كتب/خطاب معوض خطاب
“دائما وأبدا هناك من يدفعون الثمن وهناك من يحصدون المكاسب”، هذه الجملة تعبر تعبيرا حقيقيا عن حالنا القريب والبعيد، فعلى مر الزمان هناك من يضحون بالغالي والنفيس من أجل الوطن بينما يحصد آخرون الغنائم والمكاسب، وقد عبر الفن المصري عن هذه العبارة أصدق تعبير
ففي فيلم ” المواطن مصري” والذي يعتبر نقدا مباشرا لفترة السبعينيات والذي تم إنتاجه وعرضه سنة 1991م، وقام ببطولته النجم عمر الشريف والفنان عزت العلايلي والفنانة صفية العمري وعبد الله محمود وخالد النبوي، وأخرجه صلاح أبو سيف عن قصة يوسف القعيد “يحدث في مصر الآن”، نشاهد ابن الفلاح الفقير يتم تجنيده بديلا عن ابن العمدة، ويذهب ابن الفلاح الفقير للحرب حيث يستشهد بينما يتم تكريم العمدة كوالد للشهيد حسب المثبت في الأوراق الرسمية وقتها.
ونجد نفس الخط الدرامي في مسلسل ليالي الحلمية الشهير، للمؤلف أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، وهو العمل الدرامي الأكبر والأشهر في تاريخ الدراما المصرية والعربية ويعد علامة بارزة في تاريخ صانعيه، حيث يعد هو المعادل التليفزيوني لثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، حيث رصد المؤلف في هذا المسلسل تاريخ مصر الحديث منذ الأربعينيات حتى قرب نهاية القرن العشرين .
فبعيدا عن الشخصيتين الرئيسيتين بالمسلسل وهما الباشا سليم البدري والعمدة سليمان غانم وصراعهما من أجل المكاسب المادية وفرض السيطرة على المكان والناس، نلمح خطا آخر أبرزه كاتب العمل أسامة أنور عكاشة، وهو “عائلة السماحي” وهم المعلم زينهم”الفنان سيد عبد الكريم” صاحب المقهى الشهير وأخوه طه السماحي”الفنان عبد العزيز مخيون” الفدائي والوطني الذي يحارب الإنجليز ومن بعده ابنه ناجي طه السماحي”الفنان شريف منير” بطل حرب أكتوبر الذي عمل بالنيابة وجهاز المدعي الإشتراكي بعد ذلك، فالمعلم زينهم الفتوة السابق وابن البلد الوفي البار وصاحب المقهى الذي يتجمع فيه كل أبناء الحلمية والذي مات يوم نصر أكتوبر، ومن شدة حب وتعلق المشاهدين به عاب البعض على المؤلف أنه جعل هذه الشخصية الوطنية تموت يوم النصر، واتهموه بأنه أطفأ فرحة النصر في الحرب بموت المعلم زينهم السماحي ابن البلد الأصيل،
وبينما انشغل الباشا سليم البدري والعمدة سليمان غانم طوال أحداث المسلسل بمحاولة كل منهما للقضاء على الآخر والتخلص منه، كان طه السماحي أخو المعلم زينهم مشغولا بهمه الوطني وبمحاولة التخلص من الإحتلال الإنجليزي للبلاد، حيث مات شهيدا فداء للوطن، وناجي طه السماحي ابن الشهيد طه السماحي الذي رسم المؤلف شخصيته على طريقة “من شابه أباه فما ظلم”، فقد كان وطنيا مثل والده الشهيد، وكما حارب والده الإنجليز حارب هو أيضا الصهاينة في حرب أكتوبر، وبعدها عمل بالنيابة ثم عمل مستشارا بجهاز المدعي العام الإشتراكي ونذر نفسه لمحاربة الفساد، وكما قتل الإنجليز طه السماحي الذي كان يحاربهم، تم التخلص من ابنه وقتله على يد “حيتان الفساد” الذين كان يحاربهم.
وفي أحد المشاهد المعبرة في مسلسل ليالي الحلمية دار حوار بين علي البدري”الفنان ممدوح عبد العليم” وواالده سليم البدري”الفنان يحيى الفخراني” بعد مقتل ناجي السماحي، حيث اتهم علي البدري عائلته بأنها تتمتع بالأنانية ولا تعرف سوى مصالحها الخاصة، بينما عائلة السماحي تضحي وتعمل من أجل الوطن، وأن أولاد السماحي دائما يدفعون الثمن بينما أولاد البدري هم الذين يحصدون المكاسب.
وبالفعل وحسب ما نرى بأعيننا، هذا هو ما حدث ويحدث دائما في مصر بالفعل على مر العصور، هناك من يضحون من أجل الوطن دائما ويدفعون الثمن غاليا في سبيل هذا الحب، بينما من يتمتعون بالأنانية ولا يعرفون سوى مصالحهم الخاصة هم فقط دائما من يحصدون المكاسب.