الصورة لصحن خانقاه الأمير شيخو بشارع الصليبة |
كتب . ابو العلا خليل
يطل على الصحن خلاوى الصوفية المعتكفين بداخل الخانقاه وبأحداها كان معتكف الشيخ الصالح المعتقد الزاهد أحمد بن ابراهيم بن محمد الشهير بأبن عرب . يذكر السخاوى فى الضوء اللامع ( كان والده من أهل اليمن ثم انتقل منها الى مدينة برصا فى بلاد الروم واستوطنها وتزوج بها فولد له ابنه أحمد هذا فكان يقال له ابن عرب على عادة الروم والترك فى تسميتهم من لم يكن منهم ).
قدم ابن عرب الى القاهرة شابا ونزل بخانقاه الأمير شيخو وكان فقيرا جدا – والحديث لأبن داود الصيرفى فى نزهة النفوس والأبدان فى تواريخ الزمان – فكان يقبل من الصدقات بما عساه ان يقيم به رمقه ، كما كان ينسخ للناس بالأجرة ويتقوت بذلك قنوعا جدا فى معيشته وهو مكب على طلب العلم والعبادة . ودام على ذلك مدة طويلة الى ان استقر من جملة صوفية خانقاه الأمير شيخو بمبلغ ثلاثين درهما فى الشهر فتعفف بذلك عن أخذ ماكان يتصدق به عليه .
ويستكمل ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة ( انقطع الشيخ ابن عرب عن مجالسة الناس والأختلاط بهم وسكن بخلوة فى الخانقاه المذكورة وأخذ فى الأجتهاد والعبادة واقتصر على ملبس خشن حقير الى الغاية ، وكان لايخرج من خلوته الا مرة واحدة كل ثلاثة ايام بعد العشاء وذلك لشراء قوته .
وكان غالب خروجه متنكرا حتى لا يعرفه الباعة فيحابوه ومتى علم أن أحد من الباعة حاباه لكونه عرفه لم يعد اليه ). ومن جميل مايذكره ابن تغرى بردى فى المنهل الصافى ( ان رجلا من الباعة دس فى قفته قليل من الموز والشيخ لا يشعر بذلك فلما رآه عند دخوله خلوته عاد ولم يزل بالرجل الى أن عرفه ورد له الموز ).
كان الشيخ ابن عرب لا يكلم احد ولا يتجرأ احد على الكلام معه لهيبته ووقاره وعظم حرمته .وقد رأيته مرارا – والحديث لأبن تغرى بردى – ولكنى لا أعرف مافى وجهه حياء منه ومهابه كما كان الناس يبيتون بالخانقاه الشيخونية رجاء رؤيته . ويستكمل المقريزى فى السلوك ( وكان يغتسل بالماء البارد شتاء وصيفا فى بكرة نهار كل جمعة ،ويمضى الى صلاة الجمعة من أول النهار ويظل يصلى حتى تقام الصلاة فيكون قيامه فى تركعه هذا بنحو ربع القرآن من غير أن تسمع له قراءة الا انه يطيل فى قيامه حتى يجوز ان يقرأ فى كل ركعة بحزبين ).
عاش الشيخ ابن عرب عمره غنى عن الدنيا والناس وكان اذا احتاج الى خياطة خيشة يلبسها او اعانه احد عند عجزه فى اواخر عمره عن حمل الجرة بالماء التى يتوضاء منها اعطاه من الفلوس شيئا ويقول : هذا اجرتك . ومن طريف مايذكره ابن تغرى بردى فى المنهل الصافى من كرامات الشيخ ابن عرب ( اشترى الشيخ ذات مره كنافة وراح يصب فوقها خلا ، فرآه رجلا والشيخ لا يشعر به وكان الشيخ ينظر الى الكنافة ويزجر نفسه ويلومها قائلا : ما تأكلى الا الكنافة ؟ كلى يا خبيثة . فهجم ذلك الرجل على الشيخ وقال : انا اكل معه من هذه الكنافة التى بالخل تبركا .
فقال له الشيخ : بسم الله كل يا فلان . فصار الرجل يأكل الكنافة بعسل غاية فى الحلاوة والشيخ يأكل معه الى ان فرغا معا ). كان خادم الخانقاه الشيخونية يحمل اليه نفقته الشهرية وهى ثلاثين درهما فلا يأخذها الا عددا لا وزنا فقد كانت الفلوس اولا تقدر بالعدد ثم تطورت حتى قومت بالوزن . وكانت الفلوس وزنا حدثت بعد انقطاعه عن الناس فكان لا يعرف الا المعاددة .
عاش الشيخ ابن عرب على حاله هذا أكثر من ثلاثين سنة لا يتلفظ بكلمة سوى قراءة القرآن وذكر الله نهاره صيام وليله قيام . وفى ليلة الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول عام 830هـ توفى زاهد وقته وفريد عصره الشيخ ابن عرب بداخل خلوته بخانقاه الأمير شيخو فغسل بها وحمل الى مصلى المؤمنى على رؤوس الأصابع لكثرة ازدحام الخلق على حمله . ومن عجائب امره –
والحديث لأبن حجر فى انباء الغمر بأنباء العمر – انه لما مات كان الجمع فى جنازته موفورا واكثر الناس لايعلمون بحاله ولابسيرته فلما تسامعوا بموته هرعوا اليه حتى كان الواحد منهم لايجد مكانا يضع رجله فيه ، ونزل السلطان الأشرف برسباى من القلعة للصلاة عليه واعيد الى الخانقاه ودفن بها الى داخل الخانقاه .
يذكر السخاوى فى الضوء اللامع ( وتنافس الناس فى شراء ثياب بدنه فاشتروها بأغلى الأثمان للتبرك بها فاتفق ان جملة مااجتمع من ثمنها حسب فكان قدر ماتناوله من المعلوم من اول مانزل بها الى ان مات لايزيد ولاينقص فعد ذلك من كراماته رحمه الله ) .