بقلم صلاح شعير
تعد المنتجات الثقافية من أدوات الدبلوماسية الناعمة لبناء الإنسان في الداخل، وأهم وسائل الغزو الثقافي، والتآثير في الآخر، سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وذلك من خلال المنتجات الثقافية، وخاصة الإنتاج الفني، والإعلامي، وذلك قد يؤدي بالضرورة إلي التوغل في المحيط الإقليمي، ومن ثم الانتشار الاقتصادي حال قدرة الدولة علي توظيف هذا الانتشار، بمنتجات سلعية وخدمية قابلة للتصدير، وحسب حاجة السوق.
وللدبلوماسية الناعمة الناجحة وجهان للتآثيير الاقتصادي، الأول غير مباشر ويتمثل في تهيئة الأسواق الدولية نفسيًا للاستقبال المنتجات المصرية المتنوعة، والأثر الثاني مباشر، ويتمثل في تصدير المنتجات الفنية، كالسنيما، والدراما، علاوة علي المنتجات الإعلامية.
أولا: المنتجات الثقافية والفنية:
تتميز المنتجات الفنية بتعدد مجالاتها، وتأتي السنيما والدراما، والمسرح، والأغنية، في صدارة هذه المجالات، علاوة علي المنتجات الورقية المكتوبة في مجالات الأدب، كالشعر والرواية، والقصص القصيرة، والصحف، وغيرها، ومن ثم يمثل هذا الكم هيكلًا كبيرًا في صناعة الثقافة المصرية بصفة عامة، وتستقطب هذه الأنشطة عشرات المليارات من الجنيهات، سواء في الأنشطة المباشرة، أو في الصناعات المغذية لها، ولذا يعد تطوير هذه الصناعة وفقا للمعايير الاقتصادية من الأمور الهامة، والمبشرة، وذلك حال تفعيلها وفقًا للأساليب العلمية في الإدارة.
ونظرًا لتعدد المجالات، وكثرتها سوف يتم تناول السينما المصرية من منظور اقتصادي، وأن ما ينطبق عليها بالضرورة سوف ينطبق علي باقي المنتجات الفنية الفنية تقريبًا.
وعموماً تمثل المشاريع الثقافية في الكثير من دول العالم مصدرًا هامًا من مصادر الدخل القومي القومي، وخاصة صناعة السينما حيث يبلغ قيمة العائد من هذه الصناعة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها مئات المليارات، وترجع أهمية هذه الصناعة أنها تشمل أبعاداً اقتصادية، وثقافية تكمن في نشر ثقافة، وفكر الدول المنتجة لها، وسوف يتم طرح السينما كنموذج اقتصادي.
السينما المصرية
بعد أول عرض سينمائي تجارى في باريس خلال ديسمبر 1895 م ، استقبلت مصر فن السينما بالعام التالي في مقهى (زوانى) بمدينة الإسكندرية في يناير 1896م، ثم مدينة القاهرة في 28 يناير 1896م في سينما (سانتى)، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898م واعتبر 20 يونيو 1907م، هو بداية الإنتاج السينمائي المصري.
ويري الخبراء أن العصر الذهبي للسينما المصرية كان ما بين عام 1940 و حتى 1970، ففي عام 1949 كانت مصر تمتلك 244 داراً للعرض السينمائي ارتفعت في عام 1976 إلي 296 داراً، وقد شاركت مصر في المهرجانات الدولية بنحو 117 فيلمافي تلك الفترة.
وقد بلغت الأفلام المنتجة حتي عام 1971 نحو 416 فليماً،50% منها قطاع عام، 40% قطاع خاص، و10% تمويل عربي لشركات مصرية مشتركة، وتوقف القطاع العام عن الإنتاج عام 1971 نتيجة خسائر قدرت 8 مليون جنيه، وصدر قرار بتحويل المؤسسة العامة للسينما إلي هيئة عامة بعد ضم المسرح والموسيقي إليها، ورغم ذلك ظل متوسط الإنتاج كما هو بمعدل 50 فليما سنويا.
وكانت بشائر عودة الدولة للإنتاج السينمائي مع بداية مدينة الإنتاج الإعلامي وقدم قطاع الإنتاج السينمائي 28 فيلماً، وفي عام 2001 ظهر جهاز السينما ووفرت له إمكانيات مناسبة، وقد أنتج مجموعة محدودة من الأفلام، أخرها فيلم “واحد صفر” لإلهام شاهين. وبلغت ذروة المأساة في عام 2012 حيث كانت إيرادات جهاز السينما نحو 15 مليون جنيه فقط مقابل مصروفاته التي بلغت 26 مليون جني . وقد شهد عام 2015 بمصر إنتاج 24 فيلمًا من قبل القطاع الخاص. وهذا التراجع يعكس مدي التراجع الاقتصادي، والثقافي لمصر.
مقارنة إيرادات السينما المصرية بالدولية
أصبحت صناعة السينما في مصر شبه مشلولة، وفي يد بضع أفراد بعضهم يدمر القيم المصرية، ورغم هبوط الذوق العام لم تحقق صناعة السينما المصرية سوي 200 مليون جنيه إيرادات في عام 2012، حيث تم إنتاج وعرض29 فيلما سينمائيا فقط، وذلك حسب تقديرات غرفة الصناعة المصرية وكانت حصيلة الإيرادات للسنميا المصرية عام 2015 نحو 160 مليونا من الجنيهات، وبإجراء بعض المقارنات مع التجارب الدولية الناجحة سوف يتم استشعار حجم هذا التراجع، من التجارب التالية :
· السينما الهندية: السينما الهندية انطلقت في 3 مايو 1913بعد السينما المصرية بسبع سنوات ، إلا أنه تطورت بصورة سريعة ،وبلغ حجم إنتاج صناعة السينما الهندية حتي عام 2012م نحو 800 ألف فيلم حسب الاتحاد الهندي للغرف التجارية والصناعة، وبلغ حجم إيرادات صناعة السينما الهندية نحو122.4 مليار روبية ( نحو2.2 مليار دولار) أي نحو 14 مليار جنيه مصري، وذلك وفقا لبيانات عام 2012.
· السينما البريطانية: صناعة السينما في بريطانيا تسهم في الاقتصاد بما يعادل 6,5 مليار دولار لذات العام
· واقع السينما الأمريكية: تاسست عام 1895، ومنذ ذلك الوقت تصدرت الولايات المتحدة من هوليود السيطرة علي هذه الصناعة، واستطاعت صناعة السينما الأميركية أن تحقق عائد قدره 11مليار دولار أمريكي عام 2013م بعد عرض 669 فيلماً في دور السينما المحلية علاوة علي صادرتها السينمائية إلي باقس بلدان العالم. وهذا التراجع في الإنتاج حول المؤسسات الإنتاجية، والكوادر البشرية إلي طاقة عاطلة في كل من جهاز السينما، وغيرها من منشأت متخصصة، علاوة علي الكوادر البشرية من المخرجين والمصورين وكتاب السيناريو والممثلين وغيرهم.
تراجع مدينة الإنتاج الإعلامي: كانت المدينة من أبرز المشروعات الواعدة في مجال الفن، والإعلام، حيث تم إنشاء استوديوهات فنية علي مستوي عال، وتضاربت التقارير حول حجم التكلفة الفعلية للمدنية، ورغم هذا الثراء أخفقت المدينة في تحقق الأهداف المرجوة، فعلي سبيل المثال، وطبقاً لميزانية 2009م بلغت أجمالي الموجدات 2,455 مليار جنيه وبلغ صافى الربح مبلغ 76 مليون جنيه، وهذا يعني أن 2,5 مليار حققت أرباحاً قدرها 76 مليون جنيه أي بمعدل ربحية 3.13 % وهذه نسبه ضئيلة جداً لا تناسب هذا الحجم الاستثماري الضخم، ومع هذا كانت الميزانية غير معبرة عن الحقيقة حيث تم تسجيل مبلغ 26 مليون جنيه ضمن الأرباح تبين فيما بعد أنها لا تخص الفترة، مما يعنى أن صافي ربح عام 2009م هو 70,8 مليون جنيه، و بالتالي معدل الربحية على إجمالي رأس المال المستثمر هو 2.9 % وهي نسبة ضئيلة.
ومن ثم تراجع الدور الاقتصادي والثقافي المصري جرّاء هذا التدهور، وهذا الدور كان يترجم اقتصادياً كنوع من الدعايات للسياحة، وخلق نوع من الريادة تسهم فى دفع رجال الأعمال لتفضيل التعامل التجاري مع الصناع المصريين.
أسباب التراجع في الإداء:
من أخطر ما يوجه صناعة السينما والدراما هي ظاهرة النجم الأوحد، والتي توظف كل الطاقات في خدمته، وهذا يحرم الوسط الفني من كفاءات وكوادر هائلة، علاوة علي المحسوبية، وهلامية المعايير في لجان إجازة النصوص الدرامية، وغيرها من فساد إداري ومالي، أضف إلي ذلك سرقة وعرض الإفلام علي شبكة الإنترنت نت مما يؤثر علي حقوق الملكية الفكرية بالسلب.
إن هبوط المستوى الفني دفع بعض الدول العربية إلى الإعلان صراحة عن عدم تفضيل قضاء رعاياهم للرحلات السياحية في مصر لقد تحول الهبوط في المستوى الفنى إلى نوع من الدعايات السيئة التي أضرت بالاقتصاد في ظل الفشل في تلبية الطلب على الفن الراقي، وترك الساحة الفنية بلا رقابة، كما أن العملة الجيدة التي توقع الكثيرين أن تطبعها الآلة الدرامية بالمدينة كانت شحيحة فظل الباب مفتوحاً على مصراعيه دون رقيب، مما أسقط جزءًا لا يستهان به من الدور التنويري للفن الذي طالما ما اطلعت به مصر لعدة عقود.
نماذج عالمية للنهوض بالسنيما: وعقب الانهيار الاقتصادي الكبير الذي حدث عام 1930، انخفضت عائدات صناعة السينما الأمريكية من 720 مليون دولار في 1929 إلى 480 مليون دولار في 1933، أدي هذا الأمر إلي لجوء بعض الشركات إلى الاندماج مع بعضها البعض، أو حتى التوسع في حجم الأعمال الفنية ذات الإنتاج المشترك بين أكثر من شركة، لتقليل مقدار الخسارة التي سيتسبب فيها الركود الاقتصادي، ومن هذه الشركات شركة 20 Century Fox films وهي واحدة من استوديوهات الأفلام الأمريكية الرئيسية الستة، والتي تأسست عام 1915 وحدث الاندماج بين شركتي 20 Century و Fox films بعد الانهيار الاقتصادي الأول في الثلاثينات، وشركة Columbia للإنتاج والتوزيع والتي تأسست عام 1924 بكاليفورنيا، استحوذت عليها شركة Sony في عام 1989. مر علي هذه التجربة 84 عاما ولم يلتفت إليها أحد مصر، ومازال المنتجون بمصر يعملون بطريقة فردية.
ثانيا الإعلام:
الأهداف السياسية والاقتصادية هي المحرك الأول للرسالة الإعلامية لدي أي مؤسسة إعلامية، وتتنوع الرسائل الجماهيرية في كل الفترات بما يتفق مع أهداف المسيطرين علي الإعلام في أي مكان بالعلم، وقد حسمت مصر هوية الإعلام المصري بعد ثورة 1952 ليكون إعلاما حكومياً خالصا بما له، وما عليه، إلى أن جاءت فترة الخصخصة، وفتح الباب مرة أخري للإعلام الخاص علي مصراعيه مرة أخري.
ومازال التأرجح قائمًا بين ضرورة تقوية إعلام الدولة أو تحرير الإعلام برمته، وفي خضم هذا الصراع برزت مشكلة عشوائية الأداء، حيث عمدت بعض المنابر الإعلامية الخاصة إلي تسويق بعض الأفكار الاقتصادية التي تخدم مصالها، دون ترك مساحة حقيقة للرأي الاخري، وبطريقة انتقائية يتم طرح قضايا محددة من خلال بعض البرامج دون غيرها.
وفي الإعلام الفضائي سيطرت بعض الفضائيات الخاصة علي الرأي العام، والفن، والرياضة بصورة لافته، وذلك خصمًا من الرصيد الحكومي في مجالات الإعلام، وسوف يتم عرض دور الفضائيات كنموج إعلامي.
الإعلانات تؤثر علي الرسالة الإعلامية:
لم تؤدي الفضائيات المصرية دوراً تنويرياً بالقدر الكافي كما كان يعول عليها، وحسب بعض التقديرات أن أكثر من ثمانين قناة فضائية شهيرة تقدم رسائل مكررة، وغير مهنية في الكثير من الحالات، بيد أن المشكلة الحالية هي في كيفية تمويل هذه الفضائيات الخاصة، ومكن الخطورة في أن الإعلانات هي المصدر الأول في التمويل، ومن ثم خضوع الرسالة الإعلامية لشروط المعلن بوصفه الممول، والمحرك غير المباشر للسياسات الإعلامية، والتي أصبح بعضها يسير وفقًا لرغباته، سواءً لآهداف اقتصادية، أو سياسية، وهذا هو مكن الخطورة، لأنه من المحتمل أن تتحكم قوي داخلية أوخارجية في تهئية الرأي العام حسب مصالحها، ومن الوارد أن تكون بعض هذه الأهداف ضد الصالح العام، أو لعرقلة النظام السياسي القائم.
وسوف يظل الإعلان في شق منه مقابل تسويق الأشخاص كما في البرامج التحريرية المباعة، أو لتسويق الأفكار، وفور سقوط هذا المصدر من أي قناة فضائية سوف يتوقف إرسالها فوراً إذا كان هو المصدر الوحيد للتمويل.
وتلجأ بعض القنوات إلي وسائل متعددة للحصول علي تمويل، ومنها عائد رسائل sms) ) والمكالمات التليفونية، التي يدفع تكلفتها المرسل أو المتصل، وتقسم تكلفتها ما بين شركة الاتصالات وهذه الفضائية، والمشكلة هنا تكمن في استدراج المشاهد للمشاركة في مسابقات بعضها وهمي، أو في إتصالات يتعمد فيه المسئولون علي إطالة المدة وخداع المتصل ليظل علي الهاتف ينتظر من يرد عليه لإبدأ الرأي دون جدوي، كنوع من استنزاف المشاهد.
أما الصورة الأكثر قتامة تتمثل في بروز بعض القنوات التي تقوم بدور القواد الفضائي، وهي قنوات مصادر تمويلها تعتمد علي علي رسائل sms ، بهدف التعارف الجنسي بين المتصلين، علاوة علي قنوات أخري تمارس دور القمار الفضائي، والتي تعتمد على طرح أسئلة في منتهى السذاجة، للفوز بجوائز وهمية، علاوة علي الإعلان عن السلع الوهمية، وتسويق بعض المشعوذين والسحرة، وهذا أخطر مسلك للإعلام الخاص.
التسلط علي الحكومات: وفي بعض الأحيان تصبح بعض الفضائيات الخاصة كأنها السيف المسلط علي رقاب المسئولين عبر طرح قضايا في ظاهرها جوهرية، ولكن هذا الطرح ياتي أحيانا في إطار التجمل، أو لكسب بعض المشاهدين الجدد، وهذا لا غبار عليه، أما مكن الخطورة يتمثل في الضغط علي الوزراء أحيانا لتقديم تسهيلات غير مبررة لصالح بعض الرأسماليين، أو لغسيل أدمغة بعض متخذي القرار من أجل التسويق لبرامج اقتصادية مغلوطة، وربما يتفق بعضها علي تغيب بعض القضايا السلبية التي تخص رأس المال المحتكر، أو قضايا الاستيلاء علي أرض الدولة، أو مشاكل التهرب الضريبي التي يضرب السياسية المالية والاقتصادية للدولة في مقتل، والتي قدرت حسب بعض الخبراء بمبلغ 30 مليار جنيهًا مصريًا سنويًا، وهذا المبالغ لو حصلت سوف تكون كفيلة بحل مشاكل التكدس في المدارس بالتوسع فى بنائها وحل مشاكل العلاج بالمستشفيات العامة.
الكثير من البرامج في الفضائيات تتعمد إغفال قضايا انتهاك حقوق العمال في القطاع الخاص، في الوقت الذي تجدها تذهب مهرولة إلي مشاكل العمال في الجهات الحكومية سواء كانت شركات أو هيئات حكومية بهدف إيجاد مادة ثرية للإثارة تجذب الانتباه من أجل الإعلانات ؟
كم قضية تخص العمال داخل القطاع الخاص تم عرضها؟ مع أن هناك فصلاً تعسفيا واستقالات تقدم علي بياض قبل استلام العمل، وعمليات تخلص جائر من العمال إذا زادت مرتباتهم، ليتم استبدالهم بآخرين بمرتبات أقل؟ كذلك يوجد من يعمل بدون تأمين اجتماعي، وصحي داخل منظومة القطاع الخاص.
ينكر الاقتصاد الحقيقي التمييز بين طبقة على حساب أخرى، فهو كما يؤكد حق رب العمل في الحصول على فرصته العادلة في الاستثمار يحرص على حصول العامل على حقه في الأجر، هي معادلة تضمن لكل ذي حق حقه، إن ما يحدث في الكثير من الأحيان فى القنوات الخاصة له آثار اقتصادية سلبية جمة.
العبث بالعلاقات العربية: كنموذج علي هذا المنحي الخطير يأتي التناول الإعلامي لبعض القضايا بأسلوب غير مسئول، ومثال علي ذلك: عند تغطية مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر – في تصفيات كأس العالم عام 2010م في مباراتي القاهرة والخرطوم، قامت بعض الفضائيات المصرية بشحن الأجواء بصورة غير مبررة، وبطريقة سلبية تصب في اتجاه تمزيق فكرة القومية العربية، وبما يخدم أعداء الأمة، فكما أشعل الخلاف حربا إعلامية وسياسية واقتصادية بين البلدين كان يمكن أن يشعل حربا عسكرية لو أن هنا حدود مشتركة، لقد خلق الإعلام موجة عداء مع الجزائرين دون سبب منطقي.
ومن الناحية الاقتصادية قد أضرت التغطية المتهورة برجال الأعمال أنفسهم، وقد تعرضت شركة أوراسكوم المصرية في الجزائر إلي مشاكل عديدة، وتمت مقاطعة عدد كبير من السلع المصرية، وأحجم بعض الطلاب عن الدراسة بالمعاهد العلمية بمصر، وتوقفت بعض البعثات العلمية في الدراسات العليا بالجامعات، أضف إلي ذلك أن التراشق الإعلامي مع بعض الدول العربية حاليًا يأتي دون مبرر، ومن هنا نجد أن السلوك الإعلامي كانت له آثار اقتصادية سيئة؛ لأن كل سلوك سلبي له أثر اقتصادي فوري أو مؤجل، علاوة علي تكسير فكرة الدبلوماسية الناعمة عبر بعض وسائل الإعلام.
دور الإعلام في توجيه الاستثمار: لجأت بعض القنوات الفضائية إلى الدخول في سباق محموم من أجل الحصول على الإعلانات. ولذلك استقطبت المشهورين وبعض نجوم الكرة، وأحيانا الفن، والصحافة، لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وقد أنعكس ذلك علي الأجور، بأن صلت أجور بعض الإعلاميين إلي أرقام فلكية، بعضها تجاوز مليون جنيه شهريًا، وأصبح الإعلامي هو أكبر الرابحين في هذه القنوات، وأصبح كم الإعلانات في البرامج الرياضية أو الحوارية متلاحق، بصورة تفقد المتلقي تذكر مضمون الإعلان.
توجد إعلانات ذات آثار اقتصادية في منتهى السوء، لأنها تشجع، وتحرض الأطفال والشباب على كثافة الاستهلاك لمنتجات غذائية تعتمد في صناعتها علي مركبات كميائية، ومواد حافظة ضارة بالصحة، وبعضها يؤدي إلي الإصابة بالسرطان، مما أدى إلى زيادة الطلب على هذه المنتجات وحققت الشركات المنتجة لها أرباحاً طائلة، وأسفر ذلك إلى التوسع الاستثماري في إنتاج سلع استهلاكية ضارة على حساب سلع ضرورية وهامة.
تكمن خطورة الإعلانات الفضائية في أنها تعتمد على أساليب السينما في الإخراج، والإبهار، وجودة الصورة من أجل ترويج منتجات التخسيس، والتجميل بصورة تأتى بنتائج سلبية على الصحة والمال، هناك احتراف في عرض مزايا مزايا وهمية لسلع رديئة.
سقوط الكثير من الفضائيات مستقبلا: وسوف تشهد الفترة القادمة سقوط بعض القنوات الخاصة لأسباب مالية أو انتقال ملكيتها نتيجة تعثر مالكوها مادياً أو رحيلهم وتقسيم التركة على الورثة، وهذا يؤكد هشاشة المؤسسات الإعلامية الخاصة، التي لا يمكن أن تتوغل في التآثيير فى ظل إدارة إعلام الدولة وقنواتها الفضائية بطريقة علمية.
