كتب/خطاب معوض خطاب
من البطولات المجهولة التي لا أعلم السر الكامن في تجاهلها وعدم إبرازها وتسليط الضوء عليها، بطولة ضابط مصري شاب، مجهول الاسم والسن والعنوان والرتبة، هذا الضابط يعتبرونه في العريش رمزا للبطولة والشجاعة والتضحية والفداء، حيث تتناقل الأجيال هناك قصة بطولته، أنقل حكايته لكم عن الكاتب الكبير وجيه أبو ذكري، الذي أوردها في كتابه الشهير “مذبحة الأبرياء في 5 يونيو” نقلا عن شاهد عيان من رجال العريش اسمه عبد العزيز الغالي”.
الزمان 5 يونيو 1967م، المكان مدينة العريش المصرية حيث يتجمع رجالها ليقابلوا سيارة عسكرية مصرية يقودها ضابط صغير السن كانت تعبيرات وجهه توحي بأحزان الكون كله، حادثهم وكأنه في سباق مع الزمن وطلب منهم أن يساعدوه في إنزال المدفع المضاد للدبابات من فوق السيارة ومعاونته في تثبيته فوق تبة بارزة وتوجيهه صوب طابور من الدبابات الإسرائيلية قادم من جهة رفح وقطاع غزة.
تسابق أهل العريش إلى معاونة هذا الضابط الذي أبيدت القوة التي كانت معه، حيث حملوا المدفع والذخيرة الكبيرة التي كان يحملها فوق السيارة، ثم حملوا أكياسا من الرمال وضعوها حول المدفع ليثبتوه، وبالفعل خلال دقائق معدودة تم تجهيز الموقع للدخول في معركة مع الدبابات الإسرائيلية القادمة لاقتحام مدينة العريش، وما أن اقترب طابور الدبابات حتى بادرهم بطل تبة العريش بإطلاق نيران مدفعه على أول دبابة في الطابور فأصابها ثم أطلق نيران المدفع على آخر دبابة فأصابها أيضا وسط فرحة وتصفيق وتهليل أهالي العريش بما يفعله هذا البطل الشاب، وحوصرت الدبابات الإسرائيلية بين الدبابة الأولى والأخيرة المصابتين، وكلما حاولت دبابة الخروج من الطابور ومحاولة القدوم ناحية العريش تصبح صيدا سهلا في مرمى نيران مدفع بطل تبة العريش، وكلما أطلقت الدبابات نيران مدافعها بغزارة كانت تطيش طلقاتها.
ظل بطل تبة العريش يمنع طابور الدبابات الإسرائيلية لساعات، وكادت ماسورة المدفع تتحول لقطعة من النيران فطلب الضابط الشاب من أهالي العريش معاونته بإحضار مياه وملابس لتبريد ماسورة المدفع، فتسابق الأهالي في حمل المياه والصعود بها فوق التبة وخلعوا ملابسهم وبللوها في المياه ووضعوها على ماسورة المدفع لتبريدها، وكانت بحق ملحمة للبطولة والشجاعة والتضحية والفداء من الضابط الشاب وأهالي العريش في ذلك الوقت.
فشلت الدبابات الإسرائيلية في إقتحام العريش، كما فشلت مدافعها في إصابة بطل التبة الشجاع، حتى جاء الليل وجاءت بصحبته قوة كوماندوز إسرائيلية تسللت خلف التبة فأصبح الضابط الشجاع محاصرا بين الدبابات وقوة الكوماندوز التي ألقت قنابلها على التبة فاستشهد البطل المصري الشجاع، بعدها تقدمت الدبابات الإسرائيلية واقتحمت مدينة العريش، حيث قام قائد القوة الإسرائيلية بتفقد موقع التبة وأصيب بالذهول حينما رأى أن القوة المصرية المتمركزة فوق التبة عبارة عن ضابط واحد فقط، وسمح بدفن جثمان الضابط المصري الشجاع في مدافن العريش، حيث حضر قائد القوة الإسرائية مراسم الدفن وأدى التحية العسكرية لبطل تبة العريش المجهول.