رياضة عربية وعالمية
مونديال العرب ليس لكل العرب
بقلم / محموددرويش
إعلان مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” والاتحاد القطري، نهاية الأسبوع الماضي، عن تنظيم بطولة دولية للمنتخبات العربية في الدوحة، أواخر العام المقبل ديسمبر/ كانون الأول 2021، كان الحدث الأبرز لمحطة مهمة في طريق الاستعداد لبطولة كأس العالم 2022، تشارك فيها منتخبات عرب آسيا وأفريقيا، ويتيح الفرصة أمام المنظمين للكشف عن المرافق المجهزة والقدرات التنظيمية في نفس ظروف ومواعيد كأس العالم. كما سيكون فرصة أمام لجنة التنظيم المشتركة بين “فيفا” واللجنة القطرية العليا، للاحتكاك والتعامل سوياً واكتساب الخبرة، وفرصة مهمة للمشجعين واللاعبين ومسؤولي المنتخبات المشاركة، لاستخدام مرافق البلد المستضيف للنسخة المقبلة من المونديال، بما في ذلك الملاعب التي ستحتضن المباريات والتدريبات ومرافق النقل والإقامة.
القرار كان ولا يزال لغزاً مفاجئاً للمتابعين الذين اجتهدوا في تحليله وتفسيره، وربما إعطائه الصبغة السياسية التي تسعى لتحقيق المصالحة بين قطر ودول الحصار، وهو تفسير بعيد تماماً عن الواقع؛ لأنّ اقتراح قطر وموافقة “فيفا” على المشروع يحمل طابعاً تقنياً بحتاً، يريد من خلاله القطريون اختبار مدى استعدادهم للحدث العالمي قبل سنة من انطلاقته، خاصة أنّ الأمر سيكون شبيهاً بكأس القارات التي أقيمت في البلد المنظم لكأس العالم سنة من قبل، غايته هذه المرة إجراء بروفة على الملاعب والمرافق، وما يمكن أن تقدمه التجربة الجديدة لتركيبة لجنة تنظيم مونديال مشتركة بين “فيفا” والبلد المنظم، حيث سيعتمد المبدأ في هذه البطولة لأول مرة في التاريخ بعدما كان “فيفا” المشرف والمسؤول الأول عن التنظيم.
لم يتسرب أي شيء حول حيثيات البطولة ولا صيغتها والمنتخبات التي ستشارك فيها، لكن الأكيد أنها ستكون مفتوحة للمنتخبات المحلية فقط من دون مشاركة المحترفين؛ لأنّ البطولة ستقام خارج تواريخ “فيفا”، أما صيغتها وعدد المنتخبات المشاركة فيها فسيحدد لاحقاً، لكنه لن يكون مفتوحاً لكل المنتخبات العربية. التسريبات والتوقعات الأولية تشير إلى اعتماد مبدأ توجيه دعوات خاصة من طرف “فيفا” لاثني عشر منتخباً بثلاث مجموعات، يتأهل منها إلى نصف النهائي كلّ من الأول والثاني وأفضل ثالث، أو ستة عشر منتخباً كأقصى حد يتأهل منها أول المجموعة إلى نصف النهائي ثم النهائي مباشرة، باعتبار أنّ فترة إجراء البطولة لا تتعدى ثلاثة أسابيع من الفاتح إلى الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول، وهي فترة لا تسمح بمشاركة أكبر، ولا تسمح بإجراء مباريات ربع النهائي لأنها تأخذ وقتاً أطول.
البعض راح يتساءل أيضاً عن موقع وموقف الاتحاد العربي لكرة القدم من البطولة، علماً أنّ اتحادات كرة القدم العربية منطوية أيضاً تحت لواء الاتحاد العربي الذي يشرف على مسابقات عديدة خاصة بالأندية، لكن عندما يتعلق الأمر بحدث رياضي استثنائي يُشرف عليه “فيفا”، فإنّ الأمر يقتضي اتخاذ إجراءات استثنائية ليس لها بديل آخر في ظرف خاص يتميز بتغييرات عميقة مرتقبة على الرزنامة الدولية، والتي لا تسمح بتنظيم بطولة القارات مثلاً، كما لا تسمح بإشراك اللاعبين المحترفين لمنتخبات العالم الأخرى. والاتحاد العربي لكرة القدم لم يعترض ولم يمانع ولم يطلب إشراكه في تنظيم البطولة الدولية الاستثنائية للمنتخبات العربية، التي يمكنه في نفس الوقت أن يتولى تنظيمها لاحقاً مثلما كان عليه الحال سابقاً.بعيدا عن الملاعب
المنطق الرياضي والتقني البحت، الذي يبرر اعتماد البطولة الدولية العربية، لم يمنع من تداول قراءات سياسية متعددة في ظل الأوضاع الراهنة لمنطقة الخليج العربي والحصار المفروض على قطر، والذي قد يمنع مشاركة مصر والسعودية والإمارات والبحرين إذا استمر الحال على ما هو عليه، أو يكون وسيلة لإحداث التقارب، لذلك منح “فيفا” الوقت لتحديد صيغة المنافسة وتجنّب الإعلان عن عدد المنتخبات المشاركة في البطولة، حتى يحتفظ بهامش المناورة تجنباً للإلزام أو أي حجة للاعتذار من طرف المنتخبات العربية، التي صارت تدرك جيداً أنّ المونديال المصغر للعرب لن يكون لكلّ العرب لأسباب رياضية وتقنية قبل الأسباب السياسية.
مهما كان الحال، تبقى السياسة تلقي بظلالها على كلّ حدث رياضي أو ثقافي أو حتى استثماري مهما كانت طبيعته، ويبقى اعتماد البطولة الدولية العربية من طرف “فيفا” يشكّل إنجازاً جديداً لقطر في اتجاه تكريس مكانتها السياسية والرياضية، وفك الحصار المفروض عليها من طرف جيرانها، من خلال استغلال شراكتها المتينة مع الهيئات الرياضية الدولية التي تسند إليها تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى منذ بداية الألفية؛ بسبب السمعة الحسنة والثقة المتبادلة التي أثمرت الظفر بتنظيم مونديال 2022، وقبله مونديال للعرب حتى ولو كان مصغراً بمشاركة اثني عشر أو ستة عشر منتخباً، للوقوف على الجاهزية التقنية والفنية قبل كلّ شيء.