كتبت : صفاء القاضي
زخم يجتاح أيامنا كالموج , فلا يكاد يطل علينا يوما إلا ويأتي وراءه الآخر بما هو جديد , في هذه الفترة نكاد نعاني من الزخم فلا فراغ في اليوم لتأمل أحداثه بل يلحق به الآخر دون هوادة
فها هو رمضان رائحته تفوح وتملأ البلدان , ولا يكاد يخلو بيت من علاماته وبوادره وانتظاره السعيد وأيضا لا يخلو بيت من امتحانات آخر العام , فرائحة الكتب الدراسية والملخصات اختلطت برائحة رمضان وعصائره وسلطاته وخزينه الغذائي والترتيب له
أضواء فوانيس رمضان اختلطت بأنوار غرفة طالب ساهر يجول ويصول في أروقة كتبه ليجتاز معركة الثانوية أو الجامعة واختلطت رائحة الإجازة الصيفية التي أخذها الأطفال فهم يلعبون في شوارعنا وبيوتنا ونوادينا , يسحبون ذاكرتنا إلى حيث الماضي و على عتبات الطفولة يتركوننا , صحيح أنهم ما عادوا يلعبون ألعابنا , ولا كنا نلعب نحن لعبة ( بابجي ) ولا كنا نتسمر بالساعات أمام أجهزتنا صامتين , لكن تجمعاتهم الجميلة تخطف ذاكرتنا إلى الماضي وجريهم مسرعين الخطى إلى ملعب الكرة يسرع بنا إلى دفقات سعادة مخبأة في مكان ما بالقلب
واجتاحتنا أيضا الحياة السياسية فكانت لها يد أخرى عرس انتخابي اجتاح مصر ليثبت فيه المصري أنه حر في اختيار دستوره وقوانينه , وأنه سياسي نزيه من حقه التصويت وخوض التجربة الوطنية لمصلحة الوطن , وهنا مزيج من زخم عجيب اللون اختلطت فيه السياسة و الصندوق الانتخابي وتعدد الموجات السياسية , برمضان وفوانيسه , واختبارات أبنائنا الطلاب الكبار وإجازة الصغار , وعبق شم النسيم ذلك العيد المصري الأصيل بروائحه المميزة من البصل والليمون , وهما دواء المصري حيث يحمي المصريين من الأمراض من قديم الدهر و من عصر الفراعنة إلى الآن , وتوج كل ذلك الزخم أعياد الأقباط حيث تتزين مصر كلها بالسعف مختلطا بفانوس رمضان وكتابا للثانوية العامة وورقة للانتخاب وملابس عيد و فرحة نجاح وعيد قبطي تاريخي فرعوني تتميز به مصر وحدها دون بلاد العالم , لا ندري أنشم فيه النسيم ؟ أم عبق الرنجة والفسيخ ؟
وها هو الربيع بأ زهاره لم ينسانا بل يأتي في كل ذاك الزخم تتراقص زهوره على أنغام أغنياته ويرحل عنا الشتاء بقسوته وجبروت طقسه ليأتي الربيع في عمق الإجازة الصيفية , وفي مقدمة رمضان بفانوسه المنير الذي يضيء أعياد الأقباط حيث يمسك الأولاد كتبهم ويذاكرون لخوض اختبارات آخر العام وحيث يمسك المصري اصبعه ويضعه في حبر الانتخاب وحيث يأتي الربيع ويرحل الشتاء .
لم يعد من حقنا تذوق الأيام أو الشعور بها في خضم كل هذا الزخم , وكأن الأيام تراوغنا حتى تحرمنا لذة تذوق العمر
تزدحم علينا الأحداث وتضيع أيامنا تلهث وراء الأحداث متناسين فيها أنفسنا وأرواحنا .
وكأن الأيام تراوغنا حتى تحرمنا لذة تذوق كل الأشياء
وتأتي لنا بإرهاصات الحياة المزدحمة معصورة في كأس واحد نتجرعه فلا نكاد نسيغه .