الغدير تساؤلات بين الدين والسلطة
١٨ذي الحجة ١٤٣٧ هـ٢٠ ايلول ٢٠١٦ م
……………………………………
بقلم : سيدمحمد الياسري
قد تثير بعض التساؤلات حفيظة بعض الناس ، وقد يرى بعضهم ان اي تساؤل نحو مسألة الغدير يثير مشكلة تاريخية لاتحل لكثرة العقد التي كلما تقدم الزمن لاتحل العقد بل تزداد ، ويزداد حولها الشكوك والقلق انها لاتحل ابدا ، وكأنها مشكلة ازلية ، واعتقد ان السياسة هي التي عمقت ذلك ، الى يومنا الحاضر ! التي جعلت الولاية مسألة يصعب الاعتراف بها !
لعل من ابرز ما طرح من تشكيك في الولاية هو بالعهد الاموي ، ليس الهدف من التشكيك اثبات صحة خلافة ابوبكر وعمر وعثمان ( رض) لانها بمجمل القول ان رفضوا الولاية صحت خلافتهم بلا شك ! لانهم اصلا حملوا فكرة لا ولاية لعلي بن ابي طالب ع، وان قبلوها اشكل في خلافتهم الولاية فقط ، التي بقت تعمل باصل الوالي ، يبطل خلافتهم او يبقيها ، حسب مصلحة الاسلام ، والواقع الذي يراه ، اما ان المشكلة الحقيقية هي في الامويين ، فهم يبطلونها مطلقا ، لان الوالي رفضهم مطلقا !ورأى من مصلحة الاسلام محاربتهم ، لهذا نرى ان يطرح السؤال :
لماذا لا يُخطيء العلماء الامويين خلافة ً؟ على الرغم من انها انتهت ١٣٢ هـ ونحن الان بـ ١٤٣٧هـ ؟
بالطبع كان السؤال صعب جدا في الاجابة سابقا( في العصر الاموي) ، لممارسة السلطات الاموية ابشع الاضطهاد لمعارضيها ؟ الا من المؤسف ان نجد علماء لازالوا يدافعون عنهم ويجعلونهم ائمة الاسلام ! فما السبب؟ هل كان هناك اضطهاد ؟ او ترغيب كأن الامويين يعطونهم اموالا ؟ لا هذا ولا ذاك ! فما بال الناس تغمض عن حقيقة تاريخية ؟ لعل السبب الرئيسي هي الوعي ( الثقافة) التي اصبحت مجهولة عند الناس والاخص العامة ! فإلى يومنا هذا لم يميزوا بين مفصلين مهمين ، الدين والسلطة ، لازال الساسة يستخدمون الدين للوصول للسلطة بعصرنا هذا الذي فيه كل امكانيات التحقيق والاطلاع ! لازال يخوض حروبا دينية، الدين في معزل عنها ، مجرد انهم لم يتعمقوا بالدين ، ولم يميزوا ان السلطة استخدمته معبرا لها ، وان السلطة في كل فتوحاتها ، لم يدخل الاسلام الى نفوس الناس او ديارهم الا برجال الدين الحقيقين البعيدين عن السلطة ؟ والتاريخ اسدل ستاره عنهم ، واظهر وجه الخليفة! وان استغلوا فيما بعد ، للسلطة لكن ليس بزمن حياتهم اطلاقا ، فابو حنيفة رفض الانتماء الى العائلتين السلطويتين الاموية والعباسية ، واستخدم كمذهب بعد وفاته في السجن حين رفض ان يكون قاضيا للدولة العباسية ، كما انه شارك قبلها سرا مع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب في ثورته على الامويين ، بينما شارك مالك مع محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، حتى اعتقد انه مهدي الامة المبشر به من قبل الرسول ص حتى دار الحديث بينه وبين المنصور عن ذلك، ورفض الشافعي كذلك كما ان موقف ابن حنبل واضحا ، في سجن المأمون وقضية خلق القرآن ! في النهاية لم يكن من المذاهب في الاصل صلة بالدولة بل جاء للدولة من تلمذ على ايديهم وحمل صفة امامه حنفيا اومالكيا او شافعيا او حنبليا. كما ان في كل هؤلاء اثبات بالمباشر وغير المباشر من احاديث للغدير بل حتى ابن تيمية وهو اشد عدواة للشيعة يثبت صحة الحديث عن مسلم ، فلماذا لازال الناس تنفي ، ولازال بعض العلماء يصرون على تضليل الحقيقة ؟
– فمن غير المعقول ان صرحوا بها يأتي علي بن ابي طالب يحكم! ويقيم الحد على من عصى!
– ومن غير المعقول ان الامويين او العباسين يضطهدونهم فقد ولى عصرهم بلا رجعة!
