عام
النْدِّية بين الأزواج إلى أين ؟
كتب بشار الحريري :
لا بد لنا قبل أن ندخل في صلب هذا الموضوع الذي بات أمراً مقلقاً للحياة الزوجية و مصدر تهديد لها علينا أن نتعرف على معنى النْدِّية لغة :
1 – تعريف و معنى نْدِّية في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي …
نِدّيّة ( اسم ):
مصدر صناعيّ من نِدّ
مساواة وتنافس
2 – الندية بين الزوجين :
الندية هنا يقصد بها : المساواة ، هو مثلها و هي مثله اي الزوج و الزوجة في طبيعة العلاقة الزوجية بينهما !.
الأمر الذي أدى إلى أن المرأة تترفع عن طاعة زوجها ، لتصبح في منزلة و حال مساوية للزوج .
فانعكست هذه الندية على حياة الأسرة و استقرارها ، الأسرة التي هي أساس المجتمع و عماده ، و التي يقوم عليها صلاح المجتمع إذا صلحت ، و يفسد المجتمع في حال أصابها الاضطراب و عدم الاستقرار ! .
و الله سبحانه وتعالى قد حدد طبيعة العلاقة بين الأزواج و التي تقوم على أن القوامة للرجل حيث قال في محكم كتابه : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم ) 34 سورة النساء .
لكن هذا الأصل في العلاقة بين الأزواج أصابه الخلل مع طبيعة حركة الحياة الاجتماعية و تطورها مع ظهور حزمة حقوق الإنسان و حقوق المرأة و تشريع اتفاقية دولية السيداو ، القضاء على اشكال العنف و التمييز ضد المرأة .. و التي قضت بمساواة المرأة بالرجل .
فهو إنسان و انت إنسانة ، هو له عقل يفكر و أنت مثله لك عقل يفكر و كلاكما يتمتع بالإرادة …الخ . فليس هناك اية فوارق بينكما على أساس الجنس ” الجندر ” .
و بالتالي فأنتِ نصف المجتمع كما هو أيضا ! .
من هنا اعتبر العديد من الباحثين في شؤون المرأة بداية الندية بين الزوجين و انعكاساتها السلبية على الأسرة و بالتالي على المجتمع ككل حيث أخذت المرأة تزاحم الرجل في الوظيفة و تأخذ مكانه و هي غير مكلفة شرعا بالعمل لأنها تمثل النصف الأخر و الأقوى في الحياة الأسرية و الإجتماعية حيث يقع على عاتقها عملية البناء في الرعاية و التربية لأبنائها و الذين هم أساس المجتمع و أساس تنميته و تطوره ..
فضلا على أن نزول المرأة إلى الحياة الوظيفية أدى إلى زيادة البطالة بين الشباب من الرجال و بالتالي عزوفهم عن الزواج نتيجة لذلك و لصعوبة الحياة المعاشية و عدم قدرتهم في إيجاد الوظيفة المناسبة ليستطيعوا من خلالها بناء حياتهم الزوجية فيما بعد و هذا أدى إلى زيادة العنوسة بين الشابات في سن الزواج !
و مما زاد و كرس هذه الحالة كما بين بعض المهتمين بشؤون الأسرة هو أن الرجل ذاته تخلى عن الأصل في القوامة هو الإنفاق كونه هو المكلف شرعا بالإنفاق و ليس المرأة ! .
( و بما أنفقوا من أموالهم ) .
فصارت المرأة هي التي تنفق على الأسرة و في حالات كثيرة اخذ الرجل يمد يده لها و يأخذ من راتبها ، و هذا لا يستقيم مع القوامة له فكيف تكون له القوامة إذا كان يأخذ المال من زوجته لينفق ؟فالسيادة هنا إذا جاز التعبير لمن ينفق !.
و قد اعتبر انفاق الزوجة هو خروج الزوجة عن قوامة الزوج و استغناء عنه ، فإذا تحدث واجهته ، فأنا لا أريد منك شيئا و لست بحاجة إلى نقودك و لم أطلب منك شيئا ..الخ.
