الحاخام: “مرتبكًا بالطبع بالطبع أشهد بما أخبرنى الفقيد الراحل ولا أكتم الشهادة ؛ ثم طلب الحاخام من الأخوين الإنصراف للتداول ومشورة مجلس الحكماء،
وبعد صلاة المغرب عاد الجميع واجتمع المجلس ثانية ونظق الحاخام بالحكم: “سيتوجب على الأخوين رفع عريضة مظلمة ضد أخيهم باروخ تقدم لجناب “ناجيد مصر” رئيس كل اليهود، وسيتولى بيت الشرع كتابتها بماء الذهب على جلد الغزال حتى تلقى من سماحة عظيم اليهود اهتمامه؛ ثم نظر “للحزان” الذى كان يسجل محضر الجلسة فى دفتر الجنيزة؛
وهو يمليه: ستتكلف كتابة العريضة دينار من ذهب سيسدده الأخوان لخزينة معبد بن عزرا!..ثم نظر للأخوان المنزعجان جدًا من الحكم يشرح لهما: “بالطبع سوف نكون فى حاجة للذهب لكى نكتب بماء الذهب.. وإلا فمن أين تظن ماء الذهب قد يأتى؟؟.
قال “أشفور”: عذرًا سماحتك .. هلا استخدمنا الحبر العادى ولو حتى الحبر الإسكندرانى؟؟..أجاب الحاخام: بالطبع يمكن استخدام اى نوع من الحبر ولكن أنا أخبرك بالحبر الذى سيقرأه الناجد، لا تخف!، لست طمعانًا فى أموال الفقراء من أمتى وهذه الأموال تسدد لدار الشرع..
كما أنكما سترثان أضعاف أضعافها.. وبعد برهة من الشرح وإعادة الشرح وافق كل من أشفور وأدمون على فكرة الحاخام؛ الذى أملى “الحزّان” القرار الثانى للمجلس بكتابة عريضة بماء الذهب على رقاعة من جلد الغزال لخليفة المسلمين وسيد مصر الحاكم بأمر الله المنصور إبن العزيز بالله عزيزمصر ؛ صمت الحاخام بينما الشماس يدون ما يكتبه بصوت عالٍ: “ستتكلف كتابة العريضة الثانية دينار من ذهب سيسدده الأخوان لخزينة معبد بن عزرا”،
قال “أدمون” الأرعش؛ لماذا لا نكتفى بواحدة و نستبقى لنا دينار من ذهب، شعر الشيخ الحبر الجليل ببعض الحرج فربّت بيده على ظهر شيخ تجار الحرير بالفسطاط ليشرح للاخ المكلوم فى ديناره الباقى؛ فقال الشيخ الذى تفهم حرج الحاخام من الحديث:
لأن ناجيد مصر رئيس كل اليهود هو والد زوجة أخوكم العزيز ” باروخ”، الذى اتّبع مله الربّانيين من زمن ولم يعد من بنى مقرأ، بالطبع الآن صرتم تعرفون سبب حرج رئيسنا وحرجنا جميعًا فى هذه القضية ولكنّنا لن تخلى عنكما”
أضاف الحزان: أظنه سيمزق العريضة مباشرة بعد قراءتها، هز الحاخام رأسه متأسفًا، فقال الشماس: لا أظنه سيفعل هذا قبل أن يستخرج الذهب من العريضة!!.. قال شيخ تجار الذهب: لو كانت كتبت على ورق البردى لكان استطاع كشطه وانتزاعه ولكن طالما كتبت على رقاعة من جلد الغزال فلن يستطيع استخراجه أبدًا، لا تقلقا؛ قال: مطمئنًا الأخوين.
وهنا قال أشفور الباكى؛ فعينه المعتمة لم تعد تصلح سوى للبكاء؛ إن كنتم تعلمون هذا الصنع منه، فلم نرسل له من البداية؟؟..لم.؟..؟؛ أجاب: الحاخام هذه المرة: هو رئيس كل اليهود ولا نستطيع تجاوزه فى هذه المصيبة، ستكون سابقة خطيرة تضيع هيبة بنى إسرائيل، ولكن عندما يتجاهلنا وحدها سيكون الحق فى صفّنا إذ نتجاوزه، وبعد ساعات من الشرح والنقاش؛ صهر الديناران وكتبت العريضتنان فكان ما كان.