أدم وحواءشعر وحكاياتعاممقالات
الحب والخبز
بقلم / نجلاء شهاب
تجر عربة الخضر، بذلك الزقاق الضيق، يسقط أول شعاع ضوء على أهداب عينيها البنيه، تسمع مواء قطه صغيره، ولدت للتو.
يعج الشارع هدوء الفجر المعتاد إلا من بعض أصوات أقدام المارة الممزوج بصوت ذفيف نعلها المتهالك.
رائحه الخبز الطازج تنعش ذاكرتها ، تتصارع هي واختها التوأم ، يتشاجران على أول الأرغفة الطازجة التي تخرجها امها من الفرن ، تتعالى الضحكات ، يشطره نصفين، تتسأل بحزن أين هي الآن؟ تزوجت وسافرت للخارج.
الكثير من الناس ينتظرون الحافلة، على أرصفة الملل، للذهاب للعمل ، تصل لمكانها المعتاد ، تقف بالعربه علي ناصيه الأمل ، تمر الموظفه الخفيفة الظل، تلق عليها تحية الصباح بابتسامتها الرائعة، تنظر داخل العربة كالمعتاد ولا تبتاع شيئا .
رغم حزن الصباح تتسابق الفتيات على بائعه الورد، كلا منهم تختار لونها المفضل، تقبل الوردات قطرات الندى الممزوجة بعبيرها الفواح.
لم تعانق اناملي ورده منذ الخامسه عشر، عندما اهداني واحده، للتعبير عن اعجابه بي، لقد احببته، لانه كان مختلفا، لا اعلم عنه الآن شيئا.
إقرأ أيضا
شمس الظهيره تشتد، ألملم الباقي من الخضر لأعود لأولادي أمر بالبقال لأعطيه نقود العشاء من الأمس، اعتدنا على ذلك، نصف الطعام مؤجل الدفع، لم اعد احتمل الفقر؛ تمنيت ان ترزق ابنتي برجل ثري ، يريحها من شقاء المعيشة، اليوم خطبة ابن جارتي ام حارث، لا املك نقود مجاملتها، أهديها من طيوري التي أربيتها بالمنزل، ترتدي العباءة التي أهدتها لها اختها العام السابق، لا تملك رداء قيما مثلها، تتعالى الاصوات والزغاريد، تهرول ابنتي لتشاهد العرس من الشباك، ابتسم وادعو لها كثيرا، اتذكر يوم زفافي؛ لا انساه ولا احب ان اتذكر، تلك القسوة التي كان يعاملني بها، جعلتني اخشاه من اول يوم، لم اكن احبه ولا اكرهه، قالت لي جدتي ذات مساء، الحب لا يجلب الخبز ابنتي؛ انه المال، فهمت انني لابد ان اعيش وارضخ، وما حيلة النساء الضعيفات الفقراء إلا الخنوع والاستسلام، لا يملكون حق الاعتراض، ولا يحق لهم أن يتذوقوا طعم الحب، فرغيف العيش أفضل بل واهم، توفي من كثرة التدخين، لطالما حذرته من ذلك، لكنه كان عنيدا، لا يكترث لأحاديث الاغبياء مثلي، كما كان ينعتني، الآن بعد أن توفي بدأت أشعر بالهدوء النفسي، الذي سلبه مني . تمر الايام تتشابه وتتكرر وما يفرقها عن غيرها، طعم الفرحه، عندما حصلت ابنتي على شهادة الدبلوم، احمد الله انها لم تكن أمية، مثلي فوالدي كان فقيرا ولا يحب ان تتعلم الفتاة
كان يقول: المرأه خلقت لبيتها وزوجها، تمنيت ان احضن الكتب بذراعي وانا ذاهبة للمدرسه، وانتعل ذلك الحذاء الجلدي الذي كنت أراه بأقدام الفتيات، اتابعهم من خلف شباك الغرفه، بلهفة وحسرة. زوجني والدي وانا بالخامسة عشر من عمري، ليرتاح من عبء مصاريفي، ليس لنا يد بشيء أقدارنا مقسوم من الله عز وجل، اقتسمت انا واولادي العشاء على طاولة الاحتياج، منهكين، صامتين، يكسو وجوهنا، اللامبالاة وبداخلنا، تتصارع الامنيات علي أرصفه الانتظار، لا نملك الا الصبر ذاد.
أضع رأسي المنهكه بمضجعي، اتجاهل الآلام التي تنخر عظامي. انام رغم كل شيء. في الصباح اعود لعربتي وخضري، اسمع نفس المواء لكن لقطتين هذه المره، اري هذا الصباح مختلف، نسمات بارده، تمر علي وجهي تطبع قبله هامسه، ارفقي بحالك، اشتهيت الطعام من عربة الفول لعم حسين، عدلت عن الفكرة، فاليوم ساجلب اكياس جديده لا يعبأ بها الخضر، ما حيلة الانسان الا المكابدة والمعاناة ليصل لهدفه، اجمع النقود لاجهز ابنتي، الغلاء طحننا، الجميع يتحكم بك، البقال يستنزفني، والسياسي يتحايل علينا بوعوده الواهية، والتاجر يضع الأسعار التي تجعله ثري، الجميع يتحكم بي، يتاجر بعقلي، لم اعد اتحمل، تهلهلت روحي، اللهم هدأه روح، اشتريت بعض الفاكهة للبيت.
اليوم راجت تجارتي، وضعت العربة، صعدت السلم، ألقيت بنفسي علي المقعد بجانب الباب، انفاسي متقطعه، وضعت لي ابنتي طعام الغداء، سأخلد للنوم قليلا، اليوم سأذهب لشراء فستان جديد لابنتي، اود ان اجد.ما يناسب الميزانية، تجد ما يروق لها ولا تعود حزينه، صلينا المغرب وذهبنا لوسط المدينة، حيث المتاجر الفاخرة التي لا اراها الا بالتلفاز، عيوننا جحظت من كثرة الانبهار، اضاءة ونظافه، لا اشعر انني انسانه، تعيش على حافة الدنيا، لا موت ولا حياة، اختارت ابنتي شيء معقول، يناسب ما معي من نقود، كنت اود ان ابتاع لها كل ما تتمني، لكن كما يقول المثل العين بصيرة واليد قصيرة، عدنا ادراجنا للمنزل، رغم بساطة الملابس الا انني شعرت بفرحه تغمر ابنتي، نحن البسطاء، تسعدنا اقل الاشياء.
صباحا رأيت السعادة في عينيها وهي تقف امامي ترتدي الملابس الجديدة للذهاب الي مقابله للعمل، تمنيت لها التوفيق .. لن اعيش كثيرا، المرض يشتد علي، اتمني ان يرزقها الله بزوج صالح ، ليطمئن عليها قلبي . لكني افضل ان تحبه اولا.
لن ابيع ..ابنتي مقابل حفنة نقود أو لارتاح من إطعامها.
الروتين اليومي ، تم قبول ابنتي بالوظيفه ؛ شفقت عليها من الزمن والناس والأعباء التي تنتظرها؛ علها تتحمل. الرضا اساس السعاده، رغم فقري وجهلي، الا انني أعيش برضا تام سعيدة بما قسمه الله لي، علي يقين اننا جميعا بالنهاية سواسية ، لن يدخل الجنة الغني المتعلم ، ولا الفقير المعدم ؛ عملك وطاعتك وحسن عبادتك .
احيانا ننتظر ان يعوضنا الله عن اي محنه أو ابتلاء مررنا به ، اتمنى ان يعوضني الله في ابنتي . اتمنى ان ارى احفادى يمرحون حولي والسعادة والضحكات تملأ الارجاء.