شعر وحكاياتعام

ولألم التجاهل كيمياء إنكسار



ولألم التجاهل كيمياء إنكسار

كم عانيت يا أنا ؛ لأطلق سراح تلك الزفرات !

وكم هي قاسية تلك الساعات ؛ عندما تبكي مفاصلنا وتعتصر
هياكلنا من الأنين دون أن نذرف العبرات !

هل يبلغ القهر منا أحياناً ..
أن تأبي الروح ..أن تستسلم للبوح من شدة الحنين !

وهل تصل منا حرارة الوجد ..
أن تكابر النفس علي الألم ؛ حتي تستعصي علي العين دموعها !

ألهذه الدرجة تغص الذات بمرارة الفقد ..
فتتمرد الجوارح علي فيض الوجدان بالنزف والحسرات !

كيف هي تلك الكيمياء ..
التي تتشكل بللوراتها بداخلنا ، عندما تقاوم خلايا أفئدتنا شروخ التصدع والإنكسار ؟

فتكتم الآهات قسرآ وتخفي التنهيدات سرآ !
تتواري عن الأعين وتظل تسرف صمتآ بالنوح.

تحترق معنا في تلك اللحظات أجزاءآ كاملة من كيان دفين مخبوء بأعماقنا ؛ يسمي عزة النفس ؛ يطلق عليه الكرامة !!

فقد قالت له ذات يوم :

أتألم منك ..وما يؤلمني أصعب من أن تفصح عنه حروف اللغات !

أتوجع من وراءك وما يوجعني..
أشق من أن تتحمله بعض الصخور أو كل الكائنات !

ما يؤلمني ليسَ أنكَ لآ تشعُر بِي وبـ عُمق ألمي ؛
عندما تدير ظهرك لي وتصم أذنك عني ..
لتنصرف ..فتتجاهلني !

مَا يؤُلمني’ أنكَ تَشعر بي ولگنك تَتعمد أن’ تَتجاهلني ، لتتخطي ألمي ‘وتَمضي ..

وياله من ألم !
لقد حفر الخذلان بروحي ندوبآ لا تندمل مع النسيان !

لقد طمس الخسران معالم النطق علي لساني حتي ألجمني السكات !

هذا وأنا المفوهه !!
ف يالتعاسة الفاه الذي تلقمه مأساة الإيباء حجر الصمت فيمتلئ عبثآ بفتات الصبر يتجرع كئوس المر ..

فلا هو يطيق بكم الخرس ولا هو يملك حق الهذيان !

لما تركتني لأرصفة الطرقات المهجورة أبكي علي وسادتها الحجرية وحيدة..

البرد يفتت ضلوعي وظلام الليل يخيفني ؛ تظل أحلام طفولتي طريدة..

وأظل أطارد النوم في متاهة كوابيسي البائسة إلي أن تثمل الأجفان وينزل سواد العين تحتها ليسكن المآقي علامات سهر لا ينتهي في حضور غيابك الحالم الوسنان !

خذني إليك..
إحتويني بذراعيك.. حتي الأمان ..حتي تنام أحزان غربتي الشريدة..حتي تهدأ وخزات أشواك عتيدة تخلفها بظهري لوعة الهجران.

خذني عندك ..
ضم رأسي الصغير علي صدرك ؛ فأنا صغيرتك وأنا.. أستوحش بدونك !

هل كنت واهمه عندما ناديتك قسيم الروح !

هل كنت سرابآ لآح لناظري المتعطش لسقيا الري في نبعك المتدفق بالعطاء الممتد أمامي بوضوح ؟

كيف تخليت عني..
وأنت أولى الناس بالسؤال عنّي ، وتفقّدي في الغياب ؛
كيف وأنت أحق بي منّي ؟

وقد سكن شطر الروح فيك.. فأنا منك وأنت مني !

أؤثرك بكل شيء علي نفسي ، حتي بسعادتي..
وليس لأحد أن يتقدم عليك ولو كان أنا أو غيري !

آه من غيابك وغربة الأوطان !

يصنع غيابك عالمًا موحشآ من الأحزان..
أكون فيه وحدي..

ولا يكون فيه معي إلا أنت..
بالأحلام.. وبالصحو و بالتمنّي !!

جعلني الحزن أتأزم أتقزم سنينآ من عمر نموي للوراء..

طفلة عاجزة في جسد الكهول بكل تجاعيد الزمان ؟
بل نطفة في رحم الغيب ..لا تتمني الظهور !
أو برعمآ في مبسم زهرة لا تنوي الإنبات.

ماذا دهاني من بعدك ؟
لست أدري..

هل هي شيخوخة مبكرة أم طفولة متأخرة ؛ تعصف بأزهي سنوات الشباب ؟

لماذا أنا أذبل؟
آا لأنك حرمتني البقاء في أرضك ؛ فصرت كالمنبت لا ظهرآ أبقي ولا أرضآ قطع ؛

حقآ أنا من بعدك المبتور للفناء ،، المجتث للإصفرار ،، الموعود بالحطام والمأمور بالإنتحار..

هو أنا ..الموتور للثأر ،، المرصود للإنتقام من النفس بالسقوط في هاوية الوحدة والإنتظار..

أنا ..المحتبس للمتعة ،، المرتهن للنخاسين ،، المرهون بقتل الذات والوقت علي عتبات اليأس قربانآ لقوي الجنس والظلام.

هل تصدق أنني أود أن أختفي من بعدك عن الوجود ؟

لا أنام حتي أنغلق على نفسي وأنكمش انكماش الجنين ..
أنعزل عن الجميع ؛ عن نفسي..عن أحلامي !

لأكون معك بالخيال..
فلم أعد أبالي أن يعتبرني الأحياء ” ساقط قيد ” !
ولم أعد أعبأ بسخريتهم لي وأنا أسكن بدنيا الأوهام ..

لا يهم ..المهم ألا أنعزل عنك ، وألا يخرجني أحد من مسكني بداخلك !

فهناك ثمة وطن !
يجمع شتاتي داخل عالمك ويلملم أشلائي في محفظة أوراقك.
يؤيني إلي ملفات ذاكرتك فيشعرني بالأنس ويذهب عني الإغتراب.

لذا ..دعني أتكوّر فيه على هيئة العائد إلى مهده الأوّل في رحم أمّه الدافئ..

الذي لم يعرف فيه إلّا وصلها السرمدي الواصل إليه من حبل سرّي يمده بكل أسباب الحياة والحُب والأمان ،،

فهكذا كان جيبك الصغير الذي يحتويني وأنا معك..
وكم أشعر بذلك الشوق والحنين إليك..
إلي ذلك العالم الدافئ الآمن ،،
الفريد.. في داخلك.

كرحم أمي وأنا منك الجنين !

أسترجع تلك الهيئة المشيجية ..
كي أضمر أو أقلل من الحجم الذي أشكله في فراغ الحياة المُزعج بدونك ،،

أهفو للعودة إلي أصل تكويني في صلبك ؛
لأنشق عنك ويتفتق لحمك عني ..

وأنا بعضآ منك ، بضعآ فيك ..
يربطني بك رباطآ لا ينفك من عرق ودم ونسب ؛
ينسبني إليك نسبآ أبديآ لا يفني أو ينقطع !

أنام مختبئة بين يديك لعل حظي من الوجع والخوف يختبئ منك.. حتي لا يعد يراني !

فكلما رآك خوفي إنقشع ..
كأنك نور الحياة وشعاع الأمل تلاحقه بقوة ضياءك ، بشجاعتك .. ببأسك و العناد والجلد المتجذر في صلابة جزعك القديم الضارب في السماء الراسخ في الأرض ،،

كما يلاحق الصبح عتمات الليل علي رؤوس الجبال وغيابات الفيافي.. فيدق بقلب اليأس فأسآ من فولاذ أو وتد.

أغثني ياربااه !
فأنا من بعده الغريق المتشبث بلوح خشب..

تتقاذفني الأهواء وتتلاطمني أهوال الفتن ، موج ورياح..
برد عاتي يمزق أشرعة الصبر ، يحطم.. يزهق الروح في كمد.

وكلما نمت عندك عادت تتعلق روح الأمان بأنفاسي ، فيزيد في ملمس راحتيك إنغماسي ،،

ليتني أغوص داخل ضلوعك علّني أتفادى أوجاعآ.. لا تفارقني في بعادك ..

أجمع أطرافي بين ذراعيك كي تربت على كتفي اليُسرى بكفّك الأيمن وتربت على كتفي الأيمن بكفكّ الأيسر ..

فيملؤني دفء صدرك شبعا وريا بالأنس.. بالحنان !

حتي دموعي المُنسابة في الداخل تظل أنت وحدك من تراها..

تجري على الوجنتين ، فلا تدعها تجف دون أن تمسحها بيديك ..

ولا تهدأ دون ان تمس نبعها حتي يكف عن الفوران !

حديث الروح لا يفهمه إلا شطرها وأنين الروح لا يسمعه إلا قسيمها ..

وأبقي
أنا منك وأنت مني..
فوثاق الروح أبقي من وثاق الجسد.

سماح عبد الحكيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock