مأساة باحثة البادية …
كتب / خطاب معوض خطاب
ملك حفنى ناصف …
الأديبة الشاعرة المطالبة بحقوق المرأة …
كانت أشهر فتاة مصرية فى العقد الأول من القرن العشرين ، ملك بنة محمد الحفنى بك بن إسماعيل خليلى ناصف الشهير باسم حفنى بك ناصف القاضى الأديب الشاعر و الثائر الذى عمل أيضا كمفتش للغة العربية بوزارة المعارف ، ولدت و نشأت فى واحد من أحياء قاهرة المعز العريقة الذى نشأ فيه العديد من الأدباء العظماء ، حى الجمالية الذى نشأ فيه نجيب محفوظ و جمال الغيطانى ، ولدت فى 25 ديسمبر 1886م ، حصلت على الإبتدائية سنة 1900م على الأرجح كأول فتاة مصرية تحصل عليها و حصلت على دبلوم المعلمات من مدرسة السنية سنة 1903م و كان ترتيبها الأول على مصر كلها و كانت أول فتاة مصرية تحصل على هذه الشهادة .
عملت مدرسة بمدرسة السنية بعد تخرجها مباشرة و كانت تحاضر بالجامعة الأهلية بعد إنشائها كما مارست الكتابة فى عدد من الصحف و المجلات المصرية و الأجنبية منها الجريدة و المؤيد و جمعت مقالاتها المنشورة فى كتاب أسمته (النسائيات) ، و كانت تجيد الخطابة و كتابة الشعر الذى بدأت كتابته فى سن الحادية عشرة من عمرها القصير ، و من أشعارها المشهورة قولها :
أيسوؤكم منا قيام نذيرة تحمى حماكم من بلاء محدق
أيسركم أن تستمر بناتكم رهن الإسار و رهن جهل مطبق
و قولها :
فذب يا قلب لا تك فى جمود و زد يا دمع لا تك فى امتناع
و لا تبخل علي و كن جموحا فكنز العلم أمسى فى ضياع
كانت ملك حفنى ناصف أولى الأديبات العربيات اللائى قدمن سيرهن الذاتية على نحو أدبى مباشر و المعروف حاليا بأدب الإعترافات فى السير الذاتية ، و كان أدبها صادقا مع تجربتها الذاتية القصيرة فى الحياة ، كانت من صديقات الأديبة المعروفة مى زيادة و لقد زارتها مى فى منزلها و كتبت عنها ( … يلمح الناظر فى عينيها السوداوين الفاتحتين بريق الذكاء و آيات التفكير العميق و الفطنة .. على محياها سحابة من الهموم ) ، و كتبت ملك حفنى ناصف رسالة لصديقتها مى زيادة قالت فيها ( المرأة كدودة القز تفرغ حريرها لتموت ، أما الرجل فهو كالنحلة ينتقل من زهرة لزهرة متروضا و قد يطيل المكث على زهرة ناضرة ليمتص نضارتها منها و ماء حياتها ) .
أما مأساتها التى جعلت على محياها سحابة من الهموم بل و جعلتها تصاب بالإكتئاب الذى قضى على حياتها فى ريعان شبابها فهو زواجها ، لم يكن الزواج فى حد ذاته هو المؤدى لإكتئابها لكن الأحداث التى مرت بفترة زواجها هى السبب فى ذلك ، تزوجت ملك حفنى ناصف من رجل من أعراب ليبيا الذين يقيمون ببادية الفيوم و كان كبيرا فى السن ، تركت ملك القاهرة و ودعت حياتها المفعمة بالتحضر و المدنية و أقامت مع زوجها فى البادية و ارتدت العقال و أصبحت تكتب فى الصحف باسم ( باحثة البادية ) لكنها مرت بأصعب تجربة تتعرض لها إمرأة فى حياتها و هى إتهامها بأنها عاقر فقد مرت سنوات على زواجها و لم تنجب مما دعا أهل زوجها لمعايرتها و إتهامها بأنها عاقر خاصة و أن زوجها كان متزوجا قبلها و لديه فتاة من زوجته الأولى و ما زاد فى حزنها و تسبب فى إحباطها أكثر أن زوجها كان يشارك أهله فى معايرتها و إتهامها بالعقم .
وقف والدها بجوارها و عرضها على عدد من الأطباء داخل مصر و خارجها ، حتى فاجأها أحد الأطباء الأوروبيين بأن التحاليل التى أجراها لها أثبتت أنها سليمة و ليس عندها سبب لعدم الإنجاب و ربما يكون زوجها هو العقيم ، و تتوالى المفاجآت إذ تظهر الحقيقة حيث ثبت لها أن زوجها بعد إنجابه من زوجته الأولى أجرى جراحة أصابته بالعقم ، و تزوجها و هو يعلم أنه غير قادر على الإنجاب ، و كتبت فى الصحف تطالب بالكشف الطبى على الرجال و النساء معا قبل الزواج ، ثارت عليها موجة من الإحتجاجات من جانب الرجال و النساء على حد سواء حيث كانت تقاليد المجتمع فى ذلك الوقت لا تسمح بعرض البنات على الأطباء قبل الزواج و ربما بعده أيضا .
ذكرت بعض المصادر أنها تم طلاقها من زوجها بعد مواجهتها له و أصابها الإكتئاب و أصيبت بالحمى الأسبانية و ماتت فى أكتوبر 1918م مما أصاب والدها بالحسرة عليها فأصيب بالشلل و لحق بها بعد حوالى 4 شهور و ذلك فى مارس 1919م ، و هكذا ماتت ملك حفنى ناصف باحثة البادية قبل أن تتم 32 عاما ، كان ما يقرب من نصفهم ربيعا و الباقى خريفا ، و للأسف نسى الجميع قصتها و لم يبق من ذكراها سوى اسم يطلق على بعض المدارس و الشوارع و درس قراءة مقرر على الصف الخامس الإبتدائى .
المصادر :
كتاب حكايات مصرية (جمال بدوى) الهيئة المصرية العامة للكتاب 1997م .
موسوعة 1000 شخصية مصرية ( لمعى المطيعى ) .
موسوعة نساء و رجال من مصر (لمعى المطيعى) .
جريدة أخبار الأدب 9 أبريل 2016م .
جريدة الأهرام 22 نوفمبر 1998م .
جريدة القاهرة 13 ديسمبر 2011م .