فماهذا الاصرار؟ لعل السلطة( المؤسسة السياسية) هي التي تصر ، فلو اعترفوا بالولاية يفتضح امرهم بإن حكمهم باطلا ان كانوا على سيرة الخلفاء الراشدين ، لان الحكم ليس ارثا كما وضح من سيرتهم ، وكما رأينا ان عمر رفض وضع ابنه بالسلطة ، لذا كان على الحكام ان يظهروا الامويين خلفاء المسلمين ويجعلوا الناس تؤمن بهم وبمن اسقطهم من الحكم ( العباسيين) وكيف جمعوا بين القاتل والمقتل والخالع والمخلوع ، وكيف اقتنعت الناس ، وبهذا صوروا ان الشيعة تحكم حين يتم الاعتراف بالولاية بغدير خم ، وصوروا عدم احقية اي حاكم بالوصول للسلطة ، حين الاعتراف بالولاية لعلي فكان صراعا ابديا ، والحقيقة الاعتراف بالولاية ليس اعتراف بالسلطة الدنيوية ! والشيعة لايمكن ان يحكموا بها لانها خاصة بفقههم الى اثني عشر اماما، وما يحكم من الشيعة لايمثلهم ، ابدا ، ان اصابوا كانوا على النهج الصحيح ، وان اخطأوا فلا فرق بين الوليد وبينهم حين مزق القرآن هو باثبات التاريخ او لم يمزقوا هم ، فالعنوان المعنوي بالتمزيق اشنع من العنوان الواقعي
أتوعد كل جبار عنيد
فهاانا الجبار العنيد
فان لاقيت ربك يوم حشر
فقل له خرّقني الوليد
بالعكس مما نرى ان اي حاكما في عصرنا لا يمكن ان يجعل تاريخ الاسلام يعود حاكما ، كما حكم علي بن ابي طالب ع او الخلفاء الذين قبله ، ولايأتي علي ع كما نرى كي يحكم ولو اعترف كل الناس بالولاية ، انها مجرد طقوس ترجع لصحة العبادة والاعتقاد ، لكن السياسة لازالت تستخدمها مفردة ، تصل بها للسلطة ، ولهذا لا نستغرب من وجود المتطرفين ، اي كان هذا التطرف ، لانه نتاج دنيوي يتلاعب به السياسين بعواطف الناس ، ويرسم لهم ان الامويين قادة ونشروا الاسلام وقاموا بالفتوحات وقوة الاسلام في ذاك العصر التي تجعل الروم صاغرين ووو … ولازال بعضهم يكتب ويقول كنا امة هكذا بعهد الاموي فلان او العباسي فلان ، ويسدل الستار عن ابشع الافعال التي قاموا بها بحق المسلمين وما اكثرها بالتاريخ ، ولا تظهر الحقيقة ان من قاتل من اجل الاسلام لايهمه سلطة ، وان التاريخ لم يذكره ، كما لم يظهروا لهم ان الدين نشروه العلماء والفقهاء وشاركت به كل العلماء من دون اي استثناء ، وان همّ السلطة المال والجواري والرقص وووو، وان بسبب السلطة لم يدخل الكثير من الناس الاسلام ، بعدما رأوا وجه الدولة البشع ، وان من دخل بسبب احتكاكهم بالعلماء ، وليس السلطة ،هذا الرسم هو الذي اظهر لنا الارهاب الذي رأى امامه ليس ابوحنيفة او الشافعي او المالكي او ابن حنبل بل رأى انه في محط انظار هذا الغلاف المزيف الذي تمثل بالدولتين الاموية والعباسية ، التي تؤمن بالصلب والقتل والاضطهاد الذي صار مثلا اعلى لكل الحكام لعصرنا الحالي والذي صار سببا مقنعا للحركات السياسية الاسلامية بان تستخدم نفس الوسائل في نشاطها المسلح ، ولعل من اهم الاسباب التي نراها بان الولاية لاتزال محط شك عند بعض الناس ، انهم السياسيون الذين امتطوا الدين لتثبيت حكمهم، واثباتها بالتالي ازالتهم ، من الحكم ، وازالة الامويين من الخلافة ازالة ارثهم من الحكم ، ونشر فكر قوة الدولة وان الاسلام نشره الخلفاء الامويين والعباسين بالفتوحات ، يعني نشر ثقافة ارث الحكم عندهم وخاصة العرب .
الولاية الحقيقية هنا انك تعرف جيدا لمن الحق والاتباع بالتعاليم الدينية ، واعتقد ان لا الشيعة ( الطبقة السياسية) اتبعتها ولا السنة ( رفضوها منذ ولادتها) ، لهذا نرى ان الشيعة ، على الرغم من انهم لم يستلموا الحكم بالمباشر ، منذ علي بن ابي طالب ع ، والدولة الفاطمية بمصر ، والادارسة بالمغرب ، الا ان الاثنين ( الفاطمية ، والادارسة) هما بمحتواهما الاصلي ، نفس خط الامويين والعباسيين في اتخاذ الارث في الحكم ، بل ان الاحزاب السياسية العراقية ( الشيعية ) هي نفس الخط من حيث الارث السياسي ( السلطة ) فنرى مثلما الفاطميين تسلموا الملك ابن عن اب نرى الاحزاب كالمجلس الاعلى مثلا بالعراق ، على الرغم من صغر حجمه ارثا ، من اب الى اخ الى ابن( والقياس على جميع الحركات الاسلامية الشيعية التي فيها السلطة ارث الاب يورثها لابنه في الحركة او الحزب) ، وكأن القيادة حصرت ببيت واحد! هذه السياسة هي التي تزيد بمحو او محاولة محو الولاية او انحرافها ! لانها لاتمثل التعاليم الدينية ، وقد يطرح سؤالا:-
هل الشيعة يتحملون ما حدث بالعراق لانهم واجهة الحكم ؟ ولانهم جزء ممن يؤمنون بولاية علي ع؟
سيتحمل الساسة الشيعة هذا الفشل او الجزء الاكبر منه ، ماداموا لم يعملوا بالحق الذي امنوا به طيل ١٤٠٠ سنة ، الولاية التي بمفهوم الحكم المطلق ، للخلفاء الاثني عشر ، من عهد حجة الوداع ، الى يومنا هذا ، اخذت تطارد حتى من انصارها سياسيا ، لانهم ليس بالفهم الصحيح ان تولي امرك مطلقا الى امام ، تأخذ منه تعاليم دينك وهو بمثابة النبي ص ، بكل تفاصيل حياتك ، عليك الرجوع للولاية ، التي تراجع عنها المسلمين ، ان صحت الروايات كليا ، فذكروا ان اربعة من الصحابة تمسكوا بها ، ابوذر الغفاري ، وعمار بن ياسر والمقداد والاسود واضيف جابر الانصاري وعبدالله بن مسعود وبعضهم ، وهذه من الحيرة التي يحاول العلماء عدم التعرض لها للاسباب التي قد تثير نقاط شكوك حول الصحابة ، التي اثبتت الروايات ، انهم باركوا لعلي حينئذ بعد انتهاء الخطبة التي تكلم بها الرسول ص ، والتي جمع الناس ، واوقف علي بن ابي طالب بجانبه حتي في الروايات بان بياض ابطه وهو صلى الله عليه واله يرفع يد علي بن ابي طالب ع ليعلن من كنت مولاه فعلي مولاه الى نهاية الخبر الذي عد دراية وليس رواية !
كمسؤلية للتاريخ نتحمل ( كلنا كمسلمين في هذا العصر )جزءا منها لاننا سنعبر الحياة وسنكون تاريخا يوما ما، كي يكتب على صفحات عصرنا اننا آمنا كغلاف في ولاية علي ع وان حكم علي ع لم يستفاد منه كل الاطراف في تحقيق العدالة …
فالولاية جاءت لعلي لا علي جاء الى الولاية كمايصورها بعض المفكرين ، لان الناس بحاجة الى ان تمتليء عدالة من علي ومن جميع فضائلة التي لم يستفد كما اسلفنا منها اي حكام ان كانوا سنةً لانه الخليفة الرابع والصحابي المشهود له ، ولا كشيعة الذين اتبعوه وامنوا بالولاية ، فعلي لم يسن لنفسه راتبا اعلى من الناس بل اقلهم ، ولم يسن للصحابة راتبا اعلى بل كمثله ، حتى ان بعض الصحابة تخلوا عنه بعد بيعته لانه ساواهم بالعطاء مع الناس وصحابة علي صحابة رسول الله ص الذين هم مستشاروا الدولة ونوابها الحقيقين ، فمن اين جاؤوا الحكام بتلك الرواتب وتلك السير المعيبة ، ولو ان العلماء فصلوا بين الدين والامويين والعباسيين ولم يجعلوهم ائمة ، لوعوا معنى الولاية ، ولصار علي حاكما معيارا لكل حاكم ، ويكون الحاكم في المحك ، لما جاء اليوم الارهاب وقتل وذبح بالهوية وسنن قوانينا لم تأت بها العلماء بل جاؤوا بها السلاطين ، الذين عدوهم ولاة امرهم ، لانهم لم يعوا الولاية الحقيقية التي تبرز للشخص لا الشخص يبرز لها ، مثلما برزت لعلي وجاءت اليه لفضائله … في نهاية المطاف يبقى علي بن ابي طالب ع ، مثالا حيا ، بعد رسول الله ص ، ويبقى من لم يسر في خطاه ، حاكما كان او مواطنا ، لا يعتبر معترفا بولايته ، وان دار حول ضريحه يجدد له الولاء والبيعة!