كتب / محموددرويش
قدر ما كانت الفرحة كبيرة في أوساط السيتي وعشاق المتعة الكروية التي يقدمها الفريق، إثر قرار المحكمة الدولية الرياضية بإلغاء عقوبة الاتحاد الأوروبي على النادي الإنجليزي بحرمانه من المنافسة الأوروبية لمدة موسمين، بقدر ما كانت الخيبة أكبر في أوساط فنية وإدارية، داخل حدود إنجلترا وخارجها، اعتبرت إسقاط قرار الاتحاد الأوروبي انتهاكاً لقواعد اللعب النظيف التي تحكم صفقات انتقالات اللاعبين، فراح الجميع يتساءل عن الإبقاء على العقوبة المالية التي تم تخفيضها إلى 10 ملايين يورو عوض 30 مليونا، والتي أقرّها الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤكد في نظر البعض أن السيتي لم يحترم القواعد ويستحق العقوبة، في حين راح البعض الآخر يعتبرها مجرد غرامة مالية بسبب عدم تعاون السيتي مع الاتحاد الأوروبي أثناء التحقيق.
المحكمة الرياضية الدولية أقرّت بأن النادي الإنجليزي لم يخرق قواعد اللعب المالي النظيف الذي أقرّته سابقاً الغرفة القضائية للاتحاد الأوروبي، التي ثبت لديها بعد التحقيق أن مانشستر سيتي قام بالتلاعب في السجلات بين 2012 و2016، وأنفق أكثر من حجم مداخيله طيلة سنوات ماضية، خاصة منذ قدوم جوارديولا الذي أنفق في سوق الانتقالات ما يقارب 400 مليون يورو في ظرف سنتين، في وقت أنفق أرسن فينجر نفس المبلغ على مدى عشرين عاماً في أرسنال، لكن المحكمة الدولية فنّدت ما وصفته في بيانها بمزاعم الانتهاكات التي سقطت بالتقادم، وهو الأمر الذي اعتبره البعض محاباة وتستراً قد يقضيان على مبدأ اللعب النظيف، ما يشجع باقي الأندية على التمادي في خرق القوانين والإنفاق من دون حسيب أو رقيب.
بين مصلحة الكرة الإنجليزية التي تقتضي تبرئة السيتي ورفع العقوبة عنه، واحترام مبادئ اللعب النظيف التي تفرض تسليط أقصى العقوبات على المخالف للقوانين، أعربت بعض النوادي الإنجليزية عن ترحيبها بالقرار، بينما انتقدت أطراف أخرى القرار الذي حرمها من تعويض السيتي في دوري الأبطال الموسم المقبل، على غرار مدرب توتنهام جوزيه مورينيو الذي اعتبره مخجلاً ومسيئاً للاتحاد الأوروبي واللعب النظيف، كما اعتبر يورجن كلوب إسقاط العقوبة من طرف المحكمة الرياضية الدولية ضربة قوية للاتحاد الأوروبي واللعب النظيف، الذي يفرض على النوادي عدم الإنفاق أكثر من حجم المداخيل التي تكون مصادرها معلومة ومبررة، سواء من خلال بيع اللاعبين أو مداخيل الإشهار وحقوق البث التلفزيوني وغيرها من المصادر القانونية.
حتى خارج بريطانيا، نطق رئيس الرابطة الإسبانية لكرة القدم خافيير تيباس، الذي تهكّم على المحكمة الرياضية الدولية وشكك في صلاحياتها كهيئة مناسبة لاستئناف القرارات التي تتخذها المؤسسات الكروية، وهو ما دفع مدرب السيتي بيب جوارديولا للخروج عن صمته والردّ على تيباس ساخراً بقوله “يجب علينا في المرة القادمة أن نستشير الحسود تيباس حول الهيئة التي يجب أن نتوجه إليها لرفع الظلم”، كما ذهب جوارديولا في ندوته الصحافية، التي أعقبت القرار، إلى حدّ اتهام أطراف نافذة في إنجلتراً بالدفع نحو معاقبة السيتي وحرمانه من المنافسة على دوري أبطال أوروبا حتى تعوضه، ومن ثم إسقاطه إلى الدرجات الدنيا بعدما صار يزعج وينافس على البطولات المحلية والأوروبية. مدرب السيتي لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل طلب من الاتحاد الأوروبي تقديم الاعتذار لفريقه على الإساءة التي تسبب له فيها، وراح يتحدى الجميع ويضرب لهم موعداً فوق ميادين الكرة الموسم المقبل، مذكراً بأن فريقه أحرز ثماني بطولات من أصل عشر خلال الموسمين الماضيين.
رفع عقوبة الإقصاء لم يمنع المتتبعين من مواصلة طرح التساؤلات حول مدى صحة الاتهامات ومدى شرعية عقوبات الاتحاد الأوروبي من عدمها وشرعية قرار المحكمة الرياضية، لكن الكلّ يجمع على أن فريق السيتي سيكون أقوى الموسم المقبل، بعدما قرر مجدداً تخصيص 150 مليون يورو من أجل تجديد عقد جوارديولا وانتداب مدافعي البايرن ديفيد ألابا ونابولي كاليدو كوليبالي، وتعويض رحيل فرناندينيو وديفيد سيلفا وربما سرجيو أجويرو، بعدما كان الغياب عن دوري أبطال أوروبا سيكلّف الفريق خسائر تصل إلى 100 مليون جنيه إسترليني، من مداخيل المكافآت وحقوق البث وبيع التذاكر وإيرادات أخرى.
معاقبة السيتي كانت ستشكل خسارة فنية للمتعة الكروية التي يصنعها، لكن رفع العقوبة قد يشكل انتهاكاً للقيم والأخلاق والقوانين التي تحكم الكرة، كما أن التشكيك في إثباتات الاتحاد الأوروبي وفي تبريرات المحكمة الدولية يبقي السؤال مطروحاً: “هل السيتي ضحية أم مذنب”؟