سامح عبده
بخفة ظلها، وضحكتها الجميلة، وصوتها المميز عن كل المطربات، أطلت الفنانة شادية على جمهورها عام 1947، وقررت أن تحفر اسمها على لوحات المجد والشهرة، لتكون “دلوعة السينما” و”معبودة الجماهير”.
يوم 8 فبراير 1931، في منطقة الحلمية الجديدة، وُلدت الطفلة فاطمة، ابنة المهندس أحمد كمال، أحد أكبر المهندسين الزراعيين في مصر آنذاك، وأحد المهندسين المشرفين على الأراضي الملكية، والذي كان يسكن على مقربة من قصر عابدين.
كان لدى فاطمة شغفا كبيرا بالسينما، وكانت تتمنى فرصة للوقوف أمام الكاميرا وهي في عمر مبكرة، وما أن وجدت إعلانا يطلب وجوها جديدة لعمل فني جديد يخرجه أحمد بدرخان، حتى سارعت إلى استوديو مصر، مكان الاختبارات، وتقدّمت للاختبار على يد المخرج الكبير.
دخلت فاطمة أحمد كمال استوديو مصر، ووقفت أمام بدرخان، ومثّلت أمامه، وغنّت إحدى الأغنيات، فنالت إعجابه وإعجاب كل من كانوا في الاستوديو، فرشحت للمشاركة في أحد الأفلام، ولكن شيئا ما حدث أوقف خروج الفيلم إلى النور، فشاءت الأقدار أن يكون أول أدوارها بالسينما في فيلم آخر، هو “أزهار وأشواك” عام 1947.
بدورها الصغير في “أزهار وأشواك”، أُعجِب المخرج أحمد بدرخان، فرشّحها للمنتج حلمي رفلة، الذي قرر إنتاج أول فيلم تقوم ببطولته أمام المطرب محمد فوزي، وهو فيلم “العقل في إجازة”، الذي أنتج في نفس العام.
انبهر محمد فوزي بأداء وصوت الفنانة الشابة، فقرر أن يستعين بها في عدد من أفلامه اللاحقة، أهمها “الزوجة السابعة”، و”بنات حواء”، و”الروح والجسد”.
بعد الشهرة التي حققتها فاطمة، قرر حلمي رفلة أن يطلق عليها اسم “شادية”، لينتشر اسمها بعد ذلك في العديد من المحافل، وأهمها على الإطلاق، الغناء أمام مجلس قيادة الثورة في أعياد ثورة 23 يوليو.
انتقلت شادية بعد ذلك من فيلم إلى آخر، ومن أغنية إلى أخرى، وحققت انتشارا واسعا، وأصبح لها قاعدة جماهيرية كبيرة، وصعدت إلى قمة المجد والشهرة، خلال حقبة الستينيات بالقرن الماضي، حتى وقفت أمام العندليب عبد الحليم حافظ في فيلم “معبودة الجماهير” عام 1967، فأصبح اسم الفيلم هو اللقب الجديد لـ”دلوعة السينما المصرية”.
تزوجت شادية 3 مرات، الأولى من مهندس يدعى عزيز فتحي، والمرة الثانية من الفنان عماد حمدي، الذي جمعه بها قصة حب كبيرة، انتهت بعد 3 سنوات من الزواج، قبل تتزوج بصلاح ذو الفقار، الذي انفصلت عنه عام 1969، دون أن تنجب أطفالا من أزواجها الثلاثة.
استطاعت شادية أن تلعب كل الأدوار في السينما، إذ أدت دور الفتاة “الشقية” في فيلم “لحن الوفاء”، ودور الحبيبة في “معبودة الجماهير”، ودور الأم في “لا تسألني من أنا” و”المرأة المجهولة”، ودور المرأة القوية التي تحارب الطغيان والجبروت في “شيء من الخوف”، والزوجة القوية في “مراتي مدير عام”، والباغية في فيلم “اللص والكلاب”، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للأديب نجيب محفوظ، الذي أدهشه أداء شادية في الفيلم.
بعد مسيرة ناجحة طويلة من التمثيل، عُرض على شادية مسرحية “ريا وسكينة”، مع الفنانة سهير الببلاوي، فوافقت، وحققت المسرحية نجاحا كبيرا في وقتها، وعُرضت لمدة 3 سنوات في مصر والدول العربية.
“دلوعة السينما” لم تقف كثيرا على المسرح، إذ اكتفت بمسرحية وحيدة في مسيرتها الفنية الطويلة، وكانت قبلها عندما تُسأل عن سبب عدم خوض تجارب مسرحية، كانت ترد بأنها ليست جاهزة للوقوف على خشبة المسرح، وظل هذا المشروع مؤجلا، إلى أن جسدت “ريا” بإبداع في المسرحية الشهيرة.
عقب العرض الأخير للمسرحية، كانت الفنانة شادية قد بلغت الخمسين، وقررت اعتزال الفن بكل أشكاله، وقالت إنها أرادت أن تعتزل وهي في عز مجدها، ولم تنتظر حتى تهجرها الأضواء وتنحسر عنها رويدًا رويدًا، ثم تفكر في الاعتزال بعد ذلك.
وعانت الفنانة صاحبة الـ86 عاما، خلال الساعات الماضية، من تدهور حالتها الصحية، بعد تعرضها لجلطة في المخ، أدت إلى احتجازها في المستشفى، ودخولها غرفة العناية المركزة، ما دفع المقربين منها، مثل الفنانة إلهام شاهين، إلى طلب الدعاء لها بالشفاء، وذلك قبل أن يخرج نجل شقيقها، منذ قليل، ويؤكد عبر صفحته بموقع “فيس بوك”، أنها استجابت للعلاج.