شعر وحكاياتعام

فى المرآة

فى المرآة

   
قصة قصيرة/
     عبدالعزيزموسى

إضاءة الشارع الخافته وتراكم السحب في السماء وخلو الشارع من المارة في هذه الليلة الشاتية كل ذلك كان كفيلا بأن يجعله غير مرئي بالنسبه لى،لكن صوت انينه الضعيف جذب انتباهى بعد أن كف المطر عن التساقط، كان متكورا على نفسه في الوضع الجنينى، يرتعد من البرد والبلل بهذه الثياب الممزقه التى لاتكاد تغطى جسده. لم تكن ملامح وجهه واضحه بالنسبة لى غارت عيناه واختفى فمه وسط لحيته وشاربه الكثيفان، شعره الذى يشكل رأس نخلة صغيرة مبللة يغطى بعضه جبينه وحاجبيه، هيئة تدل على سنوات من الشقاء والضياع والمعاناة…نتشابه فى هذه الليلة انا وهو فى الوحدة ما اقساها في ليل الشتاء البارد حيث لازوجة ولا ولد ولا صديق. 
ممدت يدى اليه أجلسته على الرصيف حيث يرقد حاولت أن أطمأنه بأبتسامه ملؤها الألم والتساؤل عن بقائه في هذه الساعه فى هذا المكان لكنى ادركت أنه سؤال غبى أذ لامكان لمثل هؤلاء الا الشارع والنوم على الأرصفة. حياة كاملة يحياها أمثاله في هذه البقاع المنسيه من كل مشاريع التمنيه التى تضج بها الشاشات والنشرات الاخباريه فى الوطن العربى الذى ينقسم فى بلدان كثيرة الى طبقات تصنف المجتمع الى صفوة تحيا حياة البذخ وتسكن القصور ،والى طبقات أخرى تصارع من أجل البقاء ومحاولة إدراك بعض الحياة الادميه..ساعدته فى النهوض بدون ان يعترض وبلا أى كلمة منى سار بجانبى يجر خطواته بادى الإعياء..لعله الجوع هو السبب..حدثت نفسى اننا سنقتسم عشائي المتبقى من وجبة الغداء…خطوات قليلة وكنا داخل الغرفه التى أسكنها بابها الخشبى تعبث به الريح فيصدر صرصرة لايمنعها قالب الحجر الذى وضعته خلفه فى محاولة لغلقه…على الكنبة الوحيدة فى الغرفه نام متدثرا بلحافى القديم وبلا وسادة أستسلم للنوم وكأنه كان يشتهيه اكثر من شطيرة الفول التى اقتسمناها انا وهو..عاد الى أناته التى جذبت انتباهى اليه فى الخارج ثم تحولت إلى همهمات بالتدريج اخذت بعض الأحرف تتضح لى مكونة لبعض الكلمات والجمل..كانت الكلمات أشبه لابتهالات أو مناجاة…لم يتوقف الصوت ولم أستطع النوم ولم أعد متيقنا إن كان نائما كما اراه أم أنه مستيقظ في عالم آخر يستحوذ عليه لايصلنى منه إلا صوت إنشاده ومناجاته…أستحوذ على أهتمامى.. مقتربا منه أحاول أن اتبين تفاصيل وجهه وملامحه..أزحت بعض الشعر عن جبهته نظرت في عينيه التى كان يحدق بها إلّىّ…وتتسع إبتسامته فى فضاء الغرفة وتطوقنى بدهشة لا حدود لها إذ لم يكن هذا الوجه الذى أحدق فيه إلا وجهى أنا فى المرآة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock