شعر وحكاياتعام
الرجل الذي حبل
اللوحة الثالثة
ولادة غريبة
بقلم الدكتور حمد حاجي/تونس
مثلما يقفز طفل المدارس حين يقلب علبة أقلامه والألوان.. وينسكب على طاولته مداد المحبرة.. نطَّت المرأة تزمجر.. تصيح وتبكي..
فيما ظلَّ صامتا يتجاهلها ويضع رأسه بكتاب أو رواية او صحيفة.. ويغرق في حزن عميق..
ولكنه كان يفكر بها: كلما ازداد صياحها أدرك عدوانيتها..
حتى مكوثهما أمام الأفلام الإباحية لم يدم طويلا؛ فقد رأى أن تصهل امرأة أمام أخرى أمرا سمجا مقرفاً، وما عاد جسد أنثاه يستهويه..
وحتى زوجته،هي الأخرى لم تقدر أن تلبّيَ رغباتِ جسدها تلك المتعةُ الركيكة..
و أمام غريزة الحياة، وغريزة الموت، كان لا بد لهما أن يفترقا..
كم حاول أن يحافظ على حبه لها بالبحث عن طريقة يتّحد معها كي يعيشا من جديد حالة وَلَهٍ يسيرة.. ما كانا يعرفان نهايتها ولكن للأسف فشلا ذريعا بالتعرف إلى نفسيهما..
وبعد محاولة لرأب الصدع، صدعٌ بحجم الزمن، بدا الطريق يتّضح قليلا.. قليلا، لكن بمحاولة أخيرة ارتمى بحضنها.. تعانقا عناقاً حاراً، فرحاً وحزناً.. ضحكاً وبكاءً.. يرتعشان ثم يهدآن، لقد عرفا المصير نفسه وآمنا به ورضيا بحياة قصيرة في سبيل معرفة أسرار كثيرة..
وأدركا أن كلا منهما له استقلاله الذاتي الذي كافح من أجله.. وأن التعايش والتواصل أصبح عسيراً. فكان القرار أن يرحلا عن بعض..
بعفوية مطلقة بقي الوله والغبطة في نظراتهما المتبادلة..
سقط ما كانا يحلمان به من زواج أنثى بأنثى كسقوط تفاحة نيوتن في براح الزمن..
وإلى بيت أهلها غير آسفة، فارقته الزوجة..
وحيداً بقي مع بطنه التي أخذت تكبر وتكبر، وبيتٍ تزيّن للأب الأحبل والوليد القادم.. غير أن أمراً واحداً كان يزعجه، لم يكن راغباً في التخلّي عن ملابسه الرجالية..
حزن عميق كان يعتصر قلبه كلما فتح الخزانة ورأى معاطفه وقمصانه وربطات عنقه بجانب بدوراته وفساتينه النسائية وشالاته..!
كيف لم يخطر بباله أن يأخذ قراراً منذ البداية، بل كيف ارتضى لنفسه وتسرّع بأن يضحّي برجولته من أجل رشاقة المرأة التي أحب..
وكيف سمح لنفسه بالمقابل أن يحرمها لذّة أن تكون أمّاً..؟
تحبل..
وترضع..
وتناغي وليدها..!
ولمّا يطبق الليل، مرتجفاً ينام بجسد بارد، ملتحفاً بملاءات ثلجية من الرخام، وشعور رهيب بالذنب يكبّله.. لكنه بين الحين والآخر كان يدفأ بين دفَّتي كتابٍ وفصل من رواية أوقصة أومقالة.. ويبحث بالكتاب أينما قرأ عن جوابٍ.. كيف سيقبل ابنهما بهوية زائفة..؟تراوده أفكار تطبق على رقبته وتخنقه، ماذا سيكون موقف طفله أمام أترابه إن سألوه، ” من أبوك؟ “
– ما من شيء أعمق حزناً من هوية طفل بلا أبوين..!
أخذ يجمع ملابسه الرجالية، قرر أن يذهب بها إلى محل تنظيف الملابس، يتركها لحين يضع مولوده ثم يعود ويأخذها.. لكن الكتب المتناثرة التي قرأها طيلة انتظار جنين يتخبط بأحشائه.. أين سيضعها..؟
منتصف الليل، أحسّ بآلام المخاض تمزّق بطنه، والكتلة داخل جسده تتحرك قبل أوانها.. سريعاً طلب سيارة الإسعاف، وسريعاً أدخلوه غرفة العمليات.. حين أفاق من التخدير، حملت الممرضة الرضيع إليه، انتبه إلى أن المولود كان غير طبيعي..
– سيتأخر الحليب شهراً حتى يصل إلى ثدييك..
قال له الطبيب..
أسرع إلى الحمام وعرّى نصفه الأعلى.. يا للهول!.. حلمتاه تنتفخان على مصراعين كالمكتبة، لكن الرفوف فارغة من أي شيء.. توجّه إلى المهد، حمل طفله بحنوّ، وجرّب أن يرضعه، عوض أن يمسك الرضيع الحلمة، انشقّ رأسه وانفتح، لا شيء يخرج من الحلمتين..
محتاراً أخذ يفكّر ماذا يفعل. خطرت له فكرة أن يجمع من المكتبة العلمية للأطباء جميع المجلدات والكتب ويملأ تلك الرفوف الفارغة بصدره..
تعرّى، ومضى يدخل الكتب، الواحد تلو الآخر، ثم أغلق دفّتي كل ثدي وأدار الحلمتين كالمفتاح..
سمع هديراً يهضم تلك الكتب بصدره، هرول إلى الرضيع، وكانت المفاجأة..!
حين قرّب الطفل إليه أكثر، انفتح رأسه واستطالت عنقه.. وبدأت الحلمتان تقطران عصارةً مهضومة.. وأخذ الرضيع يكبر ويكبر.. ويطول بسرعة مذهلة، حتى استوى ضميراً حيّاً.. كان قلماً بين دفّتي كتاب..!