شعر وحكاياتعام

التوأم

بقلم د/عبد الرحمن نجاح
اتفضل يا باشمهندس،، أدي الرِجل، وده تصريح الدفن
سمع حديث لم ينتبه لقائله
لابد للساق المبتورة ان تدفن حالاً
مذهولاً مد يده وحمل الساق،، وكالماشي على زجاج مهشم قطع طرقة المستشفى في سنوات طويلة خانقة،، خرج للشارع لا يسمع الا ضوضاء حزينة تأتي من أعماقه،، فقد اتزانه عدة مرات واستند للساق المبتورة فلم يضره الأسفلت،، مع كل خطوة يتفاقم الخِدر في ساقه اليمني ويشتعل بها الألم،، وصل الي سيارته غارقاً في عرق بارد كريه الرائحة،، فتح باب السيارة ووضع الساق على المقعد بجواره واستقل السيارة واضاع وقتاً طويلاً في ترتيب افكاره حتي استقر انه لابد ان يدير محرك السيارة.
راح يتحدث للساق 
فاكر يا احمد لما انت مشيت قبلي؟،، بكيت بشدة تصورت امنا انك ضربتني فارتبكت هل تفرح انك مشيت ام تغضب انك ضربتني
فاكر يوم فرحنا حرص كل منا ان يحفظ زوجته علامة تميز كل منا عن الآخر كذلك فعلتا زوجتينا
استمر يجتر ذكرياته في حسرة مُرَة متجاهلاً أبواق السيارات خلفه،، عاشا قرابة الستة عقود ونيف يسعدان ويحزنان سويا حتي لو كانا في ظرفين ومكانين مختلفين،، عاش احمد منفتحاً على الحياة مقبلاً على ملذاتها جريئاً شجاعاً مقداماً بينما عاش يوسف خجولاً يأسر السلامة ويميل للعزلة والتأمل والقراءة،، ،، عاشا طفولة رائعة يكمل كل منهما الآخر،، فعاشا الكمال سوياً،، عاشا شباباً ناجحاً دراسيا واجتماعيا وعاطفيا،، عملا مهندسان ونجحا بجدارة،، تزوجا من توأم متشابه كحالهما،، انجب كل منهما ولدين وبنتاً،، أثرا من عملهما فارسلا جميع الاولاد للتعلم في الخارج،، اصيبا بمرض السكري في الأسبوع نفسه،، حرص يوسف على علاجه ونظامه الغذائي واهمل أحمد صحته كثيراً،، أمسيا جدان وترملا في ذات الشهر وتبدلت طبيعة شخصيتيهما تبديلاً،، مال أحمد للصمت والحزن وعاني الاكتئاب الشديد،، وأصبح صخب يوسف لا يحتمل وتمادي في عدوانه على الجيران والاقارب، يشعر بان هناك من يطمع في ماله ويسعي لقتله.
عادا يقبعان في نفس الشقة يمضيان النهار في اعداد الطعام أو يتعاركان على من يرتب الشقة الفسيحة ومن يُنفق،، تباعدت مرات اتصال الأولاد وندرت زيارتهم لمصر،، فتكت بهما الوحدة والحسرة وأرقهما الهلع من النهاية،، يمضيان فترات طويلة صامتين، يعيشان على ذكرياتهما يستعيدانها في صمت وحسرة،، أصيب أحمد بنوبة قلبية شديدة وخضع للقسطرة القلبية وسريعاً ما أصيب بالقدم السكرية، خدمه أخوه بإخلاص وتدهورت الحالة بسرعة وبقسوة،، راح أحمد يهذي بكلام قاس.
– انت عاوزني أموت يا يوسف صح؟،، عاوز تورثني،، ليه انا مريض وانت لأ؟.
ارسل يوسف الي اولادهما،، لم يهتموا الا باتصال كل حين،، تعطن تفكير أحمد وفسد عقله وماتت قدمه وساقه وأوشك باقي جسده على الهلاك،، قرر الاطباء بتر قدمه وساقه.
ما أن لمح التُربي سيارة مقبلة على المقابر حتي انشرح قلبه وابتهج
يا رزاق يا كريم يا رب،، اهلا يا بيه تحت امرك
اعطاه يوسف التصريح وأشار له ان يحمل الساق من على المقعد، حملها التربي وهو يعاني حسرة انه سيدفن ساق مبتورة،، فألم فراق الساق أكثر فظاعة على الناس من دفن الجسد كله وتدر رزقاً قليلاً،، انتهي التربي من عمله ومنحه يوسف مبلغاً كبيراً أثلج صدره.
عاد يوسف الي السيارة يعاني آلام مبرحة في ساقه اليمني وحزن مقيت في قلبه،، انه يترك جزء منه في مقبرة موحشة،، تحرك بالسيارة وهو يكتم صرخات من شدة الالم بساقه اليمني،، عاد بصعوبة الي المستشفى يستند على الجدران حتي وصل الي غرفة توأمه،، وجده يصرخ فصرخ،، وازداد الالم بساق يوسف واعطي الاطباء المسكن والمهدئ لكليهما،، اكتشف أحمد بتر ساقه فصمت عن الصياح وضج بالأنين وجأر يوسف بالشكوى وخلال يومين تورمت ساقه وتغير لونها بشكل ادهش الاطباء وحيرهم،، وتعهدوا التوأم بالمسكنات والمهدئات بلا جدوي،، الساق تبتر نفسها بسرعة كبيرة،، فبتروا ساق يوسف اليمني كما بتروا ساق احمد اليسرى من قبل.
فاكر يا احمد لما كنت بأسبقك في الجري
انا اللي كنت بأسيبك تسبقني يا يوسف
تمت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock