عاممقالات

حرية المرأة بالعالم العربي والمشاركة السياسية

بقلم صلاح شعير
حواء نصف المجتمع ، خلقت لتكون زهرة الحياة وقنينة العطر فيها ، بشرط يمر أريج أنوثتها عبر بوابة الفكر ، فإذا كان الرجل يمتلك العضلات المفتولة ، فهي تمتلك العاطفة الجياشة ، والغريزة مشتركة بين الطرفين ، وحسب المنطق يبقي العقل هو الفيصل لحسم من هو الأحق بمقعد البرلمان ؟ ولكن هل الديمقراطية تسير علي هذا النحو ؟ أو كان التنافس في عالم السياسية يمر عبر الاحتكام إلي سلامة المنهج العلمي لدي كل جنس ؟

تعول المراكز الحقوقية علي الشق السياسي لقياس حرية المرأة العربية ، ووفقا لهذا المؤشر كان متوسط مشاركة حواء في برلمانات العالم 20 % حتى عام 2012م ، وهذا يعني وفق أداوت القياس أن المساواة بين الجنسين مازالت بعيدة المنال ، فالمعوقات تعرقل عملية الوصول إلي نقطة التعادل السياسي .

الأعباء الاجتماعية تقيد خطوات المرأة في عالم السياسية 

ربما يكون من الخلل إهمال الجانب الاجتماعي عند قياس مؤشرات الحقوق السياسية وخاصة ظاهرة العنف ضد المرأة ، فحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في بلدان متعدّدة وجد أن 15% إلى 71% من النساء أبلغن عن تعرضهن للعنف في مرحلة ما من حياتهن، ومورس ضدهن عنفاً جسديًا أو جنسياً مارسه من قبل الأشخاص الذين يعاشرونهن ، هذا بخلاف العنف من الأشخاص الذين لا يعاشروهن علاوة علي العنف اللفظي والسباب بأفظع الشتائم .

كما أن غالبية البلدان العربية لا تهتم بمكافحة العنف ضد المرأة ، فقد نشرت مؤسسة “تومسون”، “رويترز” أن “مصر هي أسوأ البلدان بالعالم العربي ، وجاءت بعدها العراق مع أن النساء يشغلون فيها نحو 25% من مقاعد البرلمان ، ثم السعودية التي خصصت 20% من مجلس الشورى للسيدات ، ثم سورية واليمن ، في حين جاءت “جزر القمر” كأفضل دولة في معاملة المرأة بالعالم العربي علي الرغم من أن مشاركة النساء في البرلمان لا تتجاوز 3% من المقاعد ، ويليها سلطنة عمان التي تشارك نسائها في البرلمان بنسبة 1% ، ثم الكويت والأردن ، ثم قطر التي لا يوجد بها مشاركة برلمانية ، وتوضح المفارقة أن الدول العربية التي تفخر بارتفاع عدد النساء بالبرلمان هي ذات الدول التي تعاني فيها المرأة من العنف .

وبمقارنة الوضع الاجتماعي للمرأة العربية بمثيلتها في الغرب وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية سوف نكتشف مفاجأة ، فهناك 79% من الزوجات الأمريكيات تعانين من الضرب المبرح ، ويقتل بها 4 آلاف سيدة سنويا على يد أزوجهن أو على يد من يعيش معهن ، وفي تقرير للوكالة الأمريكية المركزية للفحص والتحقيق ، وجد أنه كل 18 ثانية تضرب زوجة من زوجها ، كما أن معدلات الطلاق 60% ، وهذا بخلاف حالات الإجهاض المرتبطة بالحمل غير المرغوب فيه ،علاوة علي الآثار الناجمة عن الانحراف السلوكي للأزواج ؛ كتعاطي الكحول والمخدرات ، وعدوى الأمراض المنقولة جنسياً مثل الزهري والسيلان والإيدز .
وفي إسرائيل يوجد أكثر من 200 ألف من النساء اللواتي تعرضن للعنف ، و60% من الإسرائيليات وقعن ضحايا للاغتصاب وهن دون سن الـ 18، وكانت نسبة 88% من منفذي الاعتداءات هم أشخاص على معرفة مسبقة بالضحية.

وبسب العنف و الطلاق يتأثر الأطفال بالمشاكل الاجتماعية وتنقل إليهم الاضطرابات السلوكية بسبب هذا الخلل ، ومن ثم فأن معيار المشاركة السياسية كمقياس لحرية المرأة يعد مؤشراً مضللاً وغير دقيق ، فلا يمكن لامرأة تعاني من هذا الكم من المشاكل أن تمارس السياسة .

تدهور الحقوق الاقتصادية للمرأة يحرمها من الاستقلالية

بسبب البطالة والعوز تصبح المرأة العربية في أحيان كثيرة مجرد تابع للرجل ولا تستطيع ممارسة السياسية ، لأنها تحتاج إلي نفقات طائلة ، فالمال السياسي هو أحد آليات الوصول إلي قبة البرلمان ، والمرآة بالشرق الأوسط تعاني من الفقر ، فمعدلات البطالة بين النساء الراغبات في العمل تبلغ 40 % في كثير من بلدان المنطقة ، وهي نصف المعدلات العالمية.
وأيضًا لا تتمكن النساء من المنافسة داخل أسواق العمل ، كما أن بعض السيدات العاملات يعولن أزواجهن أو يشاركن الرجل التزاماته المالية .

وجزء من المعضلة في أن قوانين العمل غير منصفة ، فالإحصائيات الدولية تؤكد أن الأقطار العربية تشغل عالميا أول تسع مقاعد في سوء معاملة المرأة من خلال التمييز في القوانين واللوائح ، وكمثال جاءت الكويت ورغم الثراء النفطي عام 2014 م في المرتبة رقم 11 عالميا والتاسعة عربيا ، من حيث التفرقة في العمل بين الجنسين .

وبمقارنة الوضع الاقتصادي للمرأة في العالم العربي بشقيقتها بالدول الغربية ، سنجد أن نسبة تشغيل النساء قد ارتفعت من 54 % سنة 2000 إلى 57 % في 2012. بحسب فرانس برس ، ومع ذلك لم يسمح الفائض المالي بالولايات المتحدة الأمريكية للمرأة بالمنافسة السياسية الكاملة .
ومع أن نسبة مشاركة المرأة المغربية في البرلمان 17% وسبقت بهذه النسبة المرأة اليابانية التي تشغل 8% من مقاعد البرلمان الياباني ، وبالرغم من أن متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي باليابان 37,5 ألف دولار مقابل 7 ألاف دولار بالمغرب ، ، وكدليل آخر نجد أن المرأة الرواندية تشغل 64% من مقاعد البرلمان ، مع أن نصيب الفرد من الناتج القومي في رواندا نحو 1,45 ألف دولار في العام .

ولم تسمح التخمة المالية بدول النفط العربي للمرأة بالنفاذ السياسي ، وخاصة أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي بقطر 128,5 ألف دولار ، بالكويت 88 ألف دولار ، بالأمارات 59 ألف دولار في العام ، ولم يمنح الثراء للمرأة أي دور سياسي ، وحتى السعودية التي منحت النساء 20% من مقاعد مجلس الشورى تمنع المرأة فيها من قيادة السيارة .
يتضح بتلك المقارنة أن المعايير الاقتصادية لست هي العائق الوحيد في المشاركة فالبعد المالي في العالم بأثره لم يكن هو المؤثر الوحيد في تأهيل المرأة سياسيا لدخول مجالس النواب ، بدليل تذبذب النتائج بين الدول الفقيرة والغنية .

تدهور الحالة النفسية يؤثر علي ممارسة السياسية

يمثل العامل النفسي أحد الجوانب المهمة في القياس ، فلا يمكن لامرأة تفقد السلام النفسي أن تسعي للتفاعل السياسي ، وفي عالمنا المعاصر الصراع الداخلي في أغوار النفس البشرية مؤلم وقاسي ويؤدي إلي انتحار ما يقرب من مليون شخص سنويا ؛ بمعدل 30 حالة انتحار كل ثانية حسب مجلة ” ذي لا نست” البريطانية .

وبمقارنة المشاركة السياسية للمرأة في البرلمان السويدي نجد أنها تبلغ نحو 45% ، أي أكثر من ضعف المرأة السعودية التي تشغل 20% فقط ، ومع التقارب في الدخل بين البلدين ، وضحالة الحقوق السياسية للمرأة السعودية ، فأن الانتحار بالسويد من أعلي المعدلات بالعالم ، والانتحار بالسعودية من أقل معدلات بالعالم.

وفي الحالة السويسرية بالرغم من ارتفاع الوعي الثقافي ، وبلوغ نسبة التعليم 100 % تقريبا ، والدخل السنوي للفرد بها 59,2 ألف دولار ، إلا أن مشاركة المرأة في البرلمان السويسري 12% فقط ، ومعدلات الانتحار مرتفعة ، علي عكس المرأة المغربية التي تشغل 17% من مقاعد البرلمان المغربي ، في ظل مستوي تعليم منخفض جدا ودخل يكاد أن يلامس خط الفقر ، ومع ذلك فعدد المنتحرين بالمغرب 1628 نفس ، منهم 198 سيدة في عام 2012 م ، وفي مصر حالات الانتحار منخفضة ، وتقع في المرتبة الـ 181 عالميًا والـ11 عربيًا ، بالرغم من أن المشاركة السياسية للمرأة تكاد أن تكون ميتة بالتزامن مع تدهور التعليم وارتفاع نسب الفقر والبطالة
.ومن ثم تصبح العوامل النفسية جزء من أسباب عدم المشاركة السياسية في العالم بأثره ، ولكن بدرجات متفاوتة .

هل المرأة العربية رغم السلبيات أفضل من غيرها ؟

ومع تباين مستويات المعشية بين الفقر والرفاهية ، والتعليم والأمية ، لا يوجد اختلاف جوهري بين كافة دول العالم المتقدم والعالم العربي في التعامل مع المرأة ، فهي المقهورة فوق الأرض اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسًيا ونفسًيا ، وغالبا ما تستخدم الدول الكبرى قضايا المرأة كشعارات الهدف منها تحقيق مكاسب دبلوماسية وسياسية واقتصادية وعسكرية علي حساب العالم الثالث.

ومع كل السلبيات مازالت المرأة بعالمنا العربي أوفر حظا من غيرها ، فإذا كان مفهوم حرية المرأة لدي المتاجرين بحقوقها ينحصر عملياً في الإباحية والتعري ، فالدول التي منحتها هذا الحق ؛ هي ذات الدول التي تعاني فيها المرأة شتي أنواع القهر ، ورغم أطر الحرية الفضفاضة ، مازال هناك من يتعمد أن يتاجر بشريحة من النساء في سوق الرقيق الأبيض .

الرغبة الذاتية في عدم المشاركة

ودون أن ننكر أهمية كل العوامل السابقة في التأثير علي القرار السياسي للمرأة ، هناك عامل آخر هام ؛ ألا وهو العزوف الإرادي عن العمل بالسياسية ، فالكثير من النساء يكتفين برعاية الأسرة لأنهن ينجرفن بمشاعر الأمومة بعيدًا عن بريق السلطة ، وتلك الفطرة تجعل المرأة تفضل أن تعيش في عالمها الخاص بين أولادها وأحفادها ، فقمة العطاء الإنساني لديها أن تفني نفسها من أجل فلذات أكبادها ، وهي تقرر ذلك كثيرًا بمحض إرادتها رغم امتلاكها القدرة المادية والعلمية ، ودائمًا التسامي لدي الأمهات هو قمة العطاء البشري .


وسوف تظل كل التحليلات التي ترصد تلك الظاهرة منقوصة ، وغير معبرة ما لم يتغير سلوك أدام نحو حواء ، ليستبدل ثقافة الغطرسة و السيطرة برحابة المشاركة والتكامل ، وبغض النظر عن النسب المئوية والأرقام والمؤشرات ، فمتي أصبح العقل هو المسيطر والمحرك لسلوك البشر ؛ عندئذ سوف تتحرر المرآة ؛ لتروض القوة الغاشمة في قلب الرجل بسياج من الحنان بغض النظر عن مقاعد البرلمان .

( ملحوظة : مصدر البيانات الإحصائية البنك الدولي – نصيب الفرد من الناتج القومي لعام 2013 ، والمشاركة السياسية للمرأة لعام 2014)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock