بقلم د. غادة فتحي الدجوي
سلاما للذين يشربون القهوه وحيدين ,هادئين ,شاردين وفي قلوبهم الف حكاية عندما قرأت هذه المقولة توقفت عندها و قرأتها أكثر من عشر مرات، و ذهبت و أحضرت صينية القهوة، و طهوت فنجانا و ذهبت لأجلس لأرتشفه بل لأتذوق هذه الكلمات، السلام، الوحدة، الهدوء، الذهن الشارد، القلب، الحكايات ….
كل هذه المعاني في جملة واحدة ، و كل كلمة بداخلها و حولها مجلدات من الأحاسيس و المشاعر و الكلمات … و تساءلت هل هناك ارتباط بين كل هذه الكلمات، هل شرط السلام الوحدة ، هل الذهن الشارد مرتبط بوحدة الشخص ام بوجع القلب و هل لابد ان يحدث هذا في هدوء … أم الهدوء المرتبط بالسلام… فوجدتني في حالة هذه الجملة بكل معانيها الظاهرة و المختفية بيزنطيين الحروف…
و جدتني اشرب القهوة وحدي على أريكتي في البلكونة أنظر إلى النيل في هدوء و سلام و أفكر في اللاشيء ذهني مشغول لكن بدون عنوان انظر إلي الموج الهادىء الذي يتحرك بشكل مازورة موسيقية، و تخترقه المواكب البسيطة ايضا في هدوء و كأني و فنجاني وحدنا و كأننا نتوحد و بدأت تهفو الحكايات إلي عقلي و قلبي لأبتسم لحظة و اختنق لحظة و تبكي عيناي لحظة أضحك بشكل هيستيري لحظة… ثم انطق الحمد لله ، هذه اللحظات المتغيرة مرتبطة بالحكايات التي تمر بعقلي و قلبي….
و كأن فنجان القهوة هو مفتاح الحكايات، فتذكرت أستاذي ” مستر أحمد” في الرياضيات أثناء المرحلة الثانوية و هو يذهب لوقته الخاص أثناء النهار ليصاحب قهوته بمكتبه و هو في منتهى الأناقة و عندما نحاول أن نستوقفه كان يعتذر و يقول “عندي ميعاد مع فنجاني و بيزعل لو اتاخرت عليه و يبرد بسرعة” و يكتب لافته علي الباب “وقت خاص ، ممنوع الدخول” و هذا الوقت لا يتعدى الخمس عشرة دقيقة ، لكنه كان وقتا مقدسا في حياته.
ثم تذكرت صديقتي نشوى، عندما تأتي إلي العمل صباحا و تبدأ ” بالنسكافيه ” احد أنواع القهوة و لها نوعية خاصة تحبها و تضع منها في المكتب و في حقيبتها، فأصبحت عندي وقت خاص .. أنتظرها لنشربها سويا ، و إذا تباعدنا لفترة بسبب ظروف العمل، فأول شيء نفعله حين نلتقي نذهب للمطبخ لعمل القهوة و نتحدث طويلا و نحن مبتسمون هادئون و نحكي حكايات كل الأيام السابقة بسرعة و تفاصيل و حب و ضحك و سلام … في وقت لا بتعدى دقائق و لكن هي الساعات الماضية من العمر…
ترى هل هو سر من اسرار القهوة، أم هي التي تعبر عن وقتنا الخاص في الحياه و كأننا لا نملك وقتا خاصا بِنَا إلا وقت فنجان القهوة.. إذن فهنيئا لنا كل يوم بدقائق تحمل كل هذه المعاني بصحبة فنجان القهوة و صحبة من يستحق أن برافقنا هذا الوقت الخاص جدا جدا..
و لهذا أحببت أن أشارككم بعضا من حكايات وقت القهوة لندرك سويا أن ليس من مهامنا ان نغير العالم وحدنا، لكن من واجبنا ان نتعامل مع أنفسنا و نحسن من عاداتنا الرائعة التي تحافظ علي هدوئنا و سلامنا الداخلي و نحكي لمن حولنا عن المواقف التي صنعتنا و كيف تخطينا الصعاب، و نبحر بالتفكير في التوازن الخاص بنا ويين العمل و الحياة و العبادات… و لو كان هذا الوقت يوميا هو وقتنا مع فنجان القهوة و قتها سندرك أننا قادرون علي تغيير أنفسنا ، و عالمنا الصغير … فاذا فعلنا …سيتغير العالم بالفعل ، المهم ان نبدأ بأنفسنا….
أدعوكم لعشر دقائق يوميا لمصاحبة فنجان القهوة في سلام و هدوء و تفكير لتسمحوا لقلوبكم ام تحكي الذكريات لعقولكم … و لتكن البداية
و إلى اللقاء و فنجان قهوة جديد بصحبتكم
إقرأ أيضا قهوة مضبوط