شعر وحكاياتعام
المقعد الحجري
قصة قصيرة
بقلم حنان عبد الحليم
قد يهون العمر الا لحظة وقد تهون الارض الا موضعا
بيت شعرلأحمد شوقى أمير الشعراء,, فرب لحظة تعدل عمرا” بأكمله أو تفوقة فى الأهميه ,, ورب موضع فى أو مكان يكون أهم من الكرة الأرضية .. .هكذا فكر وهو جالس على مقهى فى الحى الوطنى الذى كان يقطنه ايام الدراسة , وقت ان كان مجرد طالب وافد من الاقاليم فرً من الاقامة بالمدينة الجامعية ,ليشارك زملائه شقة صغيرة .
كان قد تعود ان يقوم بالمراجعة الاخيرة يوم الامتحان .. على مقعد حجرى فى الحديقة المجاورة للمسجد ..على ضوء مصباح الشارع فهواء الفجر يمنحه صفاءا” ذهنيا” هو فى اشد الحاجة له قبل دخول الامتحان
وتغير المكان بمرور الوقت , واختفى المقعد , لكنه مازل يذكر مكانه جيدا .
يالها من أيام مرت وتراكمت وابتعدت به بعيدا عن المقهى والحى , ولكن لماذا ساقته قدماه لهذا المكان بعد مرور عشرين عاما على تخرجه و انتقاله من الحى؟؟ ..انه شعور الامتحان
لقد تخرج من كلية التجارة , واقبلت عليه الدنيا , واصبح يحتل مركزا مرموقا ولكن مع الاحساس بالازمة يعود بالانسان لشعور الامتحان.وتذكر ذلك الفتى الذى كان يجلس مكوما على الكرسى الحجرى امام المقهى وقد اغلق ابوابه تحت مصباح الشارع .
والآن ..تغير المكان ولكن نفس العبير مازال يفوح من جنباته , ربما هو وحده من يستطيع ان يميزه , فهو الآن تحت وطأة شعور الامتحان
كان فى ذلك الوقت يترقب بقلب واجف وعيون راجية .. المستقبل المجهول .. .. لطالما فكر الى اين ستسوقة الايام ؟؟ الى القمة .ام الى القاع . . ,و عندما كان يقلب أوراق المراجعة النهائية كان يقول فى نفسه.. الشهادة , مجرد جواز السفر . مازالت بحاجة لاشياء كثيرة , نفقات السفر ومكان السفر , من الوارد ان بسافر الى امريكا .. لكن من الوارد ايضاا ن يسافر الى مجاهل افريقيا, ليستفيق على صوت المؤذن : الله أكبر .. كان يشعر ان اذان الفجر يختلف بقية الاوقات ,, انه يتخلل مسام جسده ,, يرن صداه فى عقله ويملأ قلبه, كان يمنحة احساسا محتلفا يشعره انه اكثر قربا من الله, وأقدر على مناجاته
وعندما يدخل المسجد كان يقف فى الصف الاول ليكون قريبا من الامام , لتنساب آيات القرآن من فمه الى اذنييه لتملأ قلبه وتشرح صدره..
لم يتصور يوما ان تسوقه قدماه الى نفس المكان ..لقد تخيل ان مجرد الوصل لوظيفة محترمة ومركز مرموق هو امان .. من الخوف . ولكن الحياة بخيلة فى العطاء الا فى مشاعر الخوف .. .
ازمة اقتصادية عالمية .. هبوط البورصة ,, ارتباك على متسوى الافراد والشركات جعل موقفه المالى حرجا ..
سنوات عديدة مرت لم يعرف الراحة , .. حتى وجد لنفسه مكانا فى عالم المال والاعمال . والآن كل ذلك اصبح مهددا .. ولا أحد يعلم متى تنكشف هذة الغمة .
وسأل نفسه مرة أخرى اين المقعد الحجرى الذى كنت اتكوم عليه؟؟
وشعر بالافتقاد للمقعد .. أو ربما للسكينة . التى تولدت فى عقله الباطن من اجتياز التجربة أو الامتحان بنجاح ,كان فى حاجة لما يطمأنه .وتأمل الجالسين حوله للمرة الاولى منذ وصوله المقهى , ووجد معظمهم يشبهونه يوم كان يقطن هذا الحى , وفى هذه اللحظة ارتفع الاذان .. يكاد يكون نفس الصوت .. ولكن لا يهم الصوت , المهم الاذان نفسه . الله اكبر . وابتسم للحظة وشعر بالغباء .. لقدساقه التعب و الخوف الى هنا ليقلب فى ذكريات ووجوه ,و يبحث عن مقعد خلعه الحى من مكانه لسبب مجهول ., ولم يلتفت الى ان الشئ الوحيد الذى بقى فى مكانه , هو المسجد وان الصوت الازلى الذى طالما بعث السكينة فى نفسه ,, هو صوت الاذان
لكنه لم يفهم الرسالة .لقد عاد لنقطة البداية بعد ان طارت به الايام واجزلت له العطاء , فنسى كيف بدأ ,فساقته قدماه الى هنا. من اجل المكان .. ومن اجل استحضار اللحظة .,لحظة التنوير لأشياء موجوده أمامة لكنه انشغل عنها .. موجوده فى كل مكان ,ولكن هنا تذكر البداية وانه لم يكن شيئا ..
ونهبض مسرعا الى مكان الوضوء .ثم احتل الصف الاول خلف الامام وترك ايات الذكر تنساب الى اذنيه, فقلبه ,ليجد لسانه يبتهل من جديد بدعاء سيدنا يونس .. لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين .. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنبن.
مدير قسم الأدب والشعر
علا السنجري