بقلم أيمن بحر
توجهت أنظار العالم خلال الأسبوعين الماضيين إلى فرنسا وما يحدث فيها من انتخابات رئاسية جديدة وأكثر ما لفت الأنظار هو ذاك الشاب الفرنسي الذي لم يتعد الأربعين من عمره والذي قرر أن يخوض تجربة انتخابات الرئاسة بكل ثقة على أنه الرئيس المرتقب لكل الفرنسيين.
إيمانويل ماكرون مواليد 1977 والبالغ من العمر 39 عامًا الذي تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة وكان يعمل مفتشا ماليا ثم مصرفيا بأحد البنوك الكبرى بفرنسا وتدرج في العمل السياسي من نائبًا للأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية لدى الرئيس فرانسوا أولاند إلى وزيرًا للصناعة والاقتصاد من عام 2014 وحتى 2016 بعد استقالته من المنصب ليقود حركة شبابية تُدعى “إلى الأمام” بدأت بـ 4000 شاب فرنسي تجوب البلاد طولًا وعرضًا لمقابلة أكبر عدد من الفرنسيين لاستقطابهم ولتعريف بأهداف حملتهم النبيلة وتحولت الحركة إلى حزب سياسي وسطي وترأس ماكرون هذا الحرب وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية.
لا أستطيع أن أتخيل أن يخرج علينا شاب مصري لم يتجاوز الأربعين بحركة شبابية مثل حركة ماكرون الفرنسي ويستطيع أن يصل إلى عقول وقلوب الشباب المصري ويلتف حوله أكبر عدد من المصريين الحالمين بالتغيير وبغدٍ أفضل وبدولة ديمقراطية بكل ما تحمله الكلمة من معاني مثل فرنسا وربما يستطيع هذا الشاب المصري أن ينجح في أن يؤسس حزبًا سياسيًا ويتم قبوله بسهولة ويُسر دون أي معوقات أو معرقلات روتينية ويصبح حزب غالبية المصريين ويخوض الانتخابات الرئاسية في 2018 في مشهد ديمقراطي كبير وربما يحالفه الحظ وينجح وتصبح أول تجربة ديمقراطية شبابية من نوعها في مصر.
أظن أن هذا الشاب إن خرج علينا اليوم إما أن يُسجن أو يختفي أو يُلفق له التهم أو يُصيبه السٌباب واللعان بوسائل الإعلام الموجهة وتلاحقة الإشاعات الكاذبة من أجل تقليل شعبيته والتشكيك في مصداقيته وقدرته على إدارة البلاد وكل ذلك بعيدًا عن المسرحيات الهزلية والأفلام المصطنعة والتي يُزج فيها الشباب لتحسين الصورة دون أن يحمل أي شاب حتى الآن حقيبة دبلوماسية أو منصب وزاري أو منصب سيادي فالصورة المصدرة هي أن الشباب هو أمل هذه الأمة ومستقبلها دون أي خطوة فعليه على أرض الواقع نحو هذا الهدف، في المقابل فقد سمحت فرنسا لماكرون أن يعمل بالقصر الرئاسي في منصب رفيع ثم تولى منصب وزير الصناعة والاقتصاد والاقتصاد الرقمي عام 2014 ثم استقال في مشهد ديمقراطي أن الوزير من الممكن أن يستقيل في أزهى وأنجح فتراته حتى يخرج للشباب الذي هو منهم وهم منه في حركة شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح لها صدًا وصوتًا عاليًا وعلق الفرنسيين آمالهم بها فتحولت الحركة إلى حزب سياسي وسطي كل هذا على مرئ ومسمع الدولة والحكومة الفرنسية التي لم تعترض لحظة عما يحدث لأنها مؤمنة كل الإيمان بالشباب وبتداول السلطات وأنه حق أصيل لأي مواطن.
لقد ظهر ماكرون على الساحة الفرنسية كوزير في الحكومة الفرنسية حاملا حقيبة الصناعه والاقتصاد لأن الدولة تؤمن فعلًا بالشباب وتعطي لهم الفرصة خصوصًا من البارعين في مجالهم وخاض الانتخابات الرئاسية وفاز بها واختاره الشعب الفرنسي بنسبة 66% وارتضى الشعب أن يكون رئيسهم رجل اقتصاد لأن الثقافة الفرنسية لدى الشعب والدولة تسمح بذلك ولا يوجد معتقدات لدى الشعب أن يكون رئيس الدولة من فئة أو فصيل معين وأي فصيل أو فئة مختلفة قد تؤدي إلى الخراب أو الفقر أو عدم الاستقرار وذلك على الرغم من الإرهاب التي تواجهه فرنسا والعمليات الإرهابية التي تحدث وتهدد أمنهم.
إن الاعلام المضلل دائما ما يصدر للمصرين مشهد واحد فقط ويدفعهم إلى السير في اتجاه واحد فقط وهو ما يُطلق عليه الإعلام الموجه فتجد برامج التوك شو يوميًا تتحدث بلغة واحده ونبرة صوت واحده وكأن هناك من يصنع المشهد ويخرجه لنا عن طريق وسائل الإعلام إلا من رحم ربه وهم قلة قليلة، وسيظهر هذا الدور المحوري للإعلام أكثر وأكثر في الانتخابات الرئاسية المقبلة على عكس الإعلام الفرنسي الذي كان محايدًا وعلى مسافة واحدة من كل المرشحين لمنصب الرئاسة فلم يكن إعلامهم يومًا أداة لبث فكر معين أو دفع الفرنسيين لانتخاب مرشح دون الآخر فالكلمة العليا لإرادة الشعب وللأغلبية المطلقة التي يعلنها صندوق الاقتراع بل الأجمل والأروع أن يقف المرشحين وجهًا لوجه على شاشات التلفاز في مناظرة تتسم بالرقي والتحضر وقمة الديمقراطية ليعرض كل منهما برنامجه بكل شفافية ووضوح في صورة بديعة لم نرها وربما لن نراها في بلادنا.
إنني كشاب مصري أحلم بالتغيير إلى الأحسن دائمًا وبغدٍ أفضل وتداول السلطة الديمقراطي وأحلم أن يتولى رئاسة مصر أشخاص من كل الأعمار ومن كل فئات الشعب الأطباء والمهندسين والزراعيين والاقتصاديين ورجال الأمن ورجال القانون. الخ لأنها سنة الله في أرضه شأننا شأن الدول المتقدمة التي لم تعرف يومًا التشبث بالسلطة لفترات زمنية طويلة أو اقتصارها على فئة بعينها
فمتى يخرج علينا ماكرون المصري ليقود البلاد بفكره الجديد الوسطي المستنير وبطاقته وحيويته وشبابه أو على الأقل ليخوض التجربة الديمقراطية الشابة كالتجربة الماكرونية التي قد يكون نتاجها في يوم من الأيام رئيس شاب؟