عام
زواج القاصرات أثاره القانونية أكبر من حجم المشكلة ذاتها !
كتب بشار الحريري:
مع استمرار الازمة السورية تتكشف معها كل يوم معاناة جديدة وقضية تشكل أزمة بحد ذاتها لما لها من آثار قانونية واقتصادية واجتماعية تنعكس سلباً على حياة الشعب السوري في الداخل أو في دول اللجوء ومن هذه القضايا الزواج المبكر أو ما بات يعرف بزواج القاصرات أو القصّر.
يُعرّف الزواج المبكر بأنه :
الزواج قبل سن البلوغ، أي قبل وصول الفتى أو الفتاة إلى سن النضج وتمام النمو الجسمي والجنسي.
وهو من القضايا الاجتماعية الأكثر تعقيداً وأصبح من أكثر القضايا التي يتناولها المجتمع بحثا و يتقاذفها في تناوله لها من خلال الدين ، والعرف ، والعادات والتقاليد ، والقانون.
بادئ ذي بدء لم يكن زواج القاصرات أو الزواج المبكر كما تعارف على تسميته يشكل مشكلة اجتماعية ما قبل الأزمة في سورية كونه كان متعارفاً عليه وفق قيم المجتمع السوري وعاداته وتقاليده ومنسجماً مع أحكام الشريعة ومواد قانون الأحوال الشخصية السوري حيث نصت المادة 16 منه على :
(( تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر )).
ونصت المادة 18 من نفس القانون : (( إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة او المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن القاضي به إذا تبين له صدق دعواهما )) .
وأيضا ذكرت المادة 19 من القانون ذاته أنه (( من شروط الكفاءة الزوجية تناسب السن فإذا كان الخاطبان غير متناسبين سناً ولم يكن مصلحة في هذا الزواج فللقاضي ألا يأذن به )) .
ولكن الذي اختلف وجعل من هذا الزواج مشكلة خلال الأزمة السورية التي بدأت عام 2011 هو اختلاف الأسباب من وراء هذا الزواج مما زاد في حجم الظاهرة حيث كان للأوضاع الاقتصادية في سورية دور بارز في انتشار هذه الظاهرة ، فكان لزيادة العجز الاقتصادي الذي يواجهه الاقتصاد السوري يوما بعد يوم دور في إحداث التغيير المذكور بالعادات الاجتماعية فانحدرت نحو السلبية بشكل ليس بقليل مقارنة مع أعوام ما قبل الحرب .
وذكرت دراسات رسمية نشرت في سورية بأن معدل التضخم بلغ خلال شهر شباط 5% عن شهر كانون الأول لعام 2014 . ومعدل التضخم السنوي 23.6 % عن شهر كانون الثاني 2014 .
وهذه الأرقام تعتبر مؤشرا على مدى الصعوبات التي تواجه الأسرة السورية في تأمين مستلزمات معيشتها اليومية والأساسية لا سيما وأن هناك جهات حكومية وأخرى خاصة أكدت أن الأسرة السورية تحتاج إلى 90000 ل.س لكي تؤمن احتياجاتها الأساسية .
في حين أن متوسط الدخل الشهري لا يتعدى الـ 25000 ل.س كحد وسطي .
أي ان هناك فجوة كبيرة بين الأسعار والدخول الشهرية للأسر، ما كرس انتشار عادات اجتماعية سلبية كثيرة في سورية في هذا الإطار .
ونشير هنا إلى إحصائية قضائية سورية صدرت خلال عام 2016 /2017 تتعلق بقضية زواج القاصرات كشفت عن وجود نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات أقدمن على الزواج عرفياً، إذ يتجاوز عدد معاملات تثبيت الزواج للقاصرات اللواتي تزوجن خارج المحكمة الشرعية 100 حالة يومياً .
وبيّن القاضي الشرعي الأول آنذاك بدمشق، محمود معرواي لصحيفة الوطن ، أن عدد معاملات زواج القاصرات في دمشق يشكل 10% إلى 15% من معاملات الزواج، حيث بلغ يومياً نحو 5 معاملات .
كما تبين أن عدد معاملات زواج القاصرات يقارب 200 معاملة يوميا في جميع المحافظات السورية .
وذكر القاضي الشرعي الاول بدمشق حينها أنه تم رفض معاملة زواج لقاصر بلغ عمرها 14 سنة لأن من يريد الزواج بها تجاوز عمره الـ40 عاماً، وهو متزوج، وتم الرفض بحضور الأب باعتبار أن هذا الزواج ليس فيه مصلحة للفتاة القاصر.
وذكر وزير العدل السوري آنذاك نجم الأحمد بأن زواج القاصرات من أصعب النتائج السلبية التي أفرزتها الأزمة السورية، على أرض الواقع لافتاً إلى أن نسبة عقود زواج القاصرات في المحكمة الشرعية 10% خلال 2013، واصفاً ذلك بأنه مثير للقلق.
وفي عام 2013 ذكرت إحصائيات رسمية بأن نسبة زواج القاصرات في المحكمة الشرعية بلغت 10% ما يعادل 2100 عقد من أصل 17 ألف عقد زواج ، وعدد حالات طلاق القاصرات لم يتجاوز 75 من أصل 4845 حالة طلاق في ذات العام .
وفي هذا الصدد لا بد من الاشارة إلى إحصائية صادرة عن مقام قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية عن زواج القاصرات السوريات في مجتمع اللاجئين السوريين :
وبحسب إحصائيات دائرة قاضي القضاة فإن السوريات اللواتي تزوجن دون سن الـ 18 وثبت زواجهن في المحاكم الأردنية عام 2011 بلغ 42 مقابل اثنين من الفتيان من نفس الفئة العمرية في ذلك العام
وتشير الإحصائية إلى ارتفاع أعداد المتزوجين والمتزوجات من السوريين على أرض الأردن دون سن 18 لتكون في عام 2012 (148 أنثى.. 4 ذكور)، وفي عام 2013 (735 أنثى.. 22 ذكراً)، وأما في عام 2014 (2253 أنثى .. 138 ذكر ).
ونفذت دائرة قاضي القضاة حملتين أعفت فيهما كل من عقد عقود زواج دون توثيقها في المحاكم من الغرامة، حيث استفاد منها في المرة الأولى 2000 عائلة سورية وفي المرة الثانية 1300 عائلة سورية.
أين تكمن المشكلة في مثل هذا الزواج ؟!
تكمن المشكلة من الناحية القانونية في عدم تثبيت عقود الزواج هذه والتي تتم خارج المحكمة الشرعية لا سيما وأن القانون الأردني يمنع زواج من عمره يقل عن 15 عاما .
حيث أن الفقرة (أ) من المادة (10) في قانون الأحوال الشخصية الأردني تشترط لأهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة أتما 18 سنة شمسية إلا أن الأهل عادة ما يلجؤون إلى الفقرة (ب) من ذات المادة حيث يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة “أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل سن 15 سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ما له علاقة بالزواج والفرقة وآثارهما ، ويمنع وفقاً للقانون زواج من يقل عمره عن 15 عاماً.
نشير أيضا في هذا الصدد إلى أن هناك من القاصرات السوريات في تركيا ممن وقعن فريسة لزواج ثاني من تركي متزوج نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية من أجل أن تساعد أسرتها في تأمين بدل إيجار المنزل دون أن يتم تثبيت عقد الزواج وفق القانون التركي لأن القانون التركي لا يقر الزواج الثاني ويمنع التعدد ويعاقب الزوجة الثانية والزوج التركي بالحبس لمدة ستة أشهر ، وهذا الأمر لا يعرفه معظم السوريون المقيمون في تركيا !!
وبالتالي فإن المشكلة تكمن من الناحية القانونية كما قلنا في عدم تثبيت الزواج أمام الجهات المختصة وخاصة في دول اللجوء وبالتالي فالأثار التي تنتج عن عقد الزواج المنظم خارج المحكمة المختصة غير منتجة لأثارها القانونية وخاصة لجهة الولادات الحديثة من حيث التسجيل ، الجنسية ، الحقوق الأخرى ..الخ.
وكذلك في حال حصول الطلاق !! ما هو مصير الزوجة القاصر؟ ، ما هو مصير الأطفال في حال وجودهم ؟
إذاً فحجم المشكلة كبير ويحتاج إلى جهود من كل الجهات المحلية والاقليمية والدولية لإيجاد حل لها لأن الآثار القانونية المتولدة عنها أكبر من المشكلة ذاتها …
الصور مصدرها النت .