شعر وحكاياتعام

باثور رئيس المخفر



باثور رئيس المخفر …

قصة : مصطفى الحاج حسين .

في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيس المخفر ، ( أبو رشيد )

يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ، عند باب المخفر ،

حيث كان يدخن ، ويتلهى بمراقبة القرية القريبة ، عبر

منظاره الجديد ، وإذ به يلمح رجلاً قروياً يتّجه إلى

العراء ، وحين ابتعد عن الأنظار ، تلفت يمنة ويسرة ، ثمّ

رفع ( كلابيته ) على عجلٍ ، قرفص ، وخلال دقيقة تناول

من قربه حصوة ، مسّح بها ثمّ نهض .

استرعى هذا المنظر ، اهتمام رئيس المخفر وفضوله ،

فصرخ على الفور ينادي ( الرقيب خليل ) ، ولمّا خرج

إليه ،

( خليل ) ، أمره قائلاً :

– إذهب إلى هناك .. وأشار بيده صوب القرية ، ناحية

القروي ..

– أحضر ذاك البدوي بسرعة .

امتطى الرقيب حصانه ، وانطلق صوب القرية

مسرعاً .

كان الرجل القروي ، قد اقترب من قباب القرية ، حين

ناداه الرقيب :

– قف .. عندك .. لا تتحرك .

انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي ، تلعثمت

كلماته :

– خير ياسيدي !! .. ماذا تريد ؟!

– امشِ قدامي إلى المخفر .. هيّا تحرك .

تضاعف الخوف في أعماق القروي ، وأراد أن

يستفسر :

– ولكن لماذا يياسيدي .. أنا لم أفعل شيئاً ؟! .

صاح ( الرقيب ) من فوق حصانه ، الذي لم ينقطع

لهاثه ، بعد :

– تحرّك ياكلب .. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي .

– لكن ياسيدي ..

لم يتركه يكمل كلامه ، فقد اقترب منه ، وهوى عليه

بسوطه .. صارخاً :

– تحرّك .

كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة ، والرقيب من

فوق حصانه ، يحثّه مرّة على العجلة ، ويسوطه مرّة

أخرى .

اقترب من رئيس المخفر ، فتطلّع الرجل إلى رئيس

المخفر بهلع ، بينما كانت مفاصله ترتعش .. رمقه رئيس

المخفر بنظرة صارمة ، ونهض :

– الحق بي إلى مكتبي .

حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل ، المرتعد

الفرائض ، أيقن أن جريمة فظيعة ، سوف تنسب إليه .

غير أن رئيس المخفر ، نظر إليه وابتسامة لزجة

ارتسمت تحت شاربيه :

– ما اسمك ؟ .

– أنا ياسيدي .. اسمي .. ( خميس ) .

– أريدك ياخميس .. أن تحدّثني بصراحة .

واندفع ( خميس ) ليقسم لرئيس المخفر ، وكان

الخوف قد بلغ ذروته :

– أنا والله لم أفعل شيئاً .

ابتسم رئيس المخفر ، أدرك أنه رجل ذو هيبة ، يخافه

الجميع :

– لقد شاهدتك وأنت تقرفص ( وتفعلها ) بسرعة .

علت الدّهشة وجه ( خميس ) همس كمن يقر بذنبه :

– نعم .. فعلتها .. لماذا أكذب ؟! .. ولكنني لم أكن أعرف أن

هذا ممنوع .

صرخ رئيس المخفر :

– اسمعني ياغبي .. لا تقاطعني .. الحكومة لا تمنع مثل

هذه الأمور ، لأنها لا تعتبر من الأعمال السياسية .

ثم استدرك محاولا شرح الموقف ، للمواطن

( خميس ) ، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن :

– أنت – فعلتها – بسرعة ، وأنا أمضي أكثر من ساعة في

المرحاض ، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع أن – أعملها

– مثلك ، بعجلة .. أنت لا تعرف كم أنا أعاني وأتعذّب كلّ

يوم .
بعد جهدٍ استطاع المدعو ( خميس ) أن يفهم

مايريده منه رئيس المخفر ، ولأول مرّه يزايله خوفه ،

ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه ابتسامة :

– أمن أجل هذا أرسلت في طلبي ؟! .

– نعم .

– بسيطة .. ياسيادة رئيس المخفر .. القضية في غاية

السّهولة .

وهنا استبشر رئيس المخفر ، خيراً ، فهتف بفرحة :

– كيف ؟؟؟؟؟ .. قل لي .. أرجوك .. فأنا أتعذّب .. وأضيع

معظم وقتي داخل المرحاض .

تضاعف شعور ( خميس،) بثقته بنفسه ، فها هي

الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها ، تلجأ إليه

وتستشيره ، في قضية على غاية من الأهمية .. لذلك

أجاب :

– أنا ياسيدي .. عندما أتضايق ، أحاول أن أؤجلها .. وكلما

تضايقت أضغط على نفسي ، حتى – أحمّصها – ، وعندها

أهرع إلى البريّة ، وخلال دقيقة أكون قد انتهيت .

ابتسم رئيس المخفر .. شعر بالراحة والسعادة ، أخيراً

سيضع حداً لهذا العذاب المضني ، وأقسم في أعماقه ، أن

يكافئ ( خميس ) إن نجحت وصفته هذه :

– إذاً عليّ أن – أحمّصها – ، أليس كذلك ؟ .

– نعم سيدي .

في اليوم التالي ، رفض رئيس المخفر أن يدخل دورة

المياه ، قبل أن يغادر ببته .. توجه إلى المخفر ، وهو

يشعر بالضيق بعض الشيء ، لكنه يبنفذ ماطلبه منه

( خميس) سوف – يحمّصها – .

وحين دخل إلى مكتبه ، استدعى كافة عناصره ،

كعادته ، ليشربوا الشاي .. لكنه سرعان مابدأ يتململ في

قعدته ، فوق كرسيه ، ومع هذا كان يردد بداخله :

– ليس الآن .. عليّ أن أنتظر ، حتى – أحمّصها – ،

( خميس ) قال لي هذا .

مضى كثير من الوقت ، وهو يثرثر مع عناصره ،

محاولاً كبح مؤخرته ، عن الانفجار .

أخيراً ، شعر بمغصٍ شديد ، مغص لا يقاوم ، كأنه

الطّلق .. نهض عن كرسيه ، حاول أن يتجاوز كراسي

عناصره بسرعة ، لكنّ صمام الأمان أفلت منه ، فها هو

وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة ، كانت ( ضرطته ) بقوة

انفجار قنبلة .. أحسّ بالخجل الشديد ، لم يلتفت صوب

عناصره ، الذين تغامزوا ، وضحكوا بعد خروجه .

وفي الممر .. ممر المخفر الطويل ، وقبل أن يصل إلى

بيت – الخلاء – حدث ما لم يكن في الحسبان ، لقد – فعلها

– في بنطاله .. ياللعار .

أقسم أنه – سيفعلها – في فم ( خميس) ، حلف أنه –

سيخصيه – ، سيدق رأسه ، سيرميه في الزنزانة ،

وسيجعله عبرة لكلّ الناس .

وبعد أن غير بذته العسكرية ، رمق عناصره بنظرات

حادة وصارمة ، أخرست ضحكاتهم المكتومة ، أمر

الجميع ، باحضار المجرم ( خميس ) .

خرجت كوكبة من رجال الشرطة ، هرعوا إلى

الاسطبل الملاصق للمخفر ، امتطوا جيادهم بسرعة ،

لكزوا الخيول ، فانطلقت محمحمة باتجاه القرية .

حاصروا بيت المدعو ( خميس ) ، صاحب النصائح

الكاذبة ، المخادعة ، داهم ( الرقيب خليل ) ، وبعض

العناصر ، القبّة الكببرة ، انطلقت صرخة ذعر من امرأة ،

كانت تغتسل عند العتبة ، حاولت أن تستر عريها ، لكنّ

( الرقيب خليل ) الذي حاول أن يتراجع ، كان يحدّق

بانشداه تام ، إلى هذا الجسد العاري المثير ، والذي تفوح

منه رائحة الصابون ، وبخار الماء السّاخن ..وتحيّرت

عيناه أين ستركزان النطر ، على النهدين الصاعقين ، أم

على الفخذين المكتنزين .

صاحت المرأة ، لتوقظه من دهشته ، واشتعال

شهوته :

– ماذا تريدون ؟! .

زأر ( الرقيب خليل ) ، المتأجج بشهوته :

– نريد .. المجرم ( خميس ) . صاحت وهي تحمي نفسها ،

بثوبها :

– هل صار زوجي ( خميس ) مجرماً .. ماذا فعل .؟!

ثم أردفت :

– هو ليس هنا .. غير موجود .. نزل إلى حلب .

مدّ ( الرقيب خليل ) رأسه أكثر ، ليستجلي المكان

بدقة ، وكانت نطراته تنهشان الجسد العاري ، رغم تستر

المنطقة المهمة بالنسبة له ، واستطاع رفاقه أن يدلفوا

جميعهم ودفعة واحدة ، إلى القبة الطينية ، تسبقهم

شهواتهم المتقدة بقوة .فصرخ ( الرقيب ) بوجه المرأة ،

ليطيل الوقت أكثر :

– إذاً فعلها زوجك ( خميس ) وهرب .. ولكني سأجده ،

وحق المصحف .. سأجده .. لن أتركه يفلت منّي .

شعرت المرأة بذعر شديد .. وكانت قد نسيت ماعليه

من عريّ .. سألت :

– ماذا فعل ( خميس ) .. أخبروني ؟!.

– المجرم خدع رئيس المخفر .. وهرب .

عندما عاد عناصر الشرطة ، بقيادة الرقيب ، إلى

المخفر ، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم

غريمه القروي ، ثار عليهم وراح يوبخهم ، لأنهم عادوا من

دون ( خميس ) ، مبالغاً بغضبه، لكي يواري خجله منهم ،

ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة توجه إليه ، من أحد

عناصره ، فقد عاد وأمرهم أن يخرجوا إلى الطريق ،

وينصبوا كميناً ، بانتظار ( خميس ) ، وأقسم لهم بأنه

سيعاقبهم إن لم يستطيعوا القبض عليه اليوم .

حين وصل ( خميس ) مكبلاً ، مدمى الوجه ، وممزق

الجسد ، وكان هو الآخر قد – فعلها – من شدّة خوفه

وهول ماتلقاه من ضرب مبرح ، حين قبضوا عليه ، بعد

أن نزل من السيارة ، العائدة من حلب .

ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد الشحوب :

– أتضحك عليّ ياصعلوك ؟! .

رد بصوت منكسر ، فيه من الخوف والرجاء الشيء

الكثير :

– ولكن ياسيدي .. أرجوك أن تدعني أشاهد البنطال .

استغرب رئيس المخفر طلبه هذا ، لكن ( خميس )

أصرّ وكرر رجاءه .. باحضار البنطال .

فأمر رئيس المخفر عناصره ، و على مضض منه ،

باحضار البنطال فوراً .

وحين أمسك ( خميس ) بالبنطال المبلول ، والكريه

الرائحة ، نظر إليه ملياً .. قربه منه .. تفحصه بشدة ،

تشممه .. وعاود الشمّ ، ثمّ مدّ أصبعه ، وأخذ من البنطال

عينة ، ورئيس المخفر وعناصره ، يراقبونه ، باندهاش

وحيرة ، ثم فاجأهم ( خميس ) حين وضع أصبعه وما

عليها من براز ، في فمه ، حيث لحس أصبعه ، تذوق

ماكان عليها ، ثم التفت إلى رئيس المخفر ، وقال:

– أنا قلت لك ياسيدي ، أن – تحمّصها – ولكنك ياسيدي ..

أنت للأسف الشديد ، قد أحرقتها ، وهذا ليس ذنبي . مصطفى الحاج حسين .
حلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock