صحتك بالدنياعاممقالات
تأثيرات التغيرات المناخية على الأمن الغذائي
كلية الزراعة_ جامعة سوهاج
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة
والبيئة بمحافظة سوهاج
الآثار المستقبلية للتغيرات المناخية على الأغذية
اعتمد الباحثون على ثلاثة أطر زمنية لتوصيف مستقبل الاتجاهات المناخية في العالم: 2030، 2050 و2080/2100، وهذه الأطر الزمنية تسمح بتقييم آثار التغيرات المناخية مع مرور الوقت على أساس اتجاهات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وحساسية المناخ تجاه تراكم هذه الانبعاثات، حيث تسببت زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال العقد الماضي في تغير المناخ العالمي. ودون العمل على الحد من انبعاث هذه الغازات، فإنه من المتوقع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وحدوث تغيرات في جميع مكونات النظام المناخي. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تشهد الأرض ميلاً تجاه ارتفاع درجات الحرارة.
وثمة عاملان يحددان مدى تأثُّر نظم إنتاج الغذاء بالتغيرات المناخية في مناطق مختلفة من العالم، وهما: الأول، مستوى التعرض للمخاطر المحتملة ودرجة التكيف ومقدار المرونة التي تتمتع بها أنظمة إنتاج الغذاء، والعامل الثاني هو الموقع الجغرافي.
فالتعرض الشديد للصدمات المناخية غالباً ما يتسبب في حدوث خسائر وأضرار كبيرة، ولذلك أصبح وجود نظم زراعية متطورة ومرنة يُعد عنصراً هاماً لتعويض آثار التغير المناخي. وعلى سبيل المثال، فإن الاعتماد على بذور تتحمل الجفاف والفيضانات، وتحسين إدارة المياه، وتطوير تكنولوجيا ما بعد الحصاد، يمكن أن يقلل كثيراً من خسائر الأرز في جنوب شرق آسيا.
ويؤكد الباحثون أن هذه التغيرات المناخية لها تأثير سلبي على مناطق إنتاج الغذاء في مختلف أنحاء العالم، حيث إن المخاطر الزراعية المستقبلية المنبثقة عن التغير المناخي يمكن أن تؤدي إلى وقوع كوارث، مثل: موجة الجفاف الشديد التي شهدتها مناطق إنتاج الأرز مؤخراً في استراليا، في منطقة “ريفيرينا” في ولاية “نيو ساوث ويلز” جنوب شرق البلاد، ووقوع أعاصير بشكل مفاجئ مثل الأعاصير الاستوائية كما حدث في إعصار “نرجس” في ميانمار 2008 أو إعصار “هايان” في الفلبين 2013. كما أنه في بعض مناطق ومراكز إنتاج الغذاء، ستتسبب موجات الجفاف، وعدم انتظام هطول الأمطار، في تغيير النظام المناخي؛ مما سيجعل من الصعب على المزارعين التنبؤ بحدوث هذه الكوارث قبل وقوعها.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2030
يتوقع “موجز السياسات” الآثار المترتبة على التغيرات المناخية عام 2030، كالتالي:
الإجهاد الحراري:
أي ارتفاع درجات الحرارة، مما قد يتسبب في انخفاض إنتاج الأرز، حيث إن كل زيادة في درجات الحرارة قدرها درجة مئوية واحدة فوق 24 درجة، قد تؤدي إلى انخفاض بنسبة 10% في محاصيل الحبوب.
الإجهاد المائي:
يعني الضرر الذي يصيب النبات نتيجة التعرض إما إلى نقص الماء (جفاف) أو زيادة الماء (غمر) عن الحد الأمثل اللازم لنمو النبات. وينجم “الإجهاد المائي” عن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض كمية الأمطار، وطول موجات الجفاف المتزايدة. ومن المرجح أن يؤثر على إنتاج الأرز والقمح في آسيا والولايات المتحدة واستراليا.يمكن أن يتأثر إنتاج الأرز في دلتا جنوب شرق آسيا من حدوث فيضانات وعواصف ناجمة عن ارتفاع مستويات البحار، وزيادة هطول الأمطار.ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة نفوق الحيوانات، خاصةً خلال عملية نقلها من مكان إلى آخر، وبالتالي تراجع عوائد تجارة الماشية.ارتفاع معدل هطول الأمطار والفيضانات يمكن أن تتسبب في غرق وتآكل التربة، وبالتالي انخفاض العوائد منها.
إقرأ المزيد
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2050
يُوجز الباحثون الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية عام 2050، فيما يلي:
من المرجح أن يستمر “الإجهاد المائي والحراري”، وأن يؤثر ذلك على بعض المحاصيل. ودون اتخاذ التدابير اللازمة للتكيف بحلول عام 2050، فإنه من المتوقع أن يشهد إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية انخفاضاً كبيراً؛ فكل ارتفاع مقداره 2 درجة مئوية في درجات الحرارة يمكن أن يتسبب في انخفاض إنتاج الأرز بنحو 0,75 طن للهكتار الواحد في مناطق إنتاجه.
ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر على إنتاج القمح في جميع البلدان المنتجة له. فعلى سبيل المثال، سهول نهر “الجانج” في الهند يمكن أن تتأثر بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2050، وأن يتسبب ذلك في خسارة نحو 50% من مساحة زراعة القمح.زيادة درجات الحرارة في مياه المحيطات، وزيادة حموضة المحيطات (يحدث نتيجة زيادة امتصاص مياه المحيطات لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي تتزايد نسبته من الغلاف الجوي)، والتغيرات في الإشعاع الشمسي في العقود المقبلة، يمكن أن تتسبب في تقلب مستويات إنتاج الأسماك. فبحلول عام 2050، قد تنخفض إمكانية صيد الأسماك في مياه البحار في مناطق جنوب شرق آسيا بنسبة تتراوح من 40% إلى 60% بسبب هجرة الأسماك.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2080/2100
تتحدد الآثار المتوقعة خلال هذه الفترة الزمنية، في الآتي:
من المرجح أن ينخفض إنتاج المحاصيل في المناطق المنتجة الحالية، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية فوق المستويات الحالية. وبالنسبة للمناطق ذات المناخ الاستوائي، فإن درجات الحرارة الشديدة سوف تحد من فترة موسم نمو المحاصيل.
حدوث خسائر في إنتاج محاصيل الأرز بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة نسبة الملوحة. وبحلول عام 2080، قد يشهد شمال شرق تايلاند – مثلاً – انخفاضاً في عوائد إنتاج المحاصيل بنسبة تصل من 8,6% إلى – 32,2%.وفقاً لأسوأ سيناريو للتغيرات المناخية، فإنه من المرجح أن ينخفض إنتاج القمح بمقدار كبير بين عامي 2050 و2080.قد تتسبب الممارسات السلبية للإدارة الساحلية والبحرية، في انقراض العديد من أنواع الأسماك، ويأتي ارتفاع درجات الحرارة ليزيد من التحديات التي تواجهها الدول بحلول عام 2100 خاصةً في المناطق الاستوائية، حيث إنه من المرجح أن تكون مصائد الأسماك الساحلية في البلدان الاستوائية عُرضة للتغيرات المناخية بسبب انخفاض الغطاء الطبيعي من الشعاب المرجانية، مما قد يزيد من مشكلة حدوث انقراض في أنواع الأسماك.
أبرز التحديات التي تواجه الدول المستوردة للغذاء
يرى الباحثون أن ثمة عدداً من التحديات تواجه الدول المستوردة للغذاء، وهي:
انخفاض في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية وصيد الأسماك: مما يشكل تحدياً إضافياً على الأمن الغذائي العالمي. ومن المرجح أيضاً حدوث المزيد من التقلبات في أسعار الغذاء، وارتفاع المخاطر المرتبطة بالحصول على الطعام في الأسواق العالمية.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة تكاليف الإنتاج:حيث إنه من المرجح أن ترتفع تكاليف الإنتاج الغذائي بسبب ارتفاع تكاليف التكيف مع التغيرات المناخية والتدابير اللازمة للتخفيف من آثارها. وفي هذا الإطار، فإن ثمة توقعات أن ترتفع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى مشكلة ندرة المياه، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
تغير مراكز إنتاج الغذاء في العالم: لتجنب ارتفاع تكاليف التكيف، فإنه من المرجح أن تنتقل مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني إلى مناطق ذات ظروف مناخية أكثر ملائمة، وقد يقود ذلك إلى تغيير مناطق التوزيع العالمي لإنتاج وتصدير الغذاء، مع احتمال صعود بلدان جديدة على خريطة الأمن والإنتاج الغذائي في العالم باعتبارها مراكز لتصدير الغذاء، وظهور سلاسل جديدة لإمدادات الطعام، وبالتالي اختلاف ميزان القوى بين الدول المصدرة للغذاء والدول المستوردة له، وهو ما سيُلقي بتبعاته على العلاقات الإقليمية والثنائية بين الدول.