شعر وحكاياتعام

صاحب حق


قصة : مصطفى الحاج حسين .
زارني بصحبة ” عمر ” مرّات متتالية ، حاول أن يتقرب منّي ، دفع عنّي في المقهى ، امتدح كتاباتي ، تغزّل بشكلي ، قدّم لي العديد من لفافاته ، ومع ذلك لم أزره ، رغم دعواته الحارة والمستمرة .
عانيت كثيرا حتى حفظت أسمه ، أَطلَعتُ “عمر “على حقيقة موقفي منه ، فعارضني وأكّد بأنّ “صهيب ” إنسان طيّب ، فهو رفيق طفولته ، وصفته بثقل الدّم ، خالفني ‘ عمر ” بشدّة ، قلتُ في حزمٍ :
ـ إنّه لم يرق لي .
اتهمني ” عمر ” بالتّكبر ، تساءلت عن سبب نفوري منه ، لم أعثر على جواب .. قال ” عمر ” :
ـ هل تعلم .. هناك تشابه بينكما ؟!.. وضحك .
طار صوابي ، قلت منزعجا :
ـ لو تأكّدتُ من أنه يشبهني ، لانتحرت .
ضحك ، وعاد ليتّهمني بالغرور . 
(( لست مغرورا ، بدليل أنّي أصادق من هم أدنى مستوى من ” صهيب ” . )) .
اتّهمتُ نفسي بالغيرة منه ، فهو يقاسمني صداقة ” عمر ” ، لكنّ ” عمر ” يملك أصدقاء عديدينَ غيره ، فلماذا أكره ” صهيب ” وحده ؟!.
كنتُ أهتاج من لطفه معي ، من إبتسامته كلّما التقت نظراتنا ، وأكثر ما كان يغيظني اعتناقه لمبدئي ، وإعجابه بكلّ ما يعجبني ، وصلت إلى رأي قاطع :
ـ ” صهيب ” ، مجامل ومتملّق .
لم يوافق ” عمر ” بالطبع .
قررت أن أتحاشاه ، لذلك طلبتُ من ” عمر ” أن لا يزورني برفقته ، وأن لا يصطحبه إلى المقهى .
اشتعلت حنقا حين اكتشفت أن لقاءاتي ” بعمر ” قد تباعدت ، فأدركت أنّه يفضّله عليّ ، وأنا أحبّ “عمر ” ولا أستغني عنه ، عزمت على معاتبته ، لكنّه عند لقائنا ، رفع إصبعه بوجهي :
ـ أنتَ السّبب يا ” محمود ” . هتفتُ مستغرباً :
ـ أنا …؟؟؟!!!
ـ ألم تطلب إبعاد ” صهيب ” عنك ؟ .
ـ لكنّي لم أقل إبتعد أنت معه . ردّ بصوتٍ حاسم :
ـ ” صهيب ” أيضا صديقي .
تضاعف كرهي له ، فكّرتُ أن أضع ” عمر ” بين خيارين ، لكنّي تراجعت ، خشيت من ردةِ فعلهِ ، فماذا لو أنّه اختار ” صهيب “. ؟.
قلت بتودّد :
ـ عندما تعارفنا .. لم يكن ” صهيب ” بيننا . قاطعني :
ـ أنت تعرف أنه كان مسافرا .
تجاهلت حنيني ” لعمر ” ، حاولت أن أنصرف إلى غيره من الأصدقاء .
إسبوع مضى وأنا أرقب طلّته على المقهى ، أنتظر قدومه إلى بيتي ، وعندما تمدّدت فوق سريري ، وجدتني أفكر بزيارته .
صدمتُ بوجود ” صهيب ” ، الذي رحّب بي بفتور ، تأكّدت أنّ ” عمر ” قد أطلعه على حقيقة موقفي منه ، فأرجأت عتبي . لم أكن مرتاحا لتغير موقف ” صهيب ” منّي ، فسألته عن أحواله وأخباره ، ولأول مرّة طلبتُ منه أن يلاعبني الشّطرنج .
أحسّست بسعادة غامرة ، حين وجدته يعود إلى عفويته معي ، ويعاملني كما كان في السّابق .
تعمّدتُ إنهاء السّهرة ، لحظة أراد ” صهيب ” وداعنا ، خرجتُ برفقته ، سرنا طويلا ، تحدّثنا ، وعند بيته دعاني للدخول ، قلت :
ـ رغم تأخر الوقت ، سأدخل وأشرب القهوة عندك .
احتفى بي لدرجة أنّي خجلتُ من نفسي ، أحسّستُ نحوه ببعض المودّة والإحترام ، قدّم لي ابنته البكر ، قبلتها .. وداعبتها قليلا ، ثم عرّفني على زوجته ، رحّبت بي ، وطلبت أن تتعرف إلى زوجتي ، لأنّ زوجة ” عمر ” حدثتها عنها كثيرا .
وقبل أن أنصرف ، اتّفقنا على موعدٍ لزيارةٍ عائلية .
نشبت صداقة قويّة ، بين زوجتي وزوجته ، نجتمع نحن الثّلاثة ، في غرفة ، بينما تجتمع زوجاتنا ، في غرفة أخرى .
خلسة ، أخذ ” عمر ” يعلّق ويطلق نكاته ، يذكّرني بمواقفي السّابقة ، من ” صهيب ” ، قلت ضاحكا :
ـ سبحان مغيّر الأحوال .
بعد فترة برزت أمامي مشكلة ، زوجتي الحامل ، تحتاج إلى عملية قيصرية ، أسعفتها ، واتّصلت ” بصهيب ” ، سعدت كثيرا إذ وجدته يهرع لنجدتي ، قائلا :
ـ اطلب من النقود ما تشاء .
كنت مسرورا لتجاوز الأزمة ، بمعونة” صهيب “، فقضيت سحابة يومي في بيتي ، ومخيلتي ترسم لي سعادة ورديّة ، بقدوم طفلنا الرّضيع ، غفوت على عطرها ، بعد يوم شاق .
كانت السّاعة تشير إلى الثّانية عشرة والنّصف ، عندما تنبهتُ إلى صراخِ زوجتي :
ـ ” محمود ” .. انهض ، هناك من يطرق الباب .
قمت بتثاقل ، كان ” صهيب ” واقفا ، يحدّق إليّ ، اعتقدت أنّه جاء بغية الإطمئنان ، على وضع ربّة بيتي ، شعرتُ نحوه بالإمتنان .. واعتراني ندم شديد على مواقفي السّابقة منه ، افترّت شفتايّ عن إبتسامة ، لم تكد لتستقرّ ، حتّى استلّتها عبارته الصّارخة :
ـ أهكذا زوجتك يا ” محمود ” ؟!.. تدخل بيتنا لتسيء إليه .!
شدهني كلامه هذا ، جمّدني ، طيّر النّوم من عينيّ :
ـ خير إن شاء الله !!!.. مابها زوجتي ؟!؟! .
ردّ بانزعاج : 
ـ تصف زوجتي بالبرودة ، وثقل الدّم !!!.
اغتصبت إبتسامة باهتة ، عساني أعيده إلى توازنه :
ـ من قال لكم .. هذا الكلام الفارغ ؟!؟!.
أجاب .. وكلّه يرتعش :
ـ ” صباح ” .. زوجة ” عمر ” .
همست معاتبا :
ـ أجئتني الآن .. من أجل هذا القول التّافه ؟!.
صاح كمن فقد رشده :
ـ أنا أريد نقودي … لأنّكم تتنكّرون للمعروف .
دارت بي الأرض ، دلق إبريق من الماء المثلّج على ظهري ، قلت وحنجرتي تكاد تنفجر :
ـ حاضر يا ” صهيب ” .. غداً أدبّر لكَ المبلغ .
صرخ وكأنّ عقربا لدغته :
ـ أنا لستُ مستعداً للإنتظار ، طالما زوجتك تكلّمت عن ” غادة ” .
فار الدّم في عروقي ، تذكّرت نفوري منه ، الآن فقط عرفتُ السّبب ، احتقرت نفسي ، لأنّي رضختُ 
” لعمر ” ، ووطدت علاقتي به ، حقدت على ظروفي التي جعلتني احتاجه :
ـ هل أقرضتني النقود ، حتى تذلّني ؟!.
زعق بوجهي ، وكأنه يريد أن يوقظ سكان الحارة :
ـ أنا منذ البداية ، قلت ” لعمر ” ، إنك لا تصلح لي صديقا .
قهقهت أعماقي المتخمة بالقرف ، شعرت بازدراء نحوه ، هتفتُ :
ـ الحمد لله إنّها جاءت منكَ .. غدا أبعث لكَ نقودك .
دسّ يده في جيب سترته ، أخرج ورقة :
ـ اذاَ … وقع لي على هذا الإيصال . 
امتدّت يدي الرّاعشة … وبدل أن تطال الورقة ، طالت خده .
مصطفى الحاج حسين .
حلب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock