حنان عبد الحليم
مراجيح العيد ، الدرس الاول فى الحرية
مراجيح العيد , متعة لاتعادلها متعة , لحظات ترقب وخوف أشك أن رواد الفضاء يحظون بمثلها .
فرغم ما خبرته فى حياتى بعدها من اشكال الترفيه الراقى فى مدن الملاهى , وانواع المراجيح الكهربائية , التى تدير الرؤوس وتكسر العظام , حتى ركوب الطائرات فى ظل الاحوال الجوية المتقلبة ومطبات الهواء ،
كل هذا لايمكن أن يقف على خط واحد او يقارب فى الاحساس بمراجيح العيد ,فى القرية .
المرجيحة ، ذلك الاختراع الجهنمى بذلك الرجل الحبوب, الذى يدفعها بيديه عاليا حسب رغبة الزبون ، وكلما دفعها الى أعلى , كلما اعتبرته “حبوبا ” اكثر .. الى ان ينتهى الوقت المقرر, طبقا للمبغ المدفوع, فيجذب بيده ذلك الذراع الذى يقوم بعمل الفرامل ليوقف المرجيحة عن الطيران.
إن ذلك الرجل كنت اتخيله فى طفولتى ,حارس الجنة فلطلما علمونا فى الطفولة أننا فى الجنة سنحظى بكل ما نحب ونلتقى فيها مع من نحب أيضا , فمن البديهى ان يكون في الجنة ,مراجيح .
شعور مذهل .. ان ينطلق بك ذلك الشئ الفريد لمرجيحة الى أعلى لتلمس نجوم السماء ,ويجعلك تعانق العصافير فى أعشاشها فوق الأشجار ,, و مع كل دفعة يصافح الهواء وجهك بشدة , صعودا .. ويغوص قلبك بين ضلوعك , هبوطا حتى يكاد ينخلع .
كانت المراجح , من انواع اللهو المباح فى لقرية , والممنوع فى المدينة , شأنها شأن اللعب فى الشارع , والخروج بدون إذن ، وصيد السمك .
استثناءات القرية عديدة ، نشأنا عليها ولا نجرؤ ان نطالب بها فى مصر .
و لكن تبقى المراجيح ” ملكة متوجة “على كل أنواع اللهو أولا : لأنها موسمية فهى تقتصر على العيد وغير موجودة فى اى وقت آخر فى القرية ، ربما لأسباب اقتصادية , فالاطفال فى القرى يعملون فى الحقول فى فصل الصيف , ويذهبون للمدارس فى فصل الشتاء ,ومن لايذهب منهم للدراسة يعمل ايضا ,ومن ثم لن تكون مربحة الا فى العيد , حيث التفرغ للعب و لوجود العيدية .
ثانيا : انها وسيلة اللعب الاكثر اثارة وخطورة وخيالية فى نفس الوقت . فلا يوجد شئ فى ذلك الوقت يمكنه أن يصعد يمكنه ان يصعد بك فى الهواء ويهبط فى ثوانى معدودة ,غير المرجيحة , حتى المصعد الذى كان يغرى الأطفال فى ذلك الوقت , لم يكن كذلك بالنسبة لى، فهو جزء من حياتى اليومية , ومغلق من جوانبة بالزجاج ,, ويتحرك صعودا وهبوطا مرورا بالجداران المملة , ليس فى الهواء الطلق , ليس بذلك المرح .
رغم كل التحذيرات التى كانت تطلقها أمى , من أن المرجيحة تسبب الدوار والغثيان واشياء أخرى عديدة ,ورغم تمسكها بأقوالها طوال الوقت , خاصة لحظة تسليم العيدية , الا انى لم أستجب, ولا مرة واحدة لهذة التحذيرات
. فالمرجيحة تسبب الدوار فعلا , ولكنه “دوار” لذيد كنت أتمنى فى كل مرة أن يدوم , وان تظل الارض تدور بى هكذا . اما الغثيان فلم يصيبنى ولا مرة واحدة بسبب المرجيحة , لكنى ,,كثيرا ما كنت أصاب به فى مصر ,عندما اجبر على تناول طعام , ترى امى انه مغذى , بينما أراه انا كريه ، كما كنت اصاب بالغثيان ، من ملل الحياة وكثرة الواجبات المدرسية .
اما الوصايا الخاصة , بالعب بالراحة , عدم الارتفاع بالمرجيحة لأعلى , فتلك كانت الكوميديا ..بعينها بالنسبة لى .فالمرجيحة ,لا يمكن ان تسمى مرجيحة , إلا اذا ارتفعت لأعلى ويا حبذا لواخترقت السحاب.
فهذا هو اللهو , هذا وهو المرح , اما المرجيحة البطيئة فهى يمكن تسميتها ” اتوبيس هيئة النقل العام ” لا ينقصها الا ان تقف فى محطات .
لا يشئ فى الكون يعادل مشاعر الانطلاق وتحطيم القيود الذى تمنحه المرجيحة . ولا تلك الحظات الفريدة التى نادرا ما يجود بها الزمان . فالعصفور لن يبقى فى القفص , اذا فتح بابه ,و الاتحول الى حمار , لكنه حتى يظل عصفورا لابد ان يطير باحثا عن الحرية التى فطر عليها غير عابئ بالطعام الآمن فى القفص .
.تبقى المراجيح جناحى اللذين حلقت بهما بعيدا عن الارض بعيدا عن الرقابة بعيدا عن اطاعةالاوامر .