فقد بلغت ديون بعض القنوات الفضائية بمصر عام 2012 بأكثر من100 مليون جنيه وارتفعت إلي مائتين وخمسة وعشرين مليون جنيه حتى تاريخ 30 يونيه 2014.وحسب بعض التقديرات أن الديون المستحقة على الفضائيات وصلت إلى أكثر من 500 مليون جنيه للقنوات الخاصة والحكومية.
فساد بعض الإعلاميين: يضرب الوسط الإعلامي سلسلة من حوادث الفساد فقد ألقت المباحث العامة في ٢٧ ديسمبر 2005 في القضية رقم ١٢٢٢ لسنة ٢٠٠٥ أمن دولة علي أحدي مذيعات التليفزيون المصري بتهمة الحصول علي منافع مادية وعقارية وأراض من بعض المسئولين بالجهاز الإداري بالدولة والمتهم أحد روؤساء جهاز مدينة ٦ أكتوبر، وتبين صحة المعلومات. وهناك العديد داخل المؤسسات والصحف القومية حولوا إلي النائب العام بعد ثورة 25 يناير2011، وبعضهم وصلت ثروته إلي ثلاث مليارات جنيه جرًاء استغلال منصبه.
مؤسسات لدعم الإعلام
الشركة المصرية للأقمار الصناعية : تولد أملاً لدي البعض في أن تحقق الشركة المصرية للأقمار الصناعية النايل سات التى أنشئت عام 1996 نوعاً من الريادة الإعلامية، فقد أطلقت الشركة عدة أقمار متتالية نايل سات 101 عام 2000 ثم قمر 102 ثم إطلاق القمر الصناعي المصري نايل سات 2010، وذلك بهدف تأكيد قدرات مصر الإعلامية فى مجال البث الفضائي لدعم مركز مصر التنافسي في هذا المجال الاستراتيجي باقتحام آفاق جديدة يحققها القمر من خلال إمكانات تكنولوجية فائقة تلبى الاحتياجات الفنية حتى 15 عاما قادمة. ويغطى القمر الجديد كامل المنطقة العربية والشرق الأوسط وجنوب أوروبا وجنوب السودان ومنابع النيل ويستطيع إتاحة أكثر من 500 قناة فضائية جديدة فضلا عن 560 قناة حالية.
أهمية دخول مصر عصر مجالات الفضاء : هناك حاجة ملحة لوجود مشروع فضائي مصري بالمعني الشامل ، ليحقق لمصر عدة مزايا منا بإيجاز شديد ما يلي:
· فعلي المستوي التكنولوجي : وذلك بإتاحة الفرصة للكوادر المصرية بالتعامل مع تكنولوجيا الفضاء، فامتلاك التكنولوجيا، والقدرة على بناء الأقمار الصناعية ذاتيا، يعزز القدرة العلمية على بناء منظومات صناعية أخري، ويترتب على ذلك من قيام الصناعات المغذية مثل (الطاقة الشمسية – المستشعرات – التحكم – البصريات – أجهزة الاتصال) وتحديث الصناعة الحالية وتحفيز البحث العلمي وخلق طلب حقيقي على البحث العلمي. كما أن تعزيز هذا التوجه سوف ينشأ عنه صناعة محلية قادرة على إنتاج واختبار المكونات الصناعية بدرجة جودة فضائية، ما يرفع مستويات الأداء والإنتاج بصفة عامة، إن مصر إذا نجحت فى هذه المهمة ستستطيع بعد ذلك تصدير تكنولوجيا الفضاء، والتكنولوجيات المتعلقة بها؛ إذ ستتمكن من الدخول فى برامج مشتركة للتصنيع الفضائى على المستويات العربى، والإفريقي والمتوسطي.
· وعلي الصعيد العسكري: تستطيع تكنولوجيا الأقمار الصناعية حال استخدمها من توفير بيانات، ومعلومات إستراتيجية هامة للأمن القومي المصري، فعن طريق القمر الصناعي يمكن استطلاع المناطق الحساسة التى لا تظهر فى الصور التى تلتقطها الأقمار التجارية، كما أنه يتيح لنا امتلاك إمكانية التصوير الفضائي إذا حُجبت الصور عن مصر، وخاصة أن إسرائيل تستحوذ على المجال الفضائي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط بالكامل.
· ومن الناحية الاقتصادية : يمكن تحقيق معدلات نمو تسمح بتشغيل عمالة مصرية، وتنشيط حركة السوق، وأن ما حققته الشركة المصرية للنايل من أرباح قدرت عام 2009 قدرها 36,980مليون دولار أمر لا يذكر إذا ما قورن بالفوائد الاقتصادية الكبيرة إذا اتجه هذا المشروع نحو الاستقلالية الصناعية، فمن الأهداف الطموحة لبرنامج الفضاء المصري، أنها تمكن البلاد من الدخول فى مجالات الطيران والأفيونكس، وهى مجالات من الممكن تحقيق إنجاز فيها إذا تبنت الدولة هذا التوجه والدخول في مجال الطيران.
المشروع الفضائي المصري: أن شراء الأقمار الصناعية لا يلبي الطموح الوطني، وليس ذلك هو معيار النهضة الفضائية، فالمعضلة هي إنتاج الأقمار الصناعية محليا، وغزو الفضاء بواسطة علماء مصريون، وقد توقف المشروع الفضائي المصري عام 2007م. ويري البعض إن مصر تستطيع تصنيع قمر صناعي 80% من المكون المصري بنهاية عام 2017، وأن نجاح مصر في هذه المهمة يتوقف بنسبة كبيرة على استمرار وتطوير برنامج الفضاء المصري الحالي الذي نجح في تحقيق هدف نقل تكنولوجيا الأقمار الصناعية، ويجب أن يعمل خلال الفترة القادمة على توطين هذه التكنولوجيا. ومن المبشر انه تم إحياء المشروع الفضائي، بأن تم الانتهاء من جميع الإجراءات اللازمة لإصدار قانون جديد لإنشاء وكالة الفضاء المصرية، أحد أبرز وأهم المشروعات القومية،. وهذا الطموح يجب أن ينتقل من الورق إلي حيز التنفيذ الفعلي.
الحلول المقترحة
1 – في مجال الإنتاج الفني
· تطبيق فكرة الاندماج بين شركات الإنتاج الفني بالقطاع الخاص
· بناء دور عرض سينمائية: وذلك بالمركز والمدن الجديدة بكثافة، علي أن تصمم هذه الدور بحيث تكون صالحة للعرض المسرحي أيضا لتحقيق أقصي استفادة ممكنة.
· القضاء علي ظاهرة الاحتكار والاستعانة بالشباب
· عودة الدولة للإنتاج: وذلك برصد ميزانية كبيرة تدار عبر متخصصين بعيدا عن أي اعتبارات حتى يصبح المنتج الفني في خدمة السوق المحلي والدولي، عن طريق خطط إنتاج تفصيلية ، بأن تحدد ميزانية لإنتاج خمس أعمال عملاقة عالية التكلفة، وعشرين عملا متوسط التكلفة، 30 عملا منخفض التكلفة، مع جودة فنية عالية.
· لإلزام شركات تكنولوجيا المعلومات المتخصصة في مجالات بيع خدمات الإنترنت للجمهور بدفع 1% من قيمة فواتير الإشتركات بحد أدني واحد جنيه عن كل فاتورة، وذلك مقابل استخدام المنتجات الفنية علي شبكة الإنترنت، لصاح دعم الإنتاج الفني
2 – في مجال الإعلام
· تطوير الإعلام الحكومي : بات من الضروري أن تسيطر الدولة علي الإعلام مرة أخري، لحماية المجتمع، وذلك بعودة وزارة الإعلام وفقا أساليب علمية وبإعلام حقيقي.
· وضع ميثاق شرف: يحتاج الإعلام المصري إلي ميثاق شرف يحظر عدم المساس بالعلاقة العربية والإقليمية والإسلامية والوحدة الوطنية، التركيز علي الجوانب الأخلاقية للسلوك في كل المجالات، ومحاربة التعصب الرياضي، ومحاسبة المخالفين لذلك الميثاق قانونيا بعقوبات رادعة، وبما لا تؤثر علي علي حرية الإعلام.
(من كتاب النهوض بالمدن المصرية الجديدة – لصلاح شعير – والذي ينشر لأول مرة إلكترونيا وعلي حلقات)
المصادر والمراجع
صلاح شعير، مدينة 6أكتوبر والاقتصاد المصري، القاهرة، 2011، ط 1
– موقع البورصة المصرية ، تاريخ الدخول للموقع 12/10/2014 / http://www.egx.com.eg
– محمد بهى الدين عرجون أستاذ هندسة الطيران والفضاء بكلية الهندسة