كل ذلك أدى إلى إختلال في العلاقة الزوجية حيث يريد كل من طرفي العلاقة الزوجية أن يثبت رأيه في أمور الأسرة كالمركب التي لها قائدان كل يريد أن يسير باتجاه معاكس ! فاضطربت الحياة الزوجية ، كثرت المشكلات و تعقدت ، أدى ذلك كله إلى ارتفاع نسبة الطلاق ، تشرد الأطفال و جنوحهم في طريق الجريمة .. كل ذلك سببه الندية في عدم رضوخ أي طرف من طرفي العلاقة الزوجية إلى الأخر ، أو عدم حسن الاستماع إلى بعضهما البعض و تغليب لغة الحوار و النقاش الجاد للمشاكل بينهما وصولا إلى حلها بكل حب و ود .
لأن الندية جعلت من الزوجين عدوين لدودين !
الحياة الزوجية التي قوامها المودة و الرحمة و الرفق بالقوارير انقلبت رأسا على عقب كنتيجة طبيعية لعلاقة الندّية .
و يوعز آخرون أن الندّية أفرزت برودة في المشاعر الزوجية ، حيث تبقى المرأة حائرة في أمرها من زوجها الذي أصبح مبهما لها حتى في مشاعره تجاهها ، فهي لم تعد تدرِ هل هو يحبها ام يبغضها ؟ هل مازال يقدِّرها حق قدرها أم لم تعد تعنِ له شيئا في حياته؟
فهو لم يعد يبدِ شيئا من مشاعر الحب و اللهفة تجاهها و لا يشاركها في مشاعرها و كأن أمرها لا يعنيه!
في حين يكون الزوج على سجيته لا يريد المواجهة و لا استفزازها أو العكس، و بنفس الوقت ، يفكر بما كانت تفكر به و تحدث به نفسها من تساؤلات ، لا وجود لها من الأساس و إنما سببها هو ابتعاد كل طرف عن الأخر لا يريد أيا منهما التنازل أو إحتواء الآخر بإعتبار أن ذلك ينتقص من كينونته المستقلة عن الآخر متناسين أنهما متكاملين و أن الحياة الزوجية قوامها المودة و التعاون و التشاور و ليس التنادد .
و قد اوعز الراحل الدكتور إبراهيم الفقي كل ذلك في كتابه : ( فن التعامل بين الناس ) إلى غياب قيمة التسامح و تأصل الندية و الأنانية بين الأزواج .
و هنا نقول أن الإنسان بطبعه ممانع للتغيير بطبعه و فطرته لا تتقبل النقد ، لكنه بنفس الوقت فإنه يملم عللا يفكر فيه و يحاكم أموره بعقلانية و روية و يحكم على تجاربه .
فعليه إذا ظهر له سواء الزوج أو الزوجة أن الندية لا تأتي بنتائج إيجابية في العلاقة الزوجية من حيث إدارة الأسرة و التعامل فيما بينهما ، و إنما تسببت بنتائج عكسية تكاد أن تودي في العلاقة الزوجية بينهما و انهيار الأسرة فعليهما أن يعيدا النظر في طبيعة العلاقة بينهما بتغيير الأسلوب القائم على الندية بينهما إلى ما يعرف بأسلوب : الاحتواء المتبادل.
مع التأكيد هنا على أن يكون الرجل أكثر مرونة و أكثر إحتواء لزوجته و كما يقول المثل الشعبي : ( ما خاب من استشار )
فليس عيبا على الرجل في أن يستشير زوجته و العكس صحيح في هذه الحالات العنيدة ، فاستشارة المرأة حق شرعي و قد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلم :
أنّه استشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر، ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية وفيها : « قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات .
فلما لم يقم منهم أحد ، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك : نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ».
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية استشارة النساء، فقال: “إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لفي غنى عن مشورة أم سلمة ، ولكنه أحبّ أن يقتدِ الناس في ذلك ، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء”.
مصدر الصور